تحويل التوازن في كردستان العراق: أبعاد الضغوط الإيرانية لتنفيذ الاتفاق الأمني مع حكومة السوداني

في 11 يوليو 2023، وجَّهَ رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري تحذيراً إلى الحكومة العراقية بشأن وجود مجموعات المعارضة الكردية الإيرانية، التي تعمل انطلاقاً من إقليم كردستان العراق. وأعلن باقري أنّ إيران تنتظر بفارغ الصبر الموعد الذي حدده العراق في سبتمبر 2023 للوفاء بالتزاماته بشأن تلك المجموعات، بموجب الاتفاق الأمني مع إيران، مُحذراً من أنّه في حال إخفاق الحكومة الاتحادية العراقية بتحمُّل “مسؤوليتها” فإن طهران ستتخذ بنفسها إجراءات بحق مجموعات المعارضة الكردية، مشيراً إلى أن “هجماتنا ضد هذه المجموعات ستتكرر بالتأكيد بقوة أكبر”. واشتملت الإجراءات في الماضي على هجمات باستخدام طائرات من دون طيار، وتنفيذ عمليات قصف واغتيالات.

وبالنظر إلى أن مجموعات المعارضة الإيرانية، في الواقع، ضعيفة للغاية، وليس بوسعها تهديد الدولة الإيرانية كما توضح هذه الورقة، فإن الموقف الإيراني يستهدف على الأرجح استخدام وجود هذه المجموعات في المنطقة الحدودية مسوغاً لتحقيق أهداف وغايات أخرى.

رسائل التحذير الإيراني

ينطوي تحذير باقري الأخير للعراق على عدد من السمات التي تختلف عن رسائل الماضي، أهمها الآتي:

أولاً، إن هذا التحذير وُجِّهَ إلى الحكومة العراقية وليس إلى حكومة إقليم كردستان والحزبين الكرديين الرئيسين: “الاتحاد الوطني الكردستاني”، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”، على الرغم من العلاقات التاريخية الجيدة التي تربط ايران بالحزبين.

ثانياً، مع أن لهذه المسألة تاريخ طويل، غير أن إيران وجَّهت تحذيراً وصفته بالنهائي إلى العراق، وهو مؤشر يتضمن رسائل عدة مثل جدية الإيرانيين، وإلحاحية الوضع، ووجود فرصة، وعلاقة الأمر بالنشاطات المحلية والإقليمية.

ثالثاً، يأتي التحذير الإيراني في الذكرى الأولى لآخر موجة من الاحتجاجات ضد النظام في طهران، لذلك فإن إثارة هذه المسألة تهدف على الأرجح لفت الأنظار بعيداً عن هذه الذكرى، والدفع باتجاه سردية تقلل من شأن هذه الاحتجاجات وتربطها بالتحريض من جانب الانفصاليين الأكراد.

رابعاً، نتج عن ذلك توريط الحكومة العراقية والأحزاب الكردية والولايات المتحدة ودول أوروبية ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في هذه القضية. وفي حال قيام إيران بأي عمل مباشر أو غير مباشر فمن المحتمل أن يكون له تداعيات إقليمية.

اقرأ أيضاً: مُقايضة الاملاءات بالامتيازات: سياسة حكومة السوداني تجاه الصراع بين واشنطن والفصائل الشيعية المسلحة في العراق

خلفية تاريخية

يحظى العراق بموقع مركزي في التفكير الاستراتيجي الإيراني، ومكانة مهمة في الذهنية الثورية الإيرانية. وشكّلت المشكلة الكردية على الدوام جزءًا لا يتجزأ من هذه العلاقة؛ ففي أعقاب انقلاب عام 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي في العراق الموالي للغرب، وإقامة نظام جمهوري يؤمن بالوحدة العربية ومؤيد للاتحاد السوفيتي على الحدود الغربية لإيران، قررت إيران، التي كانت تحت حكم أسرة بهلوي، دعم أكراد العراق، وتوظيفهم لإقامة توازن مع العراق، والحد من دور بغداد الإقليمي. وحافظت الجمهورية الإسلامية على هذه العلاقة، بل واستغلتها خلال الحرب مع نظام صدام حسين (1980-1988).

