هل تصلح الديبلوماسية الإيرانية في لبنان ما أفسدته أذرعتها في المنطقة؟!

يأخذ الحراك الديبلوماسي الإيراني الرفيع نحو لبنان، طابعاً "إستعراضياُ تعويضياً"، أكثر من أي مرة يزوره، فيها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، خصوصاً منذ بداية "طوفان الأقصى" حتى اليوم، نتيجة التطورات السياسية والعسكرية، التي أربكت إيران وأذرعتها و كسرت شوكتها" في المنطقة، حيث لم يبق أمامها الى إعطاء جرعة قوية الى "حزب الله"، إستنقاذا له ولها، بعد الإنتكاسة في مقاربة "حرب المشاغلة" في غزة، والتسويات التي تحاول الالتحاق بها.

يكاد لبنان ان يكون المنصة الوحيدة المتاحة، لتحرك دبلوماسي ايراني سلس على مستوى المنطقة، فزيارة وزير خارجية ايران حسين امير عبد اللهيان الى بيروت اليوم، تبدو تعويضا عن عزلة دبلوماسية تزداد منذ “طوفان الأقصى”. فالتحركات الدولية والاقليمية على هذا الصعيد، لا تولي طهران اهمية على مستوى حركة وزراء الخارجية، التي باتت تتركز في الدائرة العربية (مصر، السعودية، قطر، الاردن)، وما يمكن ملاحظته بشأن ايران يمكن استنتاجه بشأن تركيا.

الحذر من احتضان الأذرع

النافذة اللبنانية، هي المجال المتاح لدور دبلوماسي ايراني، بعدما نأت سوريا بنفسها عن مساندة غزة، واقتصرت مهمة ايران، على ارسال مندوبين امنيين الى العراق “المرتبك” بين واشنطن وطهران، بعد الضربات الاميركية الامنية الاخيرة، والى اليمن الذي تحاذر الدبلوماسية الايرانية، من الاقتراب كثيرا منه اليوم، بعدما زاد الغضب الدولي على الحوثيين بعد ازمة مضيق باب المندب.

قتال منضبط واتفاق منجز

زيارة عبد اللهيان الى بيروت، يتخذ الجانب الاستعراضي فيها البعد الأهم، اي اثبات الحضور وتأكيد النفوذ، خصوصا ان الجبهة اللبنانية مع اسرائيل، باتت اكثر من اي وقت مضى محكومة بتفاهمات انجزت، والتزم “حزب الله” بها بتشجيع ايراني، اي قتال مضبوط، وتسوية شبه منجزة، الخلاف فيها يقتصر على كيلومترات المنطقة العازلة في جنوب لبنان، ويتولى الوفد العسكري الفرنسي ترتيب تنفيذها، بعد اعلان الهدنة في غزة.

تقدم عربي وتراجع المربع الاقليمي

الجبهة المشتعلة تحت سقف الضوابط بين لبنان واسرائيل، يقابلها مزيد من حضور عربي في مشهد غزة، فالحاضنة العربية المشار اليها آنفا، تدور حولها الحركة الدبلوماسية، فيما يتقدم عنوان حل الدولتين، بعدما اعادت الرياض التأكيد على ان الدولة الفلسطينية، هي شرط التطبيع مع اسرائيل، وبخلاف ما كان عليه الحال في السنوات العشر الماضية، القوة الاقليمية العربية انتقلت من طور الدفاع الى طور المبادرة، والاحاطة بالقضية الفلسطينية من باب تريد فلسطين دولة، اي استثمار الدور العربي لصالح فلسطين، لا استثمار القضية لمصالح اقليمية.

يتقدم عنوان حل الدولتين، بعدما اعادت الرياض التأكيد على ان الدولة الفلسطينية، هي شرط التطبيع مع اسرائيل

التودد الايراني للسعودية مستمر، ولم يهتز بعد “طوفان الأقصى”، بل زاد، كما ان تقدم الدور العربي، يترافق ليس مع تراجع الدور الايراني فحسب، بل مع انكفاء الدور التركي، وتراجع اسرائيل واثيوبيا، وهي القوى الاقليمية التي استثمرت في الانكفاء العربي الاقليمي، خلال العقد الماضي على الأقل.

نأي ايراني على اهبة التحوّل

سياسة النأي بالنفس، التي اعتمدتها ايران في مواجهة الاميركيين والاسرائيليين، حرّمتها على اذرعتها في العراق واليمن ولبنان، وبدت كأنها حكرا عليها، بحيث اعتبرت انها غير معنية باستهداف اذرعتها في العراق، طالما لم يسقط ضحايا ايرانيون.

اتفاق اطار باريس بشأن الهدنة، لن يسقطه موقف الحكومة الاسرائيلية، من المشاركة في التفاوض الجاري في القاهرة

الجبهة مع لبنان هامشية بالنسبة لاسرائيل، قياسا مع غزة، واتفاق اطار باريس بشأن الهدنة، لن يسقطه موقف الحكومة الاسرائيلية، من المشاركة في التفاوض الجاري في القاهرة. وغياب اسرائيل لا يوقف المفاوضات، التي من مؤشراتها الايجابية، ان ثقة يحي السنوار نائب رئيس “حماس” في غزة خليل الحيّة، هو من يرأس وفد “حماس”، خصوصا ان عامل الثقة بين السنوار وقيادة الحركة في الخارج ليس على ما يرام.

رأس الدبلوماسية الايرانية في بيروت، ليعزز من موقع بلاده الدبلوماسي، ليس في مواجهة الحصار الدولي فحسب، بل في سبيل قيادة مرحلة تحول فرضتها عملية “طوفان الأقصى” على مستوى المنطقة، اي تراجع النفوذ الميليشيوي وتقدم دبلوماسية الدول.

لبنان هو امتحان للدبلوماسية الايرانية، ليس في توفير الحاضنة الاقليمية ل”حزب الله”، بل في امتحان التسوية الداخلية، التي لن تقوم طالما ان ميليشيوية “حزب الله” تتقدم على الدولة وتقودها.

السابق
بالفيديو: دماء تسيل في صور.. قتيلان وأربعة جرحى!
التالي
«الحزب» يدكّ الجولان بوابل من الصواريخ.. اليكم إهمية معسكر «كيلاع»!