الصراع المُقبِل على قمة السلطة في إيران: هل باتت طريق «مجتبى خامنئي» إلى خلافة والده سالِكة؟

علي الخامنئي

ترتبطُ استمرارية أيّ نظام سياسي سلطوي، كما هو حال الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بشكل وثيق، بثلاثة عوامل أساسية: قدرة “القائد” على القيام بدور الحكم السياسي النهائي؛ وقدرة “القائد” نفسه على وضع مسار لخلافته؛ وموقف الرأي العام من هذه الخلافة المحتملة. وحتى الآن، يمتلك القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي القدرة الصحيّة والسياسيّة لممارسة الحكم. لكنَّ السؤال المطروح يتعلّق بما إذا كان خامنئي قد مهّد الطريق لخلافته، وانتقال السلطة بشكلٍ سلسٍ، وآمن. إذْ يبدو من المؤكد تقريباً أنّ غياب مسارٍ مدروسٍ للخلافة، سوف يقودُ إلى توتُّرات داخل النظام السياسي الإيراني، قد تصل حدّ المُخاطرة بانفجار النظام من الداخل، وانزلاق الفصائل المختلفة في صراعٍ مريرٍ على السُّلطة.

ويبدو أنّ خامنئي يُدركُ خطورة هذا الأمر، حيثُ تُفيد المؤشّرات المتوافرة إلى امتلاكه خطة لموضوع الخلافة. ومن بين الاحتمالات المُتعدِّدة المطروحة، يجري على نحوٍ جادٍّ، تداولُ اسم مجتبى خامنئي بوصفه أبرز المرشحين لخلافة والده.

خلفيّة طرح اسم مجتبى خامنئي للخلافة

تزعمُ المعارضة الإيرانية منذ سنوات، بأنّ مجتبى هو الخيار الأول لخامنئي في موضوع الخلافة، فيما يلتزم مكتب القائد الأعلى الصّمت حيال هذه المزاعم. وكان زعيم الحركة الخضراء، مير حسين موسوي، قد حذَّر في تصريحٍ نادرٍ له مؤخراً من منزله الذي يخضع فيه للإقامة الجبرية، من وجود “جهد منظم” للتمهيد لخلافة مجتبى.

اقرأ أيضاً: هل غابت المواطنة عن الفقه السياسي الاثني عشري؟

ولم يكن هذا التركيز على مجتبى من جانب المعارضة، من قبيل المصادفة، أو من دون مُسوِّغ. فقد أسهم للدور الفاعل الذي أداه مجتبى في انتخابات 2005، ثمّ انتخابات 2009 الرئاسية، في تحويله إلى خصمٍ سياسيٍّ للمعسكر الإصلاحي الإيراني، إذ اتهمه أحد زعماء الحركة الخضراء (مهدي كروبي) بهندسة فوز محمود أحمدي نجاد. وأصبح مجتبى هدفاً للمعارضة نتيجة الدور السياسي المتنامي الذي يؤديه منذ عام 2005، حيثُ عمل مستشاراً سياسيّاً نهائيّاً في مكتب القائد الأعلى الذي يُعرف في إيران أيضاً باسم “بيت القائد”. وتزعم المعارضة بأنّ مجتبى يحظى بالقدرة على تشكيل القرارات في أعلى قمة هرم السلطة في طهران، وأنّهُ تمكّن أيضاً من إقامة شراكات مهمة مع السلطات الأخرى داخل النظام. وتجدر الإشارة إلى أن مجتبى استثمر في تعزيز علاقاته مع أجهزة الاستخبارات، والأمن. ولعلّه في ذلك يحاكي ما قام به والده مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما تولى منصب القائد الأعلى.

