وجيه قانصو يكتب ل«جنوبية»: معادلة إما فرنجية رئيساً أو الفوضى

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

تراوح معضلة رئاسة الجمهورية في مكانها، مع أرجحية حتى الساعة لسليمان فرنجية على غيره، لا بسبب عدد النواب المحتملين لانتخابه فحسب، وإنما بسبب تماسك وتراص الجبهة السياسية التي شكلها حزب الله، من مؤيده وداعميه من النواب، ذوي الانتماءات الطائفية المتعددة.  إضافة إلى وجود تباين بين الدول الكبرى في معالجة ملف الرئاسة، فضلا عن فتور ولامبالاة لافتين من أكثر هذه الدول في تفعيل الملف وحسمه. 

يراهن حزب الله على عامل الوقت، وهو غير مستعجل. ولا يبدو أن تداعيات التأخير على الاقتصاد، أو آثار انهيار الدولة تقلقه أو حتى تعنيه، بل يبدو أنها عوامل يوظفها حزب الله لصالحه. فخلق ترتيب سلطوي في لبنان، يوفر للحزب غطاء مريحاً لوضعية سلاحه، وقدرة تحكