«انتصار نتنياهو التام» تكسره أبواب رفح المُغلقة!

نتنياهو

خرج رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليتحدّث ويشرح لماذا لا يستطيع وقف الحرب في قطاع غزة حتى «الانتصار التام»، في وقت نشطت المباحثاتُ في مصر لبدء الحديث عن المفاوضات التي تحفّظت عليها أميركا إيجاباً، ورفضتْها إسرائيل، وأكدت قطر أنها تستطيع البناء عليها.

وفي الوقت عيْنه، يتعرض نتنياهو لضغط أميركي من الرئيس جو بايدن الذي اعتبر أن الحرب قد «تجاوزت الحد»، ولانتقاداتٍ داخلية من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المُحتجَزين لدى حركة «حماس» كأولوية قصوى.

إلا أنه لا يمكن إغفال مسألة مهمة تتمثل في أن نتنياهو يفاوض الفلسطينيين تحت النار، وان ثمة مَن يعمل في الوقت عينه مع مصر وقطر لخفض الفجوة بين «حماس» وتل أبيب والوصول إلى حل يوقف إطلاق النار حتى ولو لم تتوقّف الحرب في شكل تام.

وفي الأثناء يعلن نتنياهو أنه يتحضّر لإخلاء مدينة رفح استعداداً لعملية عسكرية تثير قلق المجتمع الدولي.

لا يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي إنهاء الحرب لأن هذا يعني نهايته السياسية. كما أن ليس بإمكانه تلبية طلب «حماس» بالإفراج عن أكثر المحكومين بالمؤبد وما فوق، في الدفعة الأولى من الدفعات الثلاث التي اقترحتْها حماس في ردّها الأوّلي على عرض إسرائيل بوقف إطلاق النار مقابل الأسرى الجنود.

لا يستطيع نتنياهو إنهاء الحرب لأن هذا يعني نهايته السياسية كما أن ليس بإمكانه تلبية طلب «حماس» بالإفراج عن أكثر المحكومين بالمؤبد وما فوق

فإسرائيل لا تستطيع الظهور ضعيفةً أمام المعارضة التي تنتظر الفرصة للتخلص من نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بسبب فشلها في تحقيق أهدافها الرئيسية، ولأن ما حققتْه أَضْعَفَ موقف أميركا عالمياً واستجرّ سخطاً غير مسبوق على إسرائيل خصوصاً أن جيش الاحتلال قتل بوحشية ومن دون تمييز أعداداً مروعة من المدنيين وتسبَّب بدمار شامل في القطاع وأضعف «حماس» من دون القضاء عليها بحسب تقديرات الاستخبارات الغربية.

ويبدو أكثر وضوحاً أن النهج الذي يتبعه نتنياهو هو استعداده لقبول خسارة 136 أسيراً إسرائيلياً بدل الإذعان لمطالب «حماس» بعد إعلانه لاءاته الثلاثة: لا لوقف إطلاق النار الشامل، لا لإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين متورّطين بدم إسرائيلي، ولا لانهاء العملية العسكرية من دون القضاء على «حماس».

وهذا يسلّط الضوء على إستراتيجيةٍ تعطي الأولوية لتدمير «حماس» على حساب أي تكاليف إنسانية أو سياسية فلسطينية أم إسرائيلية.

ويعتبر نتنياهو ان قبول وقف إطلاق نار دائم هو بمثابة استسلام للإرهاب وتهديد مباشر لأمن المستوطنين الذين يرفضون العودة إلى مستوطناتهم قبل التأكد من إنهاء الخطر عليهم وقد أصبحوا لاجئين للمرة الأولى ورحل منهم 750.000 حتى اليوم وعادوا إلى البلاد التي أتوا منها.

ويبحر نتنياهو في ساحة سياسية مضطربة، تتميّز بمشاكله القانونية والحاجة إلى الحفاظ على دعم حلفائه المتطرفين اليمينيين مثل أحزاب يقودها وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريش. وهؤلاء يحتاجون إلى نتنياهو كما يحتاج إليهم هو للبقاء في الحُكْم حتى أواخر 2026، ويدركون ان بقاء الائتلاف يعتمد على اتخاذ مواقف متشددة في شأن غزة وعدم الاستماع لمطالب أميركا التي تريد لهذه الحرب أن تتوقف من أجل أهداف انتخابية، وعلى الاستمرار بالحرب حتى عودة المستوطنين للقطاع بعد طرْد الغزاويين.