لكنَّ إيران في الوقت نفسه كانت تخشى تاريخياً الحركات السياسية الكردية فيها الساعية للحصول على الحقوق الثقافية للأكراد منذ عام 1945، عندما نجحت عبر التضامن مع أكراد العراق في إقامة جمهورية مهاباد التي لم تدم طويلاً. وبالرغم من تاريخها الطويل، ظلت الحركة الكردية الإيرانية صغيرة وضعيفة، خاصة على المستوى الدولي. ويرى البعض تناقضاً في ذلك، خاصة في ضوء العزلة الجزئية التي تعاني منها الحكومة الإيرانية منذ أربعين عاماً، وغياب دور فاعل لها في المجتمع الدولي. لقد تمكنت طهران من إدارة هذه العلاقة من خلال التدخل العسكري المباشر أحياناً، وفي أحيان أخرى من خلال الصبر الاستراتيجي، وهو مصطلح تستخدمه الدبلوماسية الإيرانية كثيراً وضد دول أخرى في المنطقة أيضاً.

يوجد عدد من مجموعات المعارضة الكردية الإيرانية في كردستان العراق، أقدمها “الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران”، والذي تَشَكِّلَ في عهد جمهورية مهاباد عام 1946. وتدعم هذه المجموعات حق الأكراد في تقرير المصير والاستقلال في إيران الديمقراطية. وتعرف المجموعة الأخرى باسم حزب كومالا، والذي يعني بالكردية “المجتمع”. وقد أُسِّس هذا الحزب في طهران عام 1969، ويتزعمه حالياً عبدالله مهتدي.

وبسبب إضعاف الأحزاب التقليدية ظهرت فرصة لآخرين استغلها “حزب العمال الكردستاني”، المتورط في حرب مع تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لنسج علاقات تحالف مع بعض المجموعات. وقد أسس حاجي أحمدي “حزب الحياة الحرة الكردستاني” قبل عشرين عاماً بوصفهِ فرعاً لـ “حزب العمال الكردستاني” في كردستان الإيرانية. ويتقاسم “حزب الحياة الحرة الكردستاني” جبل قنديل مع “حزب العمال الكردستاني”. ويميز “حزب الحياة الحرة الكردستاني” نفسه عن الآخرين بنشاطه وعدم امتلاك أي قواعد في المناطق الخاضعة لـ “الاتحاد الوطني الكردستاني”، أو “الحزب الديمقراطي الكردستاني”.

وبحسب العضو السابق في حزب كومالا والمحلل السياسي طاهر خالدي، فإن هذه المجموعات معزولة عادة عن شعب كردستان إيران، ولا تمتلك الكثير من النفوذ داخل إيران. وهناك حركات غير عنيفة وغير سياسية في كردستان الإيرانية، لكنَّها ليست خاضعة لهذه الأحزاب.

وتُعَدُّ القضايا المتعلقة بعدم فاعلية المجموعات الكردية الموجودة في إقليم كردستان العراق، وانفصالها عن المجتمع الإيراني، وضعف تسلُّحها من بين الحجج الرئيسة التي تستخدمها القوى الكردية العراقية في مقابل التصعيد الإيراني.