وخلال الأشهر الأخيرة، تعززت فكرة خلافة مجتبى لوالده، حيثُ تبذلُ بعضُ أجهزة النظام جهوداً ملحوظة في الأوساط الشعبيّة، لتقديم مجتبى مرشحاً لمنصب القائد الأعلى. وبدأت وسائل إعلام النظام بترديد اسمه بصفته مرشحاً لمنصب القائد الأعلى، إضافةً إلى قيام ناشطين موالين للنظام بتوزيع منشورات، وملصقات ومواد دعائية أخرى، لتمجيد مجتبى. وقد تكون هذه الحملة لتصعيد شخصية مجتبى مرتبطة بالانتخابات المقبلة لـ “مجلس خبراء القيادة” المقررة في مارس 2024. ويُعَدُّ هذا المجلس المكلَّف بالتصديق على قرارات خامنئي، الجهة التي ستصوت رسمياً على اختيار القائد الأعلى المقبل. مع ذلك، وفي حين أن خامنئي يسيطر تماماً على مجلس خبراء القيادة الذي يضم في عضويته 88 شخصاً، ليس من المرجح أن يقوم المجلس بتسمية مجتبى خليفة طالما ظلّ خامنئي على قيد الحياة. ولعلّ اعتماد مثل هذه الاستراتيجية يُمَثِّلُ إشكالية لسببين:

أولاً، إن تسمية مجتبى خلفاً لوالده، وهو على قيد الحياة، سيجعل من الواضح تماماً أن مجلس خبراء القيادة ليس مُستقلاً، وأن النظام يُمَثِّلُ حكم الرجل الواحد. وتُعَدُّ هذه رسالة خطرة للشعب الإيراني الغاضب أصلاً.

ثانياً، إن تسمية مجتبى لمنصب القائد الأعلى في حياة والده، والذي قد يعيش لسنوات أخرى، تنطوي على مخاطر، تَتَمَثَّل في أن يجد النظام نفسه مضطراً للانقسام إلى فصائل مؤيدة لمجتبى، وفصائل معارضة له.

ويتمثل البديل الأفضل في الانتظار لحين وفاة خامنئي، وبعد ذلك إعلان مجتبى القائد الأعلى. وتشير تجربة عملية انتقال الحكم عام 1989 إلى أن الفصائل المختلفة في النظام ستدعم من يتولى منصب القائد الأعلى بدلاً من تحدّيه. لذلك، فإن هذا السيناريو يعني أن ما يتعين على مجتبى فعله، يَتَمَثَّلُ في تعزيز الدعم لنفسه في أرجاء النظام قبل وفاة والده، وتقليص المعارضة لترشيحه. وتكهَّن الكثير من المحللين بأن الفترة المقبلة لمجلس خبراء القيادة (2024-2032) تُعَدُّ محورية لحسابات مجتبى، لأن القائد الأعلى الذي يبلغ الرابعة والثمانين من عمره، قد يموت خلال هذه الفترة. وبحسب وجهة النظر هذه، فإن من المرجح أن يسعى مجتبى إلى تعزيز نفوذه على “مجلس خبراء القيادة” المقبل. ولا تتوافر حالياً أية بيانات مؤكدة، تشير إلى وجود مثل هذه الحملة السريّة لهندسة تشكيلة “مجلس خبراء القيادة” المقبل، بحيث تتوافق مع احتياجات مجتبى.

لكنَّ مجرد عدم وجود أي مؤشر على حملة من جانب مجتبى، لا يعني بأنه ليس لديه طموح بخلافة والده. وتبرز هنا حقيقتان:

أولاً، يعمل مجتبى من وراء الكواليس، إذ بالرغم من الحملة الإعلامية للترويج له لمنصب القائد الأعلى المقبل غير أنه لا يزال إلى حد كبير بعيداً عن الأحداث العامة الضخمة، وليس لديه أي ظهور إعلامي حقيقي.