إلا أن نتنياهو لا يطمح لعودة المستوطنين إلى غلاف غزة بل إلى السيطرة على القطاع وإبقاء الجيش الإسرائيلي مهيمناً، وهو يعتقد أنه يستطيع لجم المتطرفين في الوقت المناسب إذا حصل على انتصار يعطيه حصانة ما: إما تحقيق انتصار بقتل قادة «حماس» أو أبرز هؤلاء، وإما الإعلان عن تطهير القطاع بعد احتلاله بأكمله وخصوصاً في أعقاب تصريحه أنه قضى على 18 كتيبة للحركة وأن أربعة منها لاتزال في رفح، ليؤكد للمستوطنين أنهم يستطيعون العودة إلى منازلهم بعد انتهاء عمل جيش الاحتلال.

إقرأ ايضاً: عبداللهيان يطمئن من لبنان: المنطقة تسير نحو الحل

إلا أن المقاومة مازالت تقصف مستوطنات غلاف غزة في شكل شبه يومي ومن الشمال الذي تحتلّه إسرائيل، في رسالةٍ مفادها بأن احتلال مناطق لا يعني السيطرة عليها.

وما يسلط الضوء أكثر على ما يحدث في غزة ويزعج أميركا هو ارتفاع عدد القتلى المدنيين وسط تقارير تشير إلى أن الرقم يقترب من 28.000، بينهم 70 في المئة من الأطفال والنساء، ونية نتنياهو القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في رفح حيث يتجمّع النازحون الفلسطنيون بأعداد هائلة وصلت إلى 1.4 مليون كما أعلن منسق السياسة الخارجية للمجموعة الأوروبية جوزيب بوريل.

وهذه الخطة التي طلبها نتنياهو من قيادة أركان جيشه تتسبب بردة فعل دولية شاجبة، ولكن يبدو أنها غير مؤثرة على رئيس الوزراء.

إضافة إلى ذلك، فإن وجود عدد مرتفع من النازحين في رفح يعوق التحرك العسكري لجيش الاحتلال الذي لا يزال منغمساً في خان يونس القريبة. وهذا ما دفع نتنياهو إلى الطلب من قادة جيشه الاستعداد لإيجاد حل للمهجّرين وتحريكهم من رفح، علماً أن العملية العسكرية الجارية لم تترك أي منطقة في القطاع من دون قصفها وتهجير عدد كبير من أهلها.

إذاً فإن رفح هي المفتاح والحلّ: فإما تحتل إسرائيل كامل القطاع إذا أُطلقت يدها على حدود مصر، وإما تتوقف وترضى إذا وجدت تصميماً ورفضاً كاملاً من أطراف إقليمية بالدرجة الأولى وكذلك ضغوطاً دولية لوقف عملياتها العسكرية في رفح.

إعلان نتنياهو تصميمه على تحقيق «النصر الكامل» من الممكن أن يكون أيضاً جزءاً من مناورة لخفض سقف الثمن الذي سيدفعه في مفاوضاته تحت النار مع «حماس»

إن إعلان نتنياهو تصميمه على تحقيق «النصر الكامل» من الممكن أن يكون أيضاً جزءاً من مناورة لخفض سقف الثمن الذي سيدفعه في مفاوضاته تحت النار مع «حماس» مستمراً في الوقت عينه بالعمل العسكري.

إلا أن التوازن الدقيق بين ضمان الأمن القومي الإسرائيلي والاستقرار السياسي واستمرار الحرب في غزة يشكل التحدي الحقيقي لرئيس وزراءٍ ضاقت أمامه الخيارات. وبمجرد عدم إرسال وفد إسرائيلي إلى مصر للتفاوض مع «حماس»، فهذا يؤكد أن حكومة الاحتلال قررت الاستمرار بالتصعيد والتطهير العرقي إلا إذا بقيتْ الأبواب في رفح مغلقة ولم يغادر الفلسطينيون، ما سيجعل نتنياهو يخسر الحرب مهما كانت نتائجها المدمّرة على الشعب الفلسطيني.

السابق
إسرائيل توسّع الضرب «تحت الحزام» وتحاول اغتيال قيادي حمساوي في جبل لبنان!
التالي
«ضوء أخضر» إيراني لـ«حزب الله» للتسوية مع إسرائيل جنوباً..وجنون نتنيناهو متواصل!