رسائل الى السفيرة الأميركية الجديدة في بيروت (4): إدعموا إتفاق الهدنة!

السفير هشام حمدان

سعادة السّفيرة

قرأنا أوّل تعليق لك بعد وصولك بالسّلامة إلى لبنان. فكما أشرت سعادتك، أنت تعودين إلى لبنان لقيادة السّفارة الأميركيّة، بعد أن كنت قد عملت فيها سابقا، من عام 2002 إلى عام 2004. ربّما لن تجدي ضرورة لجولات تعارفيّة. فالسّياسيّون هم أنفسهم الذين عرفتهم في حينه. ففي بلدنا سعادة السّفيرة، لم يصل حكم التّغيير بعد، إلى ديناصورات السّياسة فيه. هم يقيمون سعداء على مقاعد السّلطة منذ أواسط سبعينيّات القرن الماضي. تغيّر العالم، وسقط الإتّحاد السّوفياتي والمعسكر الإشتراكي، في أقل من نصف قرن. أمّا هم، فثابتون. ربما نرى مع قدومك فتحا ديمقراطيّا في لبنان، يبدّل من هؤلاء. نناشدك أن تذكّري واشنطن، باعثة الفكر الدّيمقراطي، وتبادل السّلطات في العالم، بوجود هذه الدّيناصورات في لبنان. أليس هذا عارا على الدّيمقراطيّة سعادة السّفيرة؟

نحن لدينا كلّ الثّقة بقدرة شعبنا على النّجاح والتفوّق. نحتاج فقط، لمن يدعم نظام الشّرعيّة الدّوليّة

سعادتك تقدّرين أهمّيّة التّحدّيات التي يواجهها لبنان. وتشعرين بإعجاب عميق بحيويّة الشّعب اللّبناني، وثقته بقدرة لبنان على النّجاح. شكرا لك. لكن، سرعان ما ستجدين، أنّ هذه التّحدّيات، لم تتبدّل بين عام 2002 وعام 2024، بلّ زادت كثيرا بفضل هذه الطّبقة من الدّيناصورات الحاكمة. نحن لدينا كلّ الثّقة بقدرة شعبنا على النّجاح والتفوّق. نحتاج فقط، لمن يدعم نظام الشّرعيّة الدّوليّة، فينزع عنه الإحتلال الإيراني المسلّح المقنّع، ألمحمي بالتطييف السّياسي، والفكر الدّيني.

في لبنان فثمة ميليشيات تقوم باستعراضات عسكريّة بالمناسبات الدّينيّة

حرّيّة الدّين جزء من الحرّيّات المصانة دستوريّا في الولايات المتّحدة، وأيضا في لبنان. لكنّ هذه الحرّيّة في أميركا، لا تسمح بإنشاء ميليشيات مذهبيّة، ولا بتهديد أمن البلاد، والمواطن، لأسباب دينيّة. كما أنّ هذه الحرّيّة تعني أيضا، أنّ من حقّ المواطن الأميركي، أن لا يكون مؤمنا، وأن لا ينتمي إلى ديانة. كلّ ذلك، من دون انتقاص أيّ من حقوقه الدّستوريّة الأخرى. أمّا في لبنان، فثمة ميليشيات تقوم باستعراضات عسكريّة بالمناسبات الدّينيّة، وتصرخ بإسم نبيّها وولاتها، وتعتدي على أيّ مواطن آخر، يمارس شأنا يخالف تعاليمها الدّينيّة.

كما أنّ المواطن في لبنان، يختم بمذهب فور ولادته، فيتحدّد بالتّالي، نوع الوظائف التي يحقّ له بها، مهما يكن نبوغه، بلّ ويتحدّد ولي أمره السّياسي من بين الإقطاعيّات الرّاسخة في طائفته. وويل لمن يتمرّد. وإذا أراد الزّواج من غير طائفته، وجب عليه السّفر إلى دولة تقبل بالزّواج المدني، فيما ديناصورات السّياسة في لبنان، يرفضون إقرار قانون يسمح بمثل هذا الزّواج داخل البلاد.