ثانياً، ربما أن القائد الأعلى علي خامنئي اتخذ قراراً بأن إقناع الشعب الإيراني ليس ضروريّاً لتعيين ابنه مجتبى في منصب القائد الأعلى المقبل. ويؤمن مجتبى – كما هو حال والده – بأنّ “سلطة الوليّ الفقيه المطلقة العادلة” أكثر أهميّة من مسألة امتلاك الشرعيّة لدى الشعب الذي يمكنُ أن يتعرّض للتضليل أحياناً، ويعمل ضدّ مصالحه. وهكذا فإن مشروعيّة سلطة، وولاية الفقيه المطلقة، تستندُ من وجهة نظر مجتبى ووالده إلى “إرادة الله” لا إرادة الناس.

علاقات مجتبى خامنئي مع مراكز السلطة الأخرى

يصعبُ جدّاً التحقُّق من مدى الدعم الذي يحظى به مجتبى خامنئي داخل النظام لخلافة والده. وجلُّ ما هو معروف حتّى الآن، يَتَمَثَّلُ في امتلاك مجتبى، مجموعةً من نقاط القوة، قياساً بالمُنافِسين المحتملين الآخرين، ومنها:

  1. يُعَدُّ مجتبى المستشار المؤتمن لوالده، إضافة إلى امتلاكه الخبرة على مدى سنوات من الخدمة في مكتب القائد الأعلى.
  2. بدأ بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام الإيراني بالفعل، بالإشارة إلى مجتبى بلقب “آية الله”، والذي يعني أنه رجل دين بلغ درجة الاجتهاد التي تخوله لتولّي منصب القائد الأعلى.
  3. يُشار إلى مجتبى بوصفه “سيّداً”، كما هو الحال بالنسبة لوالدة علي خامنئي، وهو ما يعني وفق المذهب الشيعي، امتلاكه الأفضليّة في الحكم، وذلك باعتبار أنه وفق هذا الوصف، ينتمي إلى سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
  4. يُشار إلى مجتبى خامنئي باعتباره شابّاً؛ ما يعني أنه يستطيع توفير الاستمرارية للنظام لسنوات طويلة مقبلة في حال تولّى دفة القيادة.
  5. يُشار إلى أن مجتبي يحظى بالدعم من المؤسسة العسكرية، والدولة العميقة المتمثلة بالحرس الثوري، وأجهزة الاستخبارات. كما يُشارُ إلى أنه يحظى بدعم شريحة من رجال الدين في قمّ، ومشهد.

وتُعَدُّ الصفات السابقة مهمة بطريقة أو بأخرى، غير أن دعم الحرس الثوري ربما يُشَكِّل أهم عامل هنا. لكنَّ قادة الجيش والاستخبارات لم يعلنوا صراحة عن دعمهم لمسعى مجتبى لتولي منصب القائد الأعلى. بل حصل العكس أكثر من مرة. وعلى سبيل المثال، وصفت وكالة أنباء “فارس”، الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري، تحذير موسوي من أن هناك “جهداً منظماً” لإعداد مجتبى لخلافة والده بأن هذه الفكر مجرد “وهم”.

في المقابل، عندما أرادت قيادة “الحرس الثوري” إظهار دعمها لطموحات إبراهيم رئيسي لتولي منصب رئيس الجمهورية في عام 2016، عمدت هذه القيادة إلى زيارة رئيسي في مدينة مشهد. وحظيت تلك الزيارة بتغطية إعلامية بارزة، حيثُ أدّى انتشار صور جلوس قاسم سليماني، وبعد ذلك قائد “الحرس الثوري” آنذاك، عزيز جعفري، عند قدمي رئيسي إلى تعزيز صورة الأخير بوصفه الشخص المُفضل لدى “الحرس الثوري”. بينما لم نشهد أيّ جهد مماثل من جانب قادة “الحرس” للتعبير علناً عن دعمهم لمجتبى.

