حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: «الأونروا» شريان الحياة في غزة

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتوالى بشكل لافت وسريع، قرارات تصدر عن دول غربية، بوقف دفع مساهماتها المالية في موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا )، بزعم ان موظفين في الوكالة الدولية، قد تورطوا بالمشاركة في عملية حركة “حماس” في ٧ اوكتوبر ٢٠٢٣…

آخر هذه الدول كانت ألمانيا.. و كانت أعلنت ثماني دول رئيسية أخرى مانحة لوكالة “الأونروا”، تعليق تمويلها في أعقاب اتهام إسرائيل موظفين في الوكالة التابعة للأمم المتحدة، بالضلوع في الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر، وردت “الأونروا” على هذه الاتهامات، بفصل تسعة من موظفيها على خلفية الاتهامات الإسرائيلية، وتعهدت بإجراء تحقيق شامل، في حين أكدت إسرائيل، أنها ستسعى لمنع عمل الوكالة الأممية في قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب.

ولجأت ألمانيا الى تعليق تمويلها لـ”الأونروا”، وقالت وزارة خارجيتها، إنه طالما لم يتم توضيح الاتهام فإن “ألمانيا، بالاتفاق مع دول مانحة أخرى” ستمتنع في الوقت الحالي، عن الموافقة على تقديم المزيد من الموارد.

وأعربت وزيرة الخارجية الأسترالية، عن “قلق بالغ” من الاتهامات، وقالت “نتواصل مع شركائنا وسنعلق مؤقتا دفع التمويلات”، لكنها شددت على تأثير “العمل الحيوي” للأونروا على سكان غزة و”أكثر من 1.4 مليون فلسطيني تأويهم في منشآتها”.

وحذت كندا حذو الدول الغربية، وعلقت مؤقتاً أي تمويل إضافي للأونروا، كما علّقت فنلندا، التي أبرمت اتفاقاً مدته أربع سنوات لتقديم خمسة ملايين يورو سنويا للأونروا، تمويلها، كما انضمت الحكومة الإيطالية الى حملة وقف تمويل الأونروا، بعد اتخاذ دول حليفة القرار نفسه، وأعلن وزير التجارة الهولندي تجميد تمويل الأونروا، بينما يتم إجراء تحقيق، وقال للإذاعة الرسمية في بلاده “الاتهام هو أن الهجوم تم تنفيذه في 7 تشرين الأول/أكتوبر بأموال الأمم المتحدة، بأموالنا”. وأعربت وزارة الخارجية البريطانية، أنه سيتم تعليق المساعدات بينما “نقوم بمراجعة هذه الادعاءات المثيرة للقلق”.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية، هي من افتتحت باب وقف تمويل الأونروا، تماما في اليوم نفسه الذي تم فيه صدور القرارات التنفيذية عن محكمة العدل الدولية، والذي قررت فيه المحكمة احتمال قيام إسرائيل بابادة جماعية في قطاع غزة، ووضعت الشعب الفلسطيني تحت الحماية من جريمة ابادة جماعية محتملة، واعلنت الخارجية الاميركية أنها “ستعلّق مؤقتا” التمويل الجديد لوكالة الأونروا، وقال الناطق باسمها “إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء المزاعم القائلة، إن 12 موظفاً لدى الأونروا قد يكونون متورطين في الهجوم الإرهابي، الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر”.

وبينما أشارت الخارجية الأميركية إلى “الدور الحاسم” للأونروا في مساعدة الفلسطينيين، شدّدت على أهمية أن تقوم الوكالة التابعة للأمم المتحدة بـ”الرد على هذه الاتهامات واتخاذ أي إجراء تصحيحي مناسب”. وأعلنت سويسرا، التي بلغت مساهماتها للأونروا نحو 20 مليون فرنك سويسري (23 مليون دولار) في السنوات الأخيرة، أنها لم تتخذ قراراً بعد بشأن الموافقة على تقديم التمويل لعام 2024 حتى يتم البت في الاتهامات.

