«حزب الله» بعد 17 عاما من حرب تموز.. الترسيم مقابل السلاح!

حرب تموز
في 12 تموز 2006 قام حزب الله بعملية أسر ثلاثة جنود اسرائيليين، أسفر عنها قيام حرب استمرت 33 يوما، شنت فيها اسرائيل الاف الغارات الجوية على المدن والقرى اللبنانية من جنوبه الى شماله، متسببة بدمار هائل وسقوط الاف القتلى والجرحى، فيما طالت الاف صواريخ الكايوشيا لحزب الله مدن ومستعمرات شمال فلسطين، متسببة بدورها بخسائر مادية وسقوط مئات من القتلى والجرحى.

أدّت الغارات الجوية الاسرائيلية خلال حرب تموز 2006، إلى ما أدّت إليه في لبنان من دمار وخراب وضحايا مدنيين قتلى وجرحى بالآلاف، وكذلك فإنّ صواريخ حزب الله نجحت، ومع التفاوت في القدرة التدميرية، في فرض واقع عسكري صعب على العدو، اضطرت اسرائيل معه للقيام بعملية عسكرية برية، بعد ان فشل سلاحها الجوي في القضاء على الترسانة الصاروخية للحزب، التي استمرت بالانطلاق نحو المستعمرات في الجليل، وباتجاه المدن الكبرى وصولاً إلى حيفا بمعدل 100 صاروخ يومياً حتى نهاية الحرب في 14 آب 2006.

يحاول حزب الله التملص من البنود الملحقة بالقرار الدولي التي تنص على تطبيق القرار 1559 وحصر السلاح في يد الدولة

بعد الحرب وبالرغم من خطاب النصر لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي وصف فيه جمهوره بـ” اشرف الناس” وتعهد فيه بمواصلة المقاومة ضد اسرائيل، فإنّ اللافت كان تصريحاً لنائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم قال فيه أنّ “هذه الحرب هي اخر الحروب مع اسرائيل”.

حزب الله يتمترس خلف 1701

واليوم بعد مرور 17 سنة على تلك الحرب المشؤومة، التي نجحت في تثبيت الواقع السياسي والعسكري في لبنان، ورسم الخط الازرق على الجبهة الجنوبية على الحدود مع اسرائيل، ومع وصول 15 ألف جندي دولي لتعزيز قوات “اليونيفيل” للمساعدة في تطبيق القرار الدولي 1701، الذي نص على أن تتولى القوات الدولية بالتعاون مع الجيش اللبناني، فرض الأمن على الحدود، فان حزب الله ورغم خسارته لتلك الجبهة رسميا، الا انه بقي بفعل الامر الواقع وضعف الدولة اللبنانية صاحب السيطرة الفعلية.

ولما حاول حزب الله لاحقاً التملص من البنود الملحقة بالقرار الدولي المذكور، وخصوصاً بنده الذي ينص على تطبيق القرار 1559، أي حصر السلاح في يد الدولة، وهو ما ينهي دور الحزب العسكري، الذي يستند إلى شرعية المقاومة من أجل البقاء على سلاحه، وفرض واقع سياسي مواز جعله يهيمن على لبنان منذ انسحاب القوات السورية عام 2005، فإن اندلاع الحرب السورية وانخراط الحزب فيها دفاعاً عن مصلحته واستراتيجيته، في بقاء حليفه الرئيس بشار الاسد على رأس النظام في سوريا، لتبقى مقراً وممراً للدعم المالي والعسكري القادم من ايران، كما كان في العقود الماضية.