ونظراً لأن غالبية الأكراد في إيران ينتمون إلى الطائفة السُنيَّة وتحكمهم حكومة دينية شيعية فإن الحركة الكردية الإيرانية تختلف عن المجموعات الكردية الأخرى في الشرق الأوسط من هذه الناحية العرقية الدينية. لكنْ يُعتَقَد أن “حزب الحياة الحرة الكردستاني” هو القوة السياسية الوحيدة التي تمكنت من الخروج عن الإطار التقليدي السُنِّي للحركة الكردية الإيرانية، والقيام بنشاطات وتجنيد أعضاء في مدينتي كرمنشاه وإيلام الكرديتين الشيعيتين. ويرى المراقب الإيراني علي كريمي، المسؤول السابق البارز في كومالا، أن هذا يعود إلى الحضور العلوي الجوهري ضمن صفوف كبار قادة “حزب العمال الكردستاني”، ووجهة نظر الحزب ما بعد القومية [مقابلة مع كاتب الورقة، في 27 يوليو 2023].  لقد عمل “حزب العمال الكردستاني” في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على تطوير أيديولوجية وتصور سياسي جديدين يستندان إلى مفهوم “الديمقراطية الراديكالية”، وذلك ضمن ثلاثة مشاريع مترابطة، هي: الجمهورية الديمقراطية، والاستقلال الديمقراطي، والكونفدرالية الديمقراطية. ونتيجة لذلك جرى إعادة تعريف وتنظيم المطالب السياسية الكردية نحو سياسة اتصال تحررية تستهدف الشعب. وأدّى هذا لفترة وجيزة إلى الدعوة إلى دستور جديد يتضمن تعريفاً أو تصوراً للمواطنة يتعلق بالجمهورية المدنية والحقوق المدنية، ولا يتعلق بالعِرقية.

طبيعة الاتفاق الأمني العراقي-الإيراني والتحديات التي يواجهها

وقّعت الحكومة المركزية العراقية وإيران اتفاقاً في 19 مارس 2023 لتعزيز أمن الحدود بين الدولتين. وحضر مراسم توقيع الاتفاق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ومثّل الجانب العراقي فيه قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي، وعن الجانب الإيراني علي شمخاني الأمين العام [السابق] للمجلس الأعلى للأمن القومي.

وقال ضابط أمن عراقي كان حاضراً خلال توقيع الاتفاق إن “العراق تعهد بموجب الاتفاق الأمني المُوَقَّع بعدم السماح للجماعات المسلحة استخدام أراضيه في إقليم كردستان العراق لشن هجمات عبر الحدود ضد إيران المجاورة”. ويجري وصف الاتفاق بشكل أكثر دقة بأنَّه مذكرة تفاهم. وعليه سيتم ستُقام مخيمات لأحزاب المعارضة في مواقع بعيدة عن الحدود الإيرانية مثل أربيل أو الموصل، بحيث يتولى نحو 15-20 حارس مسلح أمن كل واحد من هذه المخيمات. ويمكن لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين إدارة المخيمات في منطقة السليمانية.

تجدر الإشارة الى أنّه كانت هناك سابقة مشابهة تتمثل بترحيل عناصر منظمة مجاهدين خلق الإيرانية من العراق إلى ألبانيا في سبتمبر 2013 على يد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي. لكن السياق كان مختلفاً بعض الشيء، لأن مقر تلك المنظمة كان يقع في محافظة ديالى الواقعة تحت سلطة الحكومة الاتحادية. وبدورها، كانت مجموعات المعارضة الكردية الإيرانية قريبة من الحدود الإيرانية في تسعينيات القرن الماضي، غير أنّها وجدت نفسها مضطرة -عندما بدأت إيران بعمليات قصف متكررة لمواقعها عام 2003- للانتقال إلى المناطق الداخلية من إقليم كردستان العراق. وتوجد هذه المجموعات حالياً في موقع رئيس قريب من مدينة كويا (أربيل) والمناطق القريبة من مدينة السليمانية.

وينص الاتفاق الأمني الجديد على قيام الحكومة العراقية باتخاذ خطوات لمنع أي مقاتل كردي من الدخول إلى إيران عبر الأراضي العراقية، ما يتطلب نشر أعداد كبيرة من الجيش في التضاريس الجبلية الخطرة بين إيران وإقليم كردستان العراق. كما ستحاول الحكومة العراقية تجريد المجموعات الكردية من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وتسليم المطلوبين إلى إيران. وحظي الاتفاق بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإيرانية. وقالت وزارة الداخلية العراقية إن السوداني وجَّه بتشكيل لواء جديد من حرس الحدود في محافظة السليمانية بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان. علاوة على ذلك، وفي إطار إجراءات السيطرة على الحدود هناك، خُطِّط لإقامة 50 برج اسمنتي، وتركيب 40 جهاز مراقبة على طول الحدود العراقية الإيرانية. لكنَّ كل هذا لا يزال في مرحلة التخطيط.