مع ذلك، يجري الحديث بشكل علنيّ عن ارتباط مجتبى بـ “الحرس الثوري”؛ حيث التحق مجتبى في سنّ السابعة عشرة بـ “كتيبة حبيب” التابعة للحرس أثناء الحرب العراقية-الإيرانية. وأقام مجتبى خلال خدمته في هذه الكتيبة صداقاتٍ مع مجموعة من الأفراد، شَكَّلوا لاحقاً الدائرة الداخليّة لمؤيّديه في منظمة “الحرس”، بما في ذلك الأخوين طائب (مهدي وحسين)، وعلي رضا بناهيان، وحسن محقق، وحميد رسائي، وحسين نجاة. وقد ترقّى هؤلاء الأشخاص على مدى السنوات في صفوف النظام؛ حيث تمكن بعضهم من خلال عملهم في مكتب القائد الأعلى (نجاة)، في حين ترقى آخرون عبر البرلمان (رسائي)، وواصل معظمهم الترقي في صفوف أجهزة الجيش والاستخبارات، مثل: الأخوين طائب، وغيرهما.

وأصبح وجود هذه الشبكة غير الرسمية معروفاً عام 2005 عندما تمكَّنوا من هندسة فوز أحمدي نجاد بمنصب الرئيس. كما ساعدت هذه الشبكة أحمدي نجاد بعد ذلك، بالفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات عام 2009 التي أدت إلى تشويه صورة مجتبى أكثر لدى الإيرانيين. وخرجت هذه الشبكة من الظل تماماً في يناير 2011، حينما بدأت العمل تحت مظلة منظمة “عماد” ككيان ثقافيٍّ، يهدف إلى مواجهة “القوة الناعمة” الغربية. وتُعرَف “عماد” في الحقيقة في إيران اليوم بأنها الجهة التي تعمل على تنفيذ أجندة مجتبى وطموحاته السياسية.

وممّا لا شكّ فيه، أنّ مدى طموحات مجتبى السياسية يخضع لكثير من الجدل. وتردّدت شائعات حول ما إذا كان لشبكته ضلع في الوفاة المُفاجئة لأكبر هاشمي رفسنجاني في عام 2017. إذْ يرى كثيرون أن رفسنجاني كان يُمثِّلُ عقبة أمام خطط مجتبى لخلافة والده. كما انتشرت شائعات حول ما إذا كان مجتبى يقف خلف اعتقال السياسي الإصلاحي سيدمصطفى تاج زاده الذي كان يُعرفُ بأنه معارض علنيٌّ لسيناريو التوريث. كما أشيع بأنّ مُجتبى وقف خلف عملية التهميش التدريجي لعائلة لاريجاني التي تُعدُّ من العائلات المُحافظة النافذة في النظام؛ فبعد عام 2018، قام مكتب القائد الأعلى أولاً بتهميش صادق لاريجاني، الرجل الذي تدوول اسمه بوصفه خليفة مُحتملاً لعلي خامنئي. وبعد ذلك، استبعد مجلس صيانة الدستور في عام 2021 علي لاريجاني من قائمة المرشحين الرئاسيين. ولا يُمكن الافتراض بأنّ هذا السقوط المفاجئ لعائلة لاريجاني من القمة محضُ أمرٍ عرضيٍّ، بل من المؤكّد أن ذلك جاء نتيجة حملة مُنظّمة ضدها. ومن المحتمل جدّاً أن يكون لمجتبى دورٌ فيما حصل لآل لاريجاني، خاصّةً بعد تحرُّك علي لاريجاني الواضح باتّجاه تيار الاعتدال الوسطي خلال السنوات الأخير. ونتيجة تلك الشائعات، وغيرها، كُرِّست صورة مجتبى بوصفه خصماً مكروهاً، ومُهاباً من جانب معسكري الإصلاح والاعتدال. ولعلّ هذه الصورة تُمَثِّلُ أحد أهم العوامل التي تُقَوِّضُ فكرة توليه منصب القائد الأعلى في المستقبل.

خيارات مُجتبى خامنئي في مواجهة إبراهيم رئيسي

لا تقتصر مُنافسات مُجتبى، على تلك التي يواجهها مع حركة الإصلاح أو المعتدلين. وفي الوقت الحالي، تُعدّ المنافسة المُحتملة لمُجتبى على النفوذ مع الرئيس إبراهيم رئيسي الأكثر إثارة للاهتمام. ولا شك أن رئيسي لديه طموحات لتولّي منصب القائد الأعلى المُقبل. وبالتالي، فإن فريق رئيسي ينظر بشكل غير مُريح إلى الإشادة التي يحظى بها مُجتبى بشكل مُتزايد من قبل المسؤولين المُعيّنين من قبل خامنئي في وسائل الإعلام أو من خلال البيانات شبه الرسمية.

وعلى سبيل المثال، بدأ عدد من أئمة صلاة الجمعة في العام الماضي، الدفاع عن إمكانية خلافة مُجتبى لوالده. وإذا كان مجلس الخبراء يعتقد أنه المُرشّح الأفضل، فلماذا لا يستطيع [مُجتبى] أن يخلف والده؟ فالدستور ينص فقط على أن القائد الأعلى يجب أن يكون فقيهاً من وجهة نظر رجال الدين الموالين لخامنئي. وفي عام 1989، أصبح علي خامنئي القائد الأعلى للثورة الإسلامية على الرغم من حقيقة أنه لم يستوف المؤهّلات الدينية لذلك المنصب. وبعبارة أخرى، قام النظام بالفعل في عام 1989 بالالتفاف على القوانين من أجل منح خامنئي أعلى منصب في الدولة. وبدأ النقّاد يتساءلون عمّا إذا كان خامنئي يعتزم أيضاً الالتفاف على القوانين، لكي يُمكّن ابنه من خلافته. وربما لم يكن هذا الجهد جزءاً من تمهيد الطريق أمام مُجتبى للخلافة، لكنّه كان على الأقل مُحاولةً لاختبار الرأي العام، حيثُ كان ردّ الفعل داخل إيران، وفي الخارج على ذلك سلبياً، وعلى نطاق واسع.

ويُمكن لخامنئي أن يتلاعب بسهولة بالمادة 109 من الدستور، التي تنص على أنه يجب أن يمتلك قائد الجمهورية الإسلامية المؤهّلات العلمية اللازمة للإدلاء برأيه في المسائل الفقهية المُختلفة. وبدلاً من ذلك، بدأ مُجتبى العام الماضي بتدريس الفقه في قم اعتباراً من أغسطس 2022. وهي خطوة تهدف بوضوح إلى زيادة مؤهّلاته الدينية على الأقل باعتباره مُجتهداً. ومن وجهة نظر رئيسي، فهو يمتلك كل الصفات (المذكورة أعلاه) التي يمتلكها مُجتبى؛ وبالتالي، يمتلك المشروعية الأساسية للسعي لتولّي المنصب الأعلى في الدولة؛ إذ إن الاستثناء الوحيد، هو إذا تمكّن مُجتبى بطريقة ما من التفوّق على رئيسي في مسألة المؤهّلات الدينية.