تتولى الاونروا في غزة التي تضم حوالي ٣٠ الف موظف، وتضطلع بأكثر من ٨٠ % من اعمال الاغاثة، وتأوي في مدارسها ومنشآتها أكثر من مليون وأربعمائة ألف فلسطيني

وفي تعديل لاحق للاتهام الذي اطلقته اسرائيل في هذا الصدد، قال وزير الخارجية الاسرائيلي ان بعض موظفي الوكالة كان على علم بعملية ” طوفان الأقصى ” قبل حدوثها، ولذلك فإن الوزير الاسرائيلي يعتبر أن من واجبات موظفي الأونروا، ابلاغ اسرائيل عن عملية محتملة ضدهم!

الحل المناسب لها هو في توطين المتحدرين من النازحين الأصليين

وتتولى الاونروا في غزة التي تضم حوالي ٣٠ الف موظف، وتضطلع بأكثر من ٨٠ % من اعمال الاغاثة، وتأوي في مدارسها ومنشآتها أكثر من مليون وأربعمائة ألف فلسطيني، وتشكل الشبكة الأكثر فعالية وامتدادا وشمولا لإيواء النازحين، وتوزيع الغذاء والدواء. وتسعى اسرائيل تاريخيا ومنذ مدة طويلة لانهاء عمل وكالة الأونروا، وتعتبر ان خدماتها تقدم للجيل الثالث من ضحايا النكبة، والجيل الثاني لنكسة الخامس من حزيران، وتعتبر ان الحل المناسب لها هو في توطين المتحدرين من النازحين الأصليين، خارج أراضي فلسطين التاريخية، وان تمويل إغاثة وتعليم سكان مخيمات الضفة والقطاع ودول الطوق، الاردن وسوريا ولبنان الذي يبلغ تعدادهم خمسة ملايين لاجئ، أمرا لا ضرورة له.

الموقف الإسرائيلي هذاط، ينبع من اعتبار وجود الأونروا شاهد على جريمة النكبة الفلسطينية، واقتلاع شعب من أرضه، واعتراف دولي وواقعي وإجرائي من المجتمع الدولي، بمظلومية الشعب الفلسطيني. وقد ادى عداء اسرائيل التاريخي لوجود الاونروا، الى تقليص مستمر لمساهمات تمويلها من قبل دول عديدة خضعت لضغوط اسرائيلية، وبلغ هذا الانخفاض في قيمة التمويل أوسع مداه، في عهد ادارة الرئيس دونالد ترامب، الذي الغى مساهمة أمريكا في تمويل الاونروا.

الاداء الفعلي للجيش الاسرائيلي لا يتطابق مع هذه الاهداف ولا يسعى لتحقيقها

ما يحدث اليوم والاتهامات الإسرائيلية للأونروا، ليس تكرارا لموقف تاريخي، بل هو إجراء خطير يتصل بأهداف اسرائيلية راهنة في حرب الابادة الجماعية، التي تشنها حكومة اليمين الاسرائيلي على غزة، وعلى الرغم من أن إسرائيل قد أعلنت ان الأهداف الثلاثة لحربها على غزة، هي تفكيك حركة “حماس” وتقويض سلطتها واستعادة المحتجزين لديها، وضمان عدم تكرار تهديد المستوطنات بعمليات شبيهة بـ”طوفان الاقصى”، الاّ ان الاداء الفعلي للجيش الاسرائيلي، لا يتطابق مع هذه الاهداف ولا يسعى لتحقيقها، بل يشير الى الهدف الحقيقي هو؛ جعل غزة ارض لا يمكن العيش فيها، عبر تدمير كل مقومات وخدمات الحياة فيها، وذلك لتنفيذ جريمة الإجلاء القسري للسكان واقتلاع مليوني ونصف مليون بشري من ارضهم، وتصر اسرائيل على هذا الهدف وتنفيذه، إما دفعة واحدة عبر دفعهم تحت القصف الى سيناء، والاَّ تهجيرهم بشكل متدرج الى دول تتواطأ مع حكومة اسرائيل، ككندا وأستراليا وفنلندا وألمانيا، وتشكل الأونروا وخدماتها وشبكتها ومنشآتها وموظفيها، شريانا رئيسيا لايصال المساعدات، وعاملا اساسيا يساعد الفلسطنيين على البقاء في ارضهم، وعلى الصمود وانتظار عمليات اعادة الإعمار للعودة الى منازلهم.