مع ذلك، تجب ملاحظة أنّ أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية تختلف عن منظمة مجاهدين خلق التي ليس لها أي ارتباط بالمجتمع العراقي، في حين أن المجموعات السياسية الكردية الإيرانية تُعْرَف محلياً باسم رجهلاتي، أو أولئك الذين ينحدرون من القسم الشرقي من كردستان، ويتحدثون اللغة نفسها واللهجة السورانية التي يتحدث بها أكراد العراق، ويعيشون في هذه المنطقة منذ عقود، وانخرط كثير منهم في المجتمع المحلي، وتصاهر مع سكانه، وربى أطفاله هناك. ونتيجة لذلك تربطهم علاقات سياسية واجتماعية وثقافية مع السكان المحليين.

وإلى جانب هذه القضايا الإنسانية والسياسية، هناك العديد من العقبات اللوجستية والهيكلية. حيث تتطلب العملية برمتها مسؤوليات وإدارة جديدة. وبحسب عضو مجلس النواب العراقي مثنى أمين، فإنّ البرلمان العراقي ليس على علم بوجود أي اتفاق أمني جديد بين العراق وإيران. لكنَّ أمين أشار إلى أن موازنة عام 2023 تتضمن مخصصات لتشكيل لواءين من قوات حرس الحدود يُجَنَّد عناصرهما من السكان المحليين لحماية الحدود من التهريب. ولم يتم لغاية الآن تحديد أي مخيمات لمجموعات المعارضة الكردية الإيرانية [مقابلة مع كاتب الورقة، في 26 يوليو 2023].

ووفقاً لمُصَدِّرٍ مقرب من “الاتحاد الوطني الكردستاني”، عُقِدَ اجتماع في محافظة السليمانية ضمّ ممثلين عن مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين والحكومة العراقية ومحافظة السليمانية. ورفضت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين خلال المناقشات المشاركة في إقامة أي مخيمات، قائِلةً إن هذا ليس من عملها، إضافة إلى عدم وجود مخصصات في ميزانية المفوضية لهذا الأمر. وعلى الرغم من حماس مُستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، ورحلاته العديدة إلى السليمانية وأربيل، يُظهر التاريخ أنه يصعب توسيع نطاق التزام الحكومة العراقية إلى ما هو أبعد من الخطاب الرسمي. وبالنسبة لأكراد العراق، يتلخّص الأمر برمته في القضية الإيرانية الداخلية، حيث تسعى بعض المؤسّسات الإيرانية إلى إيجاد كبش فداء خارجي لإخفاء وجود معارضة داخلية، خصوصاً مع تزامن المُهلة النهائية مع الذكرى الأولى للاحتجاجات. 

من ناحية أخرى، يُمكن لأي هجوم عسكري إيراني أن يُشعل الاحتجاجات من جديد. وربما لم يكن للاحتجاجات المُنددة بمقتل مهسا أميني تأثير كبير على النظام، لكن كما أشار مُراقب إيراني محلّي في مقابلة مع كاتب الورقة (بتاريخ 30 يوليو 2023)، فإن الاحتجاجات ساعدت على رأب الصدع بين الفرس والأكراد في إيران. فقد أقنعت المظاهرات العديد من الإيرانيين، وبخاصة النساء، بأن الأكراد ليسوا إرهابيين ولا انفصاليين، وهي وجهة نظر جديدة تمقتها إلى حدٍ ما النُخب الحاكمة الإيرانية. وإذا حدث ذلك الهجوم، فهو يعني أيضاً نهاية ميل إيران نحو الدبلوماسية وضبط النفس، وهو الموقف الذي تعتمده عندما لا يكون لديها خيارات أخرى. 

