المهر: حبرٌ على ورق أم شرطٌ في صحة عقد الزواج ؟!

حبرٌ على ورق، عبارة غالباً ما يردّدها الكثيرون قبيل ذكر المهر عند إجراء عقد زواج، حتى بدت كأنها عرف سائد في المجتمع، بل مع الأسف، صارت كذلك، خاصّة في مجتمعنا الشرقي. مجتمعٌ ذكوريٌ تحكمه الأعراف والعادات والتقاليد التي ما زال بعضها يحمل طابعاً جاهلياً، فبعضهم يجاهر بها والآخر لعلّه يُبطنها ولا يُظهرها خجلاً وربّما نفاقاً. وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه : هل المهر حبرٌ على ورق أم شرطٌ في صحة عقد الزواج ؟! وللإجابة عن هذا السؤال لابدّ أن نبيّن أمرين :
١ – ما هو العقد؟ وما هي شروطه؟ ولماذا اعتبر الزواج من العقود؟
٢ – ما هو المهر؟ ما هي اهدافه؟ وما مدى ارتباطه في صحة العقد؟
العقد هو لفظٌ مأخوذٌ من الشدّ والربط، كقول : عقدتُ الحبل أي شددته وربطته، وهو في الفقه الإسلامي اتفاق بين طرفين أو أكثر، وارتباط إيجاب أحدهما بقبول الآخر، وقد أمرنا اللّٰه تعالىٰ في كتابه الحكيم بالإلتزام والوفاء به : “يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود”.

يحقّ في العقد لكلٍ من الطرفين أن يشترط ما يرغب أو ما تقتضي مصلحته من التزام إضافي يفرضه على الآخر


يصحّ العقد باستيفاء جميع شروطه، فلو اختلّ أحدها فَسَد، وهو ينقسم إلى قسمين :
١ – العقد اللّازم: وهو العقد الذي ليس لأحد المتعاقدين فسخه. كعقد البيع والزواج…
٢ – العقد الجائز: وهو العقد الذي يجوز لأحد المتعاقدين فسخه. كعقد الوكالة والوديعة والعارية والشركة…

وبما أن الزواج هو أهم اتفاق بين طرفين على الإطلاق، نظراً لدوره السامي في بناء الأسرة وبالتالي بناء المجتمع، ولما قد يترتّب عليه من آثار ونتائج إيجابية كانت ام سلبية، وما قد يرافقه من اضطرابات ومشاكل، كان لابدّ من اعتباره من العقود، وان يندرج في خانة العقود اللازمة، بل أن يعدّ من ألزم العقود، فهو موجبٌ لحفظ حقوق كل من الرجل والمرأة، والضابط لأي شرطٍ أو التزامٍ اتفقا عليه والتزما به، درءاً للمفاسد، ورفعاً للظلم، ولخلق أسرةٍ أكثر استقراراً.
يحقّ في العقد لكلٍ من الطرفين أن يشترط ما يرغب، أو ما تقتضي مصلحته من التزام إضافي يفرضه على الآخر مضافاً على التزامات العقد الأساسية، التي تنصّ على التزام الزوجة بإتاحة فرصة الإستمتاع لزوجها، وعدم خروجها من داره بغير إذنه، والتزام الأخير بالقيام بنفقتها، وحُسن معاشرتها. فيحقّ لكلاهما أن يشترط ما يريد، إلا إذا كان الشرط منافياً لمقتضى العقد وطبيعته، كأن تشترط الزوجة أن لا يكون للزوج حقّ الإستمتاع بها مطلقاً، فهنا يبطل العقد والشرط معاً، للتصادم بين الشرط وحقيقة العقد. أو كان الشرط مخالفاً لشرع اللّٰه تعالىٰ، كأن تشترط على زوجها قطع رحمه، ففي هذه الحالة لا قيمة للشرط، والعقد صحيح. ولها غير ذلك، كأن تشترط عليه ألا يتزوج عليها، أو أن يُسكنها في منزلٍ مستقلٍ، أو أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها، وغيره… وكذلك الزوج، كأن يشترط على الزوجة في العقد أن تقوم بخدمة بيتها، أو خدمة والديه (وهو ليس واجباً عليها)، أو أن يشترط عدم تحمله لأعباء سكنها (وهو حقّ لها) كل تلك الأمثلة وغيرها من الشروط التي تصحّ أن تكون في عقد الزواج.
لقد اعتمد الشارع الإسلامي عدّة شروط أساسية في صحّة عقد الزواج منها:
١ – الإيجاب والقبول (الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل).
٢ – العقل (أن يكون العاقد عاقلاً واعياً).
٣ – المهر
٤ – الاشهاد .
يعتبر المهر ركناً أساسياً في عقد الزواج، ولو لم يُذكر عند اجرائه، صحّ، ولو عمداً، وفيه صورتان:
_ الأولى : اذا كانت الزوجة مدخولاً بها استحقّت على زوجها مهر أمثالها من النساء سواء أطلّقها بعد الدخول أو مات أحدهما بعده، ويجوز لهما أن يتراضيا.
_ الثانية : إذا طلّقها قبل الدخول، تستحق أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى والفقر.