وعلى أية حال، فإن مؤهلات رئيسي الدينية غير كافية إلى حدٍّ كبير على الرغم من حقيقة أن أنصاره يُشيرون إليه أحياناً على أنه “آية الله”. ومن المُثير للاهتمام أنه في العشرين عاماً الماضية غالباً ما كان يتردّد اسمان كخلفاء مُحتمليْن لخامنئي، وهما: صادق لاريجاني، ومحمود شاهرودي. وهما يمتلكان مؤهّلات دينية لا جدال فيها، وأفضل بكثير من مؤهّلات مُجتبى أو رئيسي، المُتنافسين الرئيسيْن اليوم. لكنّ شاهرودي توفّي بسبب المرض، فيما هُمّش صادق لاريجاني بعد حملة شرسة، واتّهامات بالفساد، أساءت إلى صورته. وبالنظر إلى مصير صادق لاريجاني الذي استفاد ابتداءً من رعاية خامنئي حتى اتخذ قرار بتهميشه. يتعيّن على رئيسي أن يخشى من أنّ آماله في تولّي المنصب الأعلى في الدولة، قد تُشكّل خطراً على مُستقبله السياسي، وربما على حياته.لقد كان صعود رئيسي في السنوات القليلة الماضية مفاجئاً، وقد ينتهي بشكل مُفاجئ أيضاً إذا اعتبرته أسرة خامنئي تهديداً، أكثر من كونه أحد العناصر المُساعدة في تنفيذ خطتها لخلافة القائد الأعلى.

ويعتمد مستقبل رئيسي على مقدار القاعدة السياسية المُستقلّة التي يُمكن أن يحشدها أثناء وجوده في منصب الرئيس. فقد تولى هذه المهمة في عام 2021 مع وجود شبكة صغيرة خلفه، لذا، فإن رئيسي مدين بكل شيء لخامنئي. لكن في السنوات الأخيرة أُتيحت له الفرصة لبناء شبكة سياسية خاصة به. وفي الواقع، إذا كان رئيسي قادراً على إنشاء قاعدة دعم قوية له، فلا ينبغي استبعاد فرصة نجاحه في تولّي منصب القائد الأعلى في البلاد.

لقد أظهر رئيسي، بعد كل شيء، أنه مُنفتح على المعارك السياسية مع الآخرين من الفصيل المُتشدّد. وكان ذلك واضحاً بشكل خاص عندما ورّط فريق رئيسي، رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف في فضيحة تسوّق عائلة الأخير في تركيا. حيث أشار ادّعى مصدر الخبر أن أشخاصاً مُقرّبين من رئيسي، قد كشفوا عمداً عن رحلة التسوّق الباهظة لعائلة قاليباف. ومن الواضح أن من فعل ذلك، كان يسعى لإلحاق الضرر برئيس البرلمان، ولم يكن ذلك الشخص سوى مهدي طائب، المُقرّب من مُجتبى.

إن الهدف من إعادة سرد هذه القصة، هو إثبات أن مُجتبى ناشط سياسي، لا تستهدف أفعاله فقط الحركة الإصلاحية والمعتدلين فحسب، بل يرى في نفسه صانع الملوك. وعلى سبيل المثال، دفع مُجتبى أحمدي نجاد إلى الرئاسة في عام 2005، لكنّه أصبح أكبر خصمٍ له بعد عام 2011. ولم تغب هذه الحقائق بالتأكيد عن بال رئيسي، وبينما يُنظر إلى الرجلين على أنهما خلفاء مُحتملين لخامنئي، سيحرص رئيسي على عدم تحويل مُجتبى إلى عدوّ. والأمر المرجّح أن يتوصّل الرجلان إلى تفاهُم. ويواجه مُجتبى مُعارضة شديدة من داخل النظام، ومن الجماهير، فيما يخص فكرة الخلافة بالتوريث. ويجب أن نفترض أن هذه المُعارضة قوية، وإلا لكان بإمكان خامنئي فعل المزيد لترويج ابنه كخليفة له. وتُشير حقيقة عدم حدوث ذلك، إلى أن خامنئي لديه مخاوف جديّة من السير في هذا الطريق. وإذا كان الأمر كذلك، يُمكن أن يستفيد رئيسي من هذا التحفّظ بالطريقة التالية: كما اعتبر خامنئي رئيسي شخصية جيّدة ومُطيعة لتولّي الرئاسة في عام 2021، فإن لديه خيار تمهيد الطريق أمام رئيسي ليكون خليفته، كجزء من صفقة بين أسرة خامنئي، وشبكة رئيسي. وقد يكون هذا هو الحل الأفضل لمعضلة خلافة خامنئي. وبحسب هذا السيناريو، لن يخلف مُجتبى والده، لكن قد يكون لدى النظام أفضل فرصة للتماسك والاستمرار بعد وفاة خامنئي.