في ظل هذه الخلفية، يبدو أنّ لدى إيران أهدافاً أخرى غير استهداف الجماعات الكردية. من الملاحظ أنّ آراء النُخب العراقية الحالية تتوافق مع آراء الحرس الثوري الإيراني؛ فمثلاً، قاسم الأعرجي، على سبيل المثال، قضى سنوات طويلة في إيران، والتحق بالجامعة هناك، ويتحدّث الفارسية بطلاقة، بالإضافة إلى معرفته الجيدة باللغة والنظام الإيراني. ويُنظر إلى وجود حكومة في بغداد يهيمن عليها حلفاء ايران بأنَّه فرصة نادرة لتحقيق أهداف لا تستطيع ايران تحقيقها في ظروفٍ أخرى. 

ويرى الباحث الإيراني حميد رضا عزيزي، أنّ إيران تسعى لإشعال صراع مع حكومة إقليم كردستان ووضع بغداد في موضع المسؤولية، بحيث تكون جزءاً من عملية تحويل التوازن في كردستان لصالح الحكومة المركزية على حساب حكومة إقليم كردستان. كذلك، تُدرك الولايات المتحدة أنَّه من خلال هذه الضغوط، فإن إيران تُعبّر عن مُعارضتها لدور واشنطن في العراق. وبحسب إحدى وسائل الإعلام الإيرانية، فقد هدّد [الإيرانيون] الأمريكيين بتدمير قواعدهم في المنطقة اذا ما استخدموها مراكز مُناهضة للثورة الإيرانية، وربما سيُقرّب ذلك المُعارضة الإيرانية والأمريكيين من بعضهما البعض. 

وقد صرّح رئيس “الاتحاد الوطني الكردستاني”، بافل طالباني، في لقاء عقده معهد تشاتام هاوس في 12 يوليو، بأنّ الإيرانيين هذه المرة كانوا أكثر جدّيةً من ذي قبل، وسوف ينفّذون خطتهم إذا لم تفعل الحكومة العراقية ذلك [مقابلة مع كاتب الورقة، في 25 يوليو 2023].

وقد يكون أحد أهداف المُهلة النهائية تعزيز الدفع باتجاه تنفيذ الاتفاق. مع ذلك، تحاول جميع الأطراف إيجاد مخرج للأزمة. ففي حديث مع موقع “روداو” الاخباري في أربيل، لم يرفض المُتحدّث باسم “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، خالد عزيزي، فكرة إلقاء السلاح والتوجّه إلى المُعسّكرات، بل طلب ضمانات أمنية لأعضاء الحزب ومؤسّساته. وقال بهذا الخصوص: “نعتقد أن العمل العسكري لن يحل القضيّة الكردية في إيران، ونحن لم نُرسل البيشمركة [إلى إيران] في الآونة الأخيرة، ولا ننوي القيام بذلك في المُستقبل، كما تجنبّنا استخدام أراضي إقليم كردستان العراق ساحة لعملياتنا العسكرية”. وعلى الرغم من ذلك، وفقاً لمصادر أخرى، فإن الفصائل العسكرية للأحزاب الكردية غير مُستعدّة لنزع سلاحها.

الأبعاد الأخرى للقضية

 على الرغم من أهمية أمن الحدود، ثمة مَن يرى أن القضية ليست مُرتبطة مباشرة فقط بمنظّمات المُعارضة بل بعوامل أخرى. فالضغط من أجل تنفيذ الاتفاق ينبع من إحساس إيران بأنها مُحاصرة، بخاصةٍ بعد إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية في المنطقة. لقد شعرت إيران بالحصار منذ عقود، لكنها تُركّز حالياً على ما تعتبره اختراقاً إسرائيلياً في أذربيجان وكردستان. وهذا الشعور بالتطويق والحصار له أصول عميقة في خطاب الضحية والمظلومية الذي تتبنّاه الجمهورية الإسلامية؛ وبالتالي، يُنظر إلى التطويق على أنه عمل آخر من قبل القوى المُستكبِرة والمُتغطرسة الأمريكية والإسرائيلية لحرمان إيران من الوصول إلى المنطقة. 