وتبدو الإجراءات الغربية ضد الأونروا، أمرا مستهجنا ومستنكرا وشديد الفظاعة، فهو يأتي بتوقيته وكأنه رد عقابي على قرارات محكمة العدل الدوليه، الذي تضمن ستة بنود:

_إلزام “إسرائيل” باتخاذ كافة التدابير لوقف قتل الفلسطينيين، ومنع إيقاع ضرر جسدي أو عقلي جسيم بحقهم، وقف أي إجراءات محسوبة للتسبب بفنائهم أو فناء جزء منهم التصويت: (15 مقابل 2) ⁠

_إلزام الجيش “الإسرائيلي” بالبنود السابقة وبشكل فوري (15-2)،

_منع تحريض المسؤولين “الإسرائيليين” على الإبادة الجماعية ومعاقبة المحرضين (16-1).

_توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة (16-1)،

_امتناع “إسرائيل” عن تدمير أي أدلة على ارتكابها الإبادة الجماعية (15-2)،

_تقديم تقرير خلال شهر حول تطبيق الإجراءات الواردة في قرار المحكمة (15-2).

وبدل ان تلجأ هذه الدول، الى دعوة اسرائيل الى الامتثال لقرارات المحكمة، وان تتعهد هي نفسها بزيادة المساعدات لغزة، فان اجراءاتها تأتي بشموليتها كعقاب جماعي، يطال اولا كل سكان قطاع غزة واطفالها ونسائها، كمايطال ٣٠ الف موظف من العاملين في المنظمة الدولية، قضى منهم ١٢٠ عاملا نتيجة استهدافهم من قبل اسرائيل، وهم يقومون بواجبات الاغاثة، بدل حصر ردة الفعل ضد من طاله ادعاء مزعوم وعددهم ٩ او ١٢ من العاملين فيها، وهو يستعجل ادانة المتهمين قبل انتهاء التحقيق الذي تجريه إدارة الأونروا، وتتناسى هذه الدول التي تتلو على العالم دروس المعايير والأخلاق، تتناسى قرينة البراءة التي تقول المتهم بريء حتى يدان؟!

النفاق الغربي لا حدود له، والعمل لصالح اسرائيل شرف مزعوم يتمناه كل سياسي غربي

النفاق الغربي لا حدود له، والعمل لصالح اسرائيل شرف مزعوم يتمناه كل سياسي غربي، لدرجة ان يفقد عقله واحترامه تجاه شهيته بخدمة اسرائيل، لا حاجة لإقناع هؤلاء بمظلومية الشعب الفلسطيني، ودعوتهم الى الانحياز الى العدالة وقيم الإنسانية، ولنسائل هذه الدول عن حجم الدعم العسكري، الذي شاركت بها إسرائيل في جريمة الابادة الجماعية في غزة؛ اسلحة واساطيل وقنابل امريكية والمانية، وقنابل واساطيل وقوات خاصة بريطانية، وآلاف المتطوعين من فرنسا والهند، وانحياز سياسي سافر من كل هؤلاء، إضافة لايطاليا واستراليا وغيرها، لا يتمتعون باي تفوق أخلاقي أو معياري، يجعلنا نصغي لترهاتكم، ليغطي العرب الأغنياء تمويل الاونروا، واهل غزة سيبقون فيها والاحتلال الى زوال…

السابق
بالفيديو: الجبهة الجنوبية على غليانها.. غارات وجريحة في الضهيرة تخرج من بين الركام!
التالي
للمرة الاولى.. قتلى واصابات في هجوم على قاعدة أميركية عند حدود الأردن وسوريا!