الاستنتاجات

يتوخّى القائد الإيراني الأعلى علي خامنئي هدفين رئيسين فيما يتعلّق بعملية الخلافة: أولاً، لا يُريد أن تُصبح هذه القضية موضعَ نقاشٍ عامٍّ كبير أو موضوعٍ للجدلِ بين المُوالين للنظام. ففي العام الماضي، عندما ركّزت وسائل إعلام المُعارضة على طموحات مُجتبى لخلافة والده في الحُكم، أصدر علي خامنئي – من خلال الموالين له – عدداً من البيانات التي أوضحت بأنه لم يتم اختيار أي شخص خلفاً للقائد الأعلى. وقال آية الله محسن أراكي: توجد قائمة مُختصرة من المُرشّحين بناءً على نصيحة خامنئي، لكن لا يوجد مُرشّح نهائي واحد. وثانياً، يدرك خامنئي أن أية خطوات خاطئة فيما يتعلّق بفرض الخلافة بالتوريث، قد تؤدّي إلى تفكّك النظام عند وفاته.

ويتعيّن الانتباه إلى حقيقة أن افتقار مُجتبى للظهور العام، لا يعني أنه ليس لاعباً سياسياً رئيساً في النظام الإيراني. ومن الواضح أنه يُفضّل أن يكون وراء الكواليس؛ حيث نجح على مر السنين في إقامة روابط قوية مع المؤسسات السيادية الأخرى، وتعاون مع فرع الاستخبارات في “الحرس الثوري”، وربما حتى داخل وزارة الاستخبارات الإيرانية. وهذا لا يعني أن “الحرس الثوري”، باعتباره منظمة، سيُرحّب بفكرة الخلافة بالتوريث. وفي الواقع، قد تأتي المعارضة الشديدة لخطط مُجتبى لوراثة حكم والده من بعض قيادات “الحرس الثوري” الذي تطغى مصالحه التجارية اليوم على أية قضايا أخرى. ومع ذلك، فإن “الحرس” يعرف أكثر من أي طرف آخر، أن الطريق إلى الثراء الاقتصادي يأتي من خلال التأثير السياسي على القائد الأعلى.

وبالنظر إلى العامِلَيْن المذكورَيْن أعلاه (حساسية خامنئي لأية تهديدات لاستمرار النظام، والتحفّظات المُحتملة من وجوهٍ في “الحرس” على تولي مُجتبى منصب القائد الأعلى) يبدو أن المسار الأكثر منطقية، هو اعتبار إبراهيم رئيسي أفضل رجل لخلافة خامنئي. ومن غير المُرجّح أن يتّخذ رئيسي إجراءات ضد مُجتبى، لتحسين فرصه بهذا الخصوص. وذلك بالنظر إلى المخاطر التي قد تنجم عن مثل هذه المغامرة. وإذا قرّر رئيسي المضي في الهجوم ضد مُجتبى، فمن المُحتمل أن يتشكّل ذلك من خلال حملة بالوكالة، عبر تبادل الاتهامات بالفساد، والتي كانت السمة المُميّزة للاقتتال الداخلي بين أقطاب النظام في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن هذا يُمثّل مخاطرة كبيرة بالنسبة للنظام ككل. ويجب توقّع أن يتوصّل النظام إلى تفاهُمٍ حول أفضل طريقة للمضي قُدُماً، لضمان عملية خلافة مستقرة، وسلسة، عندما يأتي ذلك اليوم.

السابق
تسعيرة حديدة للمحروقات.. وارتفاع طفيف
التالي
ماكرون يُصحح مقاربته للمأزق اللبناني ويُصوّب على دور إيران السلبي