ويرى حميد رضا عزيزي أنّه لا يُمكن لإيران مُهاجمة دول أخرى ذات سيادة في منطقتها، لكن إقليم كردستان العراق، بوصفه كياناً غير حكومي، يُمثّل هدفاً مثالياً لإيران لإظهار قوتها العسكرية مع إمكانية الإفلات من العقاب. وفي خلفية المشهد، هناك أيضاً قضية ممر زانجيزور، وهو طريق يربط بين أذربيجان وتركيا عبر جنوب أرمينيا، حيث تقوم تركيابالترويج لهذا الممر، فيما تُعارضه كلٌّ من أرمينيا وإيران. وبالنسبة للأخيرة، فإن الربط المُباشر بين تركيا وأذربيجان سيُضعف نفوذ إيران في آسيا الوسطى، ويُعزّز تطلّعات تركيا الإقليمية. علاوة على ذلك، فإن هذا المشروع سيحرم السكك الحديدية الإيرانية من الارتباط بنظام السكك الحديدية السوفيتي السابق، والذي إذا حدث سيُعزز الاقتصاد الإيراني.

في ضوء ذلك، ترى إيران أي جهود لتعزيز العلاقات بين أربيل وباكو من منظور المُنافسة الأمنية والإقليمية، بخاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق ، إلى أذربيجان. فليس من المُستغرب في ضوء ذلك أن يجري استخدام القواعد الكردية الإيرانية في كردستان ورقة ضغط أخرى على الإقليم. 

ومع هذا، فإن العامل الأكثر أهمية في تشكيل الضغط الإيراني الحالي هو الأزمة الداخلية الأخيرة في إيران، حيث تعتقد السلطات الإيرانية أن الأكراد هم من بدأوها؛ وأنّ من الضروري اعتماد مقاربة أمنية متشددة للحيلولة دون اندلاعها مجدداً. وفي محاولة لبسط مزيد من السلطة والنفوذ في المنطقة، أُرسِلت معدّات عسكرية ثقيلة إليها، وتعرّضت المناطق الجبلية للقصف، كما شُقّت طرق جديدة. إن خطة إخماد المُعارضة المُسلّحة في كردستان العراق ليست سوى إحدى مستويات هذه العملية الكليّة. 

مواقف المجتمع الدولي 

في 30 يوليو 2023، زارت المُمثّلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، طهران. وفي خلال لقائها بوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، شدّد الأخير على التطبيق الصارم للاتفاق الأمني ​​بين إيران والعراق، أي نزع سلاح فصائل المُعارضة الكردية. وأشار العنوان الرئيس في صحيفة “مهر” الإيرانية إلى أن السيدة بلاسخارت طلبت من الإيرانيين تغيير تلك المطالب أو التخفيف من حدّتها. وفي حين أن زيارة المسؤولة الأممية إلى إيران تُشير إلى أن الأمم المتحدة قلقة بشأن المطالب الإيرانية وتنامي احتمالية زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل عام، فإن وضع المُعارضة الإيرانية الكردية لا يؤثر في أجندة الجهاز الدبلوماسي الأجنبي في أربيل بحسب أكثر من مصدر مُطّلع. وفي حين أن الولايات المتحدة قلقة من أنشطة إيران في العراق والمنطقة، إلا أن هذا القلق لم يُترجم إلى علاقة جيدة مع جماعات المعارضة الإيرانية. 