ليس صحيحاً أن المهر ثمناً للمرأة كما يزعم البعض، بل إنه من باب تكريمها ورفع شأنها وإعلاء قدرها


لقد أولى الإسلام المهر إهتماماً خاصاً من خلال ما ورد في الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ذُكر المهر بالفاظٍ عديدةٍ كالصداق والأجر والفريضة.
_ الصداق، في قوله تعالى: “وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا”.
_ الأجر، في قوله تعالى: “فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً” .
_ الفريضة، في قوله تعالى: “وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ”.
ليس صحيحاً أن المهر ثمناً للمرأة كما يزعم البعض، بل إنه من باب تكريمها ورفع شأنها وإعلاء قدرها، وهذا إن دلّ على شيءٍ، فإنما يدلّ على سماحة الإسلام وعظمته ورقيّه، فهو أول وآخر من طالب بحقوقها ودافع عنها. ولعلّ الهدف من تشديده وتأكيده على المهر، والزام الزوج به، هو من باب حفظ ماء وجه المرأة وصونها حال وفاة زوجها أو طلاقها منه، لتتمكن من عيش حياةٍ كريمةٍ تستر بها نفسها، وتحصنها بعيداً عن ألسن المتربصين بها وعيونهم.

نجد أن هناك من يلجأ إلى التعنيف لإكراه الزوجة على التنازل عن مهرها


ومع الأسف فإننا ومن خلال تتبّعنا لبعض حالات الطلاق، نجد أن هناك من يلجأ إلى التعنيف لإكراه الزوجة على التنازل عن مهرها، وهو ما استسلمت له بعض النساء مع غياب من ينصحها ويحميها، خاصة في مجتمعاتنا، حيث إنك لو سألت إحداهنّ: لِما تنازلت عن مهرك؟ ستجيبك دون تردّدٍ… لن يطلّقني إن لم افعل ذلك، وأنا لم أعد أتحمل ظلمه وتعنيفه وطغيانه، فهي مستعدة لأن تدفع فوق مهرها مهرين لتتخلص منه، في عادة هي ليست من الإسلام في شيء، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن أحد الأمور التي لا يغفرها الله تعالى يوم القيامة هو عدم إعطاء المرأة مهرها، قال (عليه السلام) : قال رسول الله (صلی الله عليه وآله) : “إن الله ليغفر كل ذنب يوم القيامة إلا مهر امرأة، ومن اغتصب أجيراً أجره، ومن باع حراً”. فالاسلام حصن الأسرة ووضع الضوابط وفرض الواجبات التي من شأنها تنظيم عملها تمهيداً لتقديمها للمجتمع أسرة متكاملة متماسكة معطاءة.
اتقوا الله في النساء فإنكم اخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله… نعم ،هكذا أوصانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالمرأة أمانته في أعناقنا، “استوصوا بالنساء خيراً” وقد اختارها زوجها من بيت أهلها معززة، مكرمة، بشرط أن يحافظ عليها. فإن لم يتّفقا… فإمساكٍ بمعروفٍ أو تسريحٍ بإحسانٍ.

السابق
خاص «جنوبية»: القضاء «يَجتهد» لإستنباط مخرج «يُحيي» ملف«سلامة ورفاقه»!
التالي
الفنان التشكيلي أسعد عرابي..حضور الطبيعة بمشتقات الأزرق!