«لقاء البيكين».. بين الأمس واليوم!

ياسين شبلي

ألقى “العشاء العائلي” ما بين آخر “البكوات الكبار” في لبنان وليد جنبلاط وسليمان فرنجية ، حجراً في المياه السياسية اللبنانية الراكدة و”الآسنة” للأسف ، في بلد لطالما تأرجح مصيره، ما بين عواصم القرار الإقليمي بحسب الأجواء والأنواء، ليبدو في هذه المرحلة من الصراعات، معلَّقاً ما بين غزة وباب المندب، وذلك نظراً لما يتركه ويطرحه أي تحرك لوليد جنبلاط على الساحة، من تساؤلات – من دون التقليل من أهمية إنفتاح فرنجية وسعيه نحو الأطراف الأخرى في البلد – خاصة في مثل الظروف الراهنة في المنطقة، التي تشكل منعطفاً تاريخياً بلا شك بعد “زلزال” 7 أكتوبر، الذي لا تزال إرتداداته تهز المنطقة بأكملها.

ألقى “العشاء العائلي” ما بين آخر “البكوات الكبار” في لبنان وليد جنبلاط وسليمان فرنجية حجراً في المياه السياسية اللبنانية الراكدة و”الآسنة” للأسف


فمنذ بداية الزلزال، كان لوليد جنبلاط موقفه اللافت والمميز، وإن كان غير المستغرب ، نظراً لتاريخه الشخصي وتاريخ “بيته السياسي” مع القضية الفلسطينية، كذلك نظراً لتحرره السياسي – إذا جاز التعبير – بعد تخليه عن مهامه لوريثه تيمور، ما جعل منه أكثر إنطلاقاً وحرية وشفافية في التعبير عن آرائه، وهو العالم ببواطن الأمور، والخبير بإلتقاط ذبذبات السياسة الدولية في المنطقة عبر “راداراته” التي نادراً ما تخطئ، الأمر الذي يجعل من أي تحرك داخلي له مثار تساؤل وإهتمام، لمحاولة معرفة ماهية هذا الحراك وأسبابه ونتائجه على الوضع العام في البلد، خاصة في ظل الشغور الرئاسي الذي يلفه الغموض والجمود، الناتج عن الضياع الذي تعانيه الطبقة السياسية، والذي يُظهر عجزها وفشلها في قيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان.
لقد حرص الطرفان على إعطاء العشاء الطابع العائلي، بعيداً عن المواقف السياسية، كذلك عن الملف الرئاسي أو حتى موضوع رئاسة الأركان في الجيش اللبناني، وهو أمر لا يمكن “تصديقه” في بلد كلبنان، لا يمكن فصل العلاقات الشخصية فيه عن العلاقات السياسية، خاصة بين زعيمين وعائلتين، لهما بصمتهما في تاريخ لبنان الحديث.
لقد أعاد هذا اللقاء إلى الأذهان ، لقاء مشابه – بالسياسة – تم بين سليمان فرنجية الجد والزعيم كمال جنبلاط، عشية الإنتخابات الرئاسية اللبنانية عام 1970، عندما كان فرنجية مرشحاً للرئاسة بمواجهة مرشح النهج الشهابي إلياس سركيس، وكان كمال جنبلاط يومها يجمع بين زعامته الدرزية وزعامته لليسار اللبناني، بحيث كان صاحب كلمة وازنة في إنتخابات الرئاسة، عن طريق ما سمي يومها تحبباً “إخضاع” المرشحين – قبل أن يصبحوا بعدها يهبطون بالباراشوت – لإمتحان، يومها كان العمل الفدائي وإتفاق القاهرة حديث البلد، والحرب الباردة في أوجها والمنطقة تعاني آثار العدوان والنكسة، إضافة إلى أزمة لبنانية مع الإتحاد السوفياتي، تمثلت بإحباط المكتب الثاني محاولة سوفياتية، لخطف طائرة ميراج من لبنان إلى موسكو عام 1969، من ضمن الصراع مع الغرب، مَثُلَ المرشح إلياس سركيس أمام جنبلاط، الذي طرح عليه عدة أسئلة عن قانون الأحزاب وإتفاق القاهرة، وموقفه من العمل الفدائي، وكذلك العلاقة مع سوريا، كانت أجوبة سركيس عمومية ولم تحمل أية إلتزامات محددة، على إعتبار أن الحكم مشاركة ما بين الرئيس والسلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما رأى فيه جنبلاط تهرباً من المسؤولية وضعفاً في شخصية سركيس، بإعتباره قد يكون موظفاً ومساعداً جيداً، والموظف الجيد ليس بالضرورة قائداً جيداً، وقد لا يستطيع أصلاً أن يكون.

لقد حرص الطرفان على إعطاء العشاء الطابع العائلي بعيداً عن المواقف السياسية


أما سليمان فرنجية، فقد أجاب على أسئلة جنبلاط بطريقة فيها الكثير من “التملق” – إذا جاز التعبير – عبر دغدغة مشاعر جنبلاط بالنسبة لحرية الأحزاب والعمل الفدائي وعلاقات لبنان العربية، وهو ” تملق ” لا يمكن أن يمر على رجل بشخصية وذكاء كمال جنبلاط، لكن الظروف الإقليمية والموقف السوفياتي، لعبا دوراً كبيراً في جعله يتغاضى – ربما – عن هذا التملق، الذي قد يكون وجد فيه مبرراً لتأييده، وتنصيبه رئيساً بصوت واحد، قيل أنه صوت كمال جنبلاط، رغم علاقته الجيدة، أو على الأقل غير الصدامية والعدائية، مع النهج الشهابي.
فهل ينجح سليمان الحفيد اليوم أمام الوليد على خلفية حرب غزة، من دون تجاهل العوامل “المارونية” والداخلية الأخرى، كما نجح سليمان الجد أمام الكمال، على خلفية إتفاق القاهرة وأزمة الميراج بين موسكو وبيروت – مع إختلاف الظروف طبعاً بعد نصف قرن – ونرى إنعطافة جنبلاطية، لطالما تعوَّد اللبنانيون عليها في الملف الرئاسي تضع حداً للإستعصاء القائم؟
الأكيد أنه في بلد كبلدنا ومنطقة كمنطقتنا، لا يمكن الجزم بشيء قبل أن يحصل، والأفضل أن تتم متابعة التطورات والأحداث يوماً بيوم، لأن اللاعبون كثر والملعب كبير ودهاليزه متشعبة، كذلك قواعد اللعبة التي قد تختلف وبسرعة قياسية، وتنقلب من حال إلى حال.

السابق
تراب صور يحتضن «ابن بعلبك والجنوب» الفنان مصطفى ملحم حيدر
التالي
بالفيديو: قذيفة إسرائيلية تستهدف منزل القسيس طالب والكنيسة الانجيلية في علما الشعب