وعلى الرغم من المحاولات المُستمرّة لمجموعات المُعارضة الإيرانية، فإن القنصلية الأمريكية العامة في إقليم كردستان العراق لا تجتمع مع أي مُمثلين عنها أو أي أشخاص تابعين لها. وقد يكون هناك عدد من الأسباب خلف إغلاق الباب في وجه المُعارضة الإيرانية الكردية: أولاً، يريد المُجتمع الدولي بعث رسالة إلى إيران مَفادُها أن تغيير نظامها السياسي ليس خياراً مطروحاً على الطاولة. ثانياً، تفتقر المُعارضة الإيرانية إلى القيادة والتنظيم والرؤية المُشتركة لمُستقبل إيران؛ لذا، فإنه من غير المُحتمل أن تُشكّل هذه المُعارضة أي تحدٍ خطر للنظام الإيراني الحالي، ويُسهم ذلك أيضاً في افتقارها لأي ثقل على الساحة الدبلوماسية. ثالثاً، وبمعنى أوسع، يعيش المُجتمع الدولي في حقبة ما بعد التدخّل ونشر الديمقراطية، وبحكم عودة التعدديّة القطبية، يُعتبر الاستقرار والأمن الأولوية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، وبعد موجات الاحتجاجات المتتالية، أثبت النظام الإيراني قدرته على الصمود على الرغم من تزايد الضغوط الداخلية والخارجية. 

وعندما يتعلّق الأمر باللوبي الكردستاني-الأمريكي، فإن لدى حزب “كومالا” مكتب مُسجّل في العاصمة واشنطن يُديره صلاح بيازيدي، ليُرتّب مُحادثات مع أعضاء الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين. كما يُشارك في الفعاليات التي تستضيفها مراكز الأبحاث في العاصمة الأمريكية. ويحاول حزب “كومالا” كسب النفوذ من خلال مجموعات الضغط. مع ذلك، ومنذ إبرام الاتفاق النووي بين أوباما وإيران، جرى تهميش المُعارضة الإيرانية. وقد استمر نفس المسار في ظل إدارة ترمب، على الرغم من حملة الضغوط القصوى التي مارستها الأخيرة على طهران. 

استنتاجات 

كما هو واضح أعلاه، فإن الاتفاقية الأمنية الإيرانية-العراقية تُغطّي أكثر من مُجرّد نشاط سياسي كردي قائم على الحدود. وقبل كل شيء، لها جانب داخلي، حيث شهدت إيران مؤخراً واحدة من أصعب احتجاجاتها منذ عقود. ومن ثمَّ، فإن مُهاجمة قواعد المُعارضة هي محاولة لإبقاء الفجوة بين بين أكراد المنطقة والأكراد في إيران واسعة، وتأكيد سردية النظام عن الطابع الإثني-الانفصالي للاحتجاجات، بخاصة بعد أن جعلت التظاهرات الأولوية لقضايا النوع الاجتماعي والحريات على القضايا العرقية، ما أدّى إلى تحسين العلاقات والتكافل بين المجموعات العرقية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تسعى طهران لإحياء تهم الإرهاب والانفصال التي تُلصقها بالأكراد. 

ويستهدف الموقف الإيراني استخدام الاتفاق مع الحكومة العراقية من أجل تركّيز السلطة في أيدي النُخب الحاكمة المُتحالفة مع إيران في العراق على حساب إقليم كردستان. كما تحاول ايران وقف تمدد النفوذ التركي إلى السليمانية، بخاصة من خلال زيادة وجود الجيش العراقي في المنطقة. غير أنَّه لا يزال هناك احتمال ألاّ تمضي هذه العملية كما هو مأمول. وحالياً، تحصل إيران على ما تحتاجه من العراق من دون اللجوء إلى القوة؛ فميل القوات المسلحة الإيرانية لاستخدام القوة من شأنه أن يُعرّض إنجازاتها الأخيرة للخطر؛ وبالتالي، يعتقد الكثيرون أن ايران لن تتجاوز حدود التهديد، أو القيام بعمليات محدودة، ولن تحاول إحراج حكومة السوداني بدرجة كبيرة. 

السابق
من التشدُّد إلى التراخي: كيف تعمل أسعار النفط على رسم ملامح السلوك الأمريكي تجاه إيران؟
التالي
كريم مروة: الحرمان عند الشيعة ونغمة «بدن يردّونا مسّاحي احذية»