هذه هي المرّة الأولى التي تخرج فيها الحكومة بموقف وطني يخدم مصلحة لبنان

سعادة السّفيرة، فرحنا كثيرا عندما أطلّ البارحة، رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، مشدّدا، بأنّ المطلوب كحلّ دبلوماسي للوضع في الجنوب، هو “إعادة إحياء إتّفاق الهدنة لعام 1949، وتطبيقه، وإعادة الوضع في الجنوب، إلى ما قبل عام 1967. وإعادة مزارع شبعا ألتي كانت تحت السّيادة اللّبنانيّة قبل احتلالها، والعودة إلى خطّ الإنسحاب الأسبق بموجب إتّفاق الهدنة”. هذه هي المرّة الأولى التي تخرج فيها الحكومة بموقف وطني، يخدم مصلحة لبنان، بعيدا عن المزايدات، ولعبة المصالح السّياسيّة. إتّفاق الهدنة، هو قاعدة كلّ الحقوق الوطنيّة في وجه المجتمع الدّولي والإقليمي. وإضافة تعبير “إعادة الوضع في الجنوب إلى ما قبل عام 1967″، إنّما يعني باختصار، إخراج لبنان من لعبة الأمم، ووقف استخدامه كساحة صراعات، وحروب للآخرين.

نحن نعتبر، أنّ تحقيق العدالة للبنان، يفترض تطبيق إتّفاق الهدنة. فلبنان ضحيّة، ومن واجب الدّول الصّديقة، أن تتوقف، بلّ أن تمنع أيّ طرف إقليمي من استغلال وضعه، لتمرير صفقات على حسابه، تخدم مصالحه وأهدافه الخاصّة.

تقوم الولايات المتّحدة، بالتّحاور المباشر، وغير المباشر، مع هذه القوى في مسائل تصيب السّيادة الوطنيّة

لطالما كانت الولايات المتّحدة تطالب لبنان، بالكفّ عن تغطية ميليشيات تستخدم أراضيه، لأعمال عسكريّة بحجج سياسيّة مختلفة. لكنّنا نرى، أنّ الولايات المتّحدة، هي التي تشجّع بقاء هذه الميليشيّات في مركز القوّة والسّلطة في البلاد، بحجّة أنّها قوى الأمر الواقع. تقوم الولايات المتّحدة، بالتّحاور المباشر، وغير المباشر، مع هذه القوى في مسائل تصيب السّيادة الوطنيّة. كما أنّها تعمم خدماتها لأهل الجنوب والبقاع من خلال هذه الميليشيات، متجاهلة في هذه الساحات، القوى المحلّيّة المعارضة لهذه الميليشيات.

لقد أصرّت الولايات المتّحدة على التّفاوض بشأن ترسيم الحدود البحريّة، والبريّة, بين لبنان وإسرائيل، متجاهلة إتّفاق الهدنة لعام 1949، والذي كانت هي من فرضه على أطراف حرب عام 1948 في فلسطين، عبر قرار ملزم من مجلس الأمن، صادر وفقا للفصل السّابع من الميثاق.

العدالة للبنان تقول، أنّه كان يفترض من الولايات المتّحدة بصفتها صديقة للبنان وإسرائيل، أن لا تلعب دور وسيط يتجاهل هذا الإتفاق، فتتناسى تاريخها كمؤسّس وكاتب لميثاق الأمم المتّحدة، وكقوّة عظمى ضامنة للسّلام والأمن الدّوليّين في مجلس الأمن.

تمّ تحصين اتّفاق الهدنة بالقرار الصّادر عن مجلس الأمن في حينه وفقا للمادّة 40 من الفصل السّابع من الميثاق

إتفاق الهدنة هو قبل كل شيء، تحديد قانوني واضح، لحدود لبنان مع إسرائيل، المعترف بها دوليّا. حيث أنّ حدود لبنان المعترف بها دوليّا، مرسخّة في صكوك الأمم المتّحدة، وقبلها في صكوك عصبة الأمم، منذ عام 1923. وقد تمّ التّوافق على هذه الحدود بين لبنان وإسرائيل عند الإتّفاق المتبادل على اتّفاقيّة الهدنة عام 1949. وتمّ تحصين اتّفاق الهدنة بالقرار الصّادر عن مجلس الأمن في حينه، وفقا للمادّة 40 من الفصل السّابع من الميثاق. إنّ إحدى ميزات دستور الولايات المتّحدة، هو التّأكيد على العدالة. العدالة قاعدة لترسيخ الأمن والإستقرار والسّلام الأهلي، وكذلك الدّولي. نناشدكم دعم اتّفاق الهدنة.

السابق
بالفيديو: ضرب وركل على مرأى من الجميع.. ما حقيقة القبض على عميل في صور؟
التالي
جرباقة نائباً اولاً لرئيس الكتائب