حزب الله يحتاج إلى ضمانات كبيرة قبل توقيع الاتفاق البرّي، أوّلها مستقبل سلاحه وثانيها حصته من الاتفاقيات الإقليمية المقبلة

كما يدرك اليوم حزب الله وخلفه الإيرانيون، أن القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وسوريا، لا بد أن تنفذ عاجلاً أم آجلاً، لذلك فإنه وافق قبل عامين على البحث في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حتى توصل إلى اتفاق في 27 تشرين الأول عام 2022، قبل أقل من عام، يتقاسم فيه لبنان وإسرائيل المصالح النفطية في البحر، بغض النظر عن ما قيل من إسراف في التنازلات من قبل الحكومة اللبنانية، من خلال المكاسب التي حققتها إسرائيل عبر السماح لها باستخراج النفط والغاز من جانبها في حقل كاريش، في حين أن لبنان يحتاج إلى سنوات طويلة كي يبدأ عمليات الحفر لاكتشاف مخزونه وتصديره.

مفاوضات برية مرتقبة

ولا شك أن تسخين الحدود البرية مع إسرائيل، الذي بدأ من قرية الغجر الحدودية قبل اسبوعين، مع نصب خيمتين لحزب الله وردّ إسرائيل باحتلالها أجزاء من القرية المذكورة قبل ايام، سيكون مقدمة حسب المراقبين، لبدء المفاوضات البرية المرتقبة، خصوصاً مع وصول آموس هوكستين المستشار الأميركي لشؤون الطاقة إلى لبنان والمنطقة في الأيام المقبلة، كما أُعلن أمس الاثنين، وهو الشخصية الوسيطة نفسها التي رعت اتفاق الترسيم البحري، ما يمهّد الى قيام نسخة تفاوض بريّة، يتساءل المراقبون عن الصفقة التي سوف تليها، ودور حزب الله فيها، وما اذا كان سوف يقدّم لاسرائيل برّيا، ما قدمه بحريا من ضمانات ومكاسب، مقابل الاحتفاظ بسلاحه وبقاء دوره الاقليمي في سوريا.

مجمل القول، أن حزب الله يسارع إلى حصد ما أنجزه في لبنان وسوريا في العقدين الماضيين، متلافياً خسائر محتملة يمكن أن تنشأ، بفعل التغييرات في التواجهات الإقليمية التي فرضتها قبل شهور اتفاقية بكين بين السعودية وإيران, والتي تنص في إحدى بنودها على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار”، أي تقليص الدور الإقليمي لإيران وحزب الله في المنطقة، وهو ما بدأ بالفعل مع توقف الحرب في اليمن، بين الحوثيين المدعومين من إيران وبين قوات الشرعية اليمنية المدعومة من السعودية.

يبقى أن لبنان الغارق في الأزمات السياسية الاقتصادية بفعل عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وانهيارالعملة وما تبعها من تراجع للأمن المعيشي للمواطنين بشكل عام، سوف يشكل هذا عامل ضغط إضافي، على جميع القوى المحلية والإقليمية والدولية، من أجل الإسراع في منح الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلد قبل فوات الأوان، مع العلم أن حزب الله يحتاج إلى ضمانات كبيرة، قبل توقيع الاتفاق البرّي، أوّلها مستقبل سلاحه، وثانيها حصته من الاتفاقيات الإقليمية المقبلة حول مستقبل سوريا،

ان نتائج ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لن تعني البلدين فقط، بل ستتعداها إلى المنطقة والجوار، وهو ما يعيه حزب الله، ويستعد لمواجهته معوّلاً على قيادة حليفته الكبرى إيران، التي بدأت مرحلة جديدة من التعامل مع دول الجوار العربي، قوامها المصلحة السياسية والتكامل الاقتصادي مع تلك الدول، بما يجعل مع الحزب حسب انصاره من المحللين، شريكاً لا غنى عنه في رسم وتطبيق تلك السياسة الجديدة، بينما ترى مصادر محايدة، انه وعلى ضوء الشراكات الكبرى، فانه لا مكان للجماعات الطائفية والعصبيات العرقية، في الحلول المرتقبة بالمرحلة المقبلة بمنطقة الشرق الاوسط.

السابق
الانهيارات تطغى على احتفالات ذكرى حرب تموز!
التالي
رحيل الأديب العالمي ميلان كونديرا.. على مشارف قرن من العمر!