«آخرة» إقحام واقعة كربلاء في العلاج النفسي!

العلاج النفسي

يتبدّى العلاج النفسي، كأي علاج، ضرورةّ في حياة الفرد. و هو يكتسب حساسيته الدقيقة انطلاقاً من كونه يطال عالمه الداخلي الذي يحوي فرادته ، أي خصوصيته أو لنقل “بصمته ” النفسية.

يستخدم العلاج النفسي الوسائل النفسية عبر جلسات، فردية أو جماعية أو الاثنتان معاً، تجرى مع معالج نفساني. ويهدف بذلك إلى تمكين الفرد من استعادة التكيف مع محيطه، الذي اهتزّ أو ضعف أو انعدم، من جراء ما مرّ به من أزمات نالت من حياته النفسية و حوّلته إلى ” مضطرب” نفسي. وأما بالنسبة إلى مدته، فإنها يمكن أن تتراوح بين أشهر و سنوات. و هي تختلف بالطبع بحسب الحالة.
ولسنا هنا في صدد تناول ماهية العلاج النفسي و طرقه، إلا أنه كان لا بد من تقديم شرح مقتضب، لكي يُصار إلى تحديدها بدقة أكثر.

وإذا ما قاربنا الحياة النفسية للفرد او بالأحرى بنيته فإنه يتبيّن لنا تأثرها الكبير بالعوامل الجينية و البيئية و حتى الذهنية


وإذا ما قاربنا الحياة النفسية للفرد، أو بالأحرى بنيته، فإنه يتبيّن لنا تأثرها الكبير بالعوامل الجينية و البيئية و حتى الذهنية… التي تأتي لتشكّلها و تعطيها هويتها الخاصة.
ومن هذا المنطلق، يعدّ العلاج النفسي مادة دسمة أو لنقل “أداة”، يجري توظيفها بهدف تسويق ايديولوجيات، تخدم مصالح جهات سياسية، تسعى إلى الاطباق أكثر على الأفراد، من خلال انتهاك الخصوصية النفسية و استلابها.
يخترق العلاج النفسي الكثير من الخطوط الحمراء في حياة الفرد، و يتخطاها لانه يطال الحيز الخاص والحميمي، ليصل إلى العام من حياة الفرد .

العلاج النفسي دخل نوعاً ماً في دوامة الأدلجة “المخيفة” وبتنا نسمع في بعض المقابلات مع من “يشتغل” في العلاج النفسي عن تسويق واضح لأحداث دينية و تمجيدها


و بالعودة إلى الواقع اللبناني، يبدو أن العلاج النفسي دخل، نوعاً ماً، في دوامة الأدلجة “المخيفة”، وبتنا نسمع في بعض المقابلات مع من “يشتغل” في العلاج النفسي، عن تسويق واضح لأحداث دينية و تمجيدها، عبر سجن الذات فيها من خلال “الدعوة” إلى البكاء و النواح عليها. وهذا ما يستدعي إلى التساؤل الآتي: إذا كان هذا ما يجري في العلن والنور ، إن صحّ التعبير، ماذا يخفي بعض العيادات النفسية؟
لا نعطي، هنا، الحق لأنفسنا في “محاسبة” من يعمد إلى تسخير العلاج النفسي، لأهداف إيديولوجية أو النيل من “كفاءته” ، إلا أنه لا بدّ من عدم إغفال أمر بالغ الخطورة، و يتمثّل في توظيف الحدث الديني في خدمة تسويق لإيديولوجيا، في الوقت الذي تفرض آداب المهنة الحيادية في أشكالها كافة لكي لا يتم الإطاحة، إن جاز التعبير، بالحالة أولاً، و ثانياً “الرأفة” بمن يخضع للعلاج النفسي، وعدم ابتزازه نفسياً، و دفعه في الكثير من الأحيان، إلى الشعور الكدر بالاضطهاد، الذي حكماً سيؤدي به إلى كراهية الآخر و عدوانية تجاهه. و لا يخفى من أن هاتين الكراهية والعدوانية، ما هي إلا أواليتين دفاعيتين يتم استخدامهما لاحقاً، في سبيل مواجهة قلق الاضطهاد .
يعدّ الكائن البشري اجتماعياً و ثقافياً، لذلك، من البديهي و أيضاً الطبيعي، أن يتأثر بالأحداث التي جرت في مجتمعه، اجتماعية كانت أم دينية أم سياسية، و التي تؤدي دورها في تشكيل هويته على المستويات كافة ومنها النفسي. بمعنى آخر، لا يمكن فصل الثقافي و الاجتماعي عن النفسي!..
ولسنا هنا في صدد تناول مجريات الأحداث التاريخية و تقييمها، لأن ذلك بعيد عن مجال اختصاصنا ، لكن يتوجّب الاعتراف على أنها محدد وجوديّ بامتياز، بمعنى أنها ترتبط بمسألة “وجود” قبل كل شيء.

تعدّ واقعة كربلاء هوية خاصة لوجود المذهب الشيعي ومحدداً رمزياً للانتماء


تعدّ واقعة كربلاء هوية خاصة لوجود المذهب الشيعي، ومحدداً رمزياً للانتماء. و يعود السبب في كونها تشكّل مفصلاً ليس تاريخياً فحسب، وإنما أيضاً وجودياً. لكن ما يجري هو أنه يتم إقحامها في مسارات العلاج النفسي عند بعض ممارسي العلاج. يتبدّى انعكاسان نتيجة هذا الاقحام. يكمن الأول في تحويلها إلى مادة لتسويق ايديولوجيا معينة، أما فيما يتعلق بالثاني، فيرتبط بحقيقة علمية، وتتمثل في أن البكاء على القضية، لا يلغي الاضطراب النفسي، لأنه لا يساعد في الكشف عن سببه، و إنما قد يفرّغ التوتر مؤقتاً.

تمتلك الحياة النفسية خصوصيتها و فرادتها ولا يمكن اقحامها في عملية استعادة الاحداث و احيائها في سبيل ترسيخ لإيديولوجيا معينة


خلاصة القول، تمتلك الحياة النفسية خصوصيتها و فرادتها، ولا يمكن اقحامها في عملية استعادة الاحداث و احيائها، في سبيل ترسيخ لإيديولوجيا معينة. و لا يمكن للعلاج النفسي أن يكون مسرحاً يتم انتهاكها لصالح السياسة. ولا يجب أيضاً توظيف الاحداث التي تعدّ وجودية و تحويلها إلى أداة و انتهاكها أيضاً!….
أخيراً، أما آن الأوان لندع الأحداث التاريخية و شأنها، و تركها تخط وقائعها بطريقة تليق بها؟؟!..

السابق
«حرب إلغاء» رئاسية.. و«الدول الخمس» تنتظر لما بعد 14 حزيران!
التالي
فعاليات صيف صور 2023 تنطلق.. وافتتاح الشارع المخصص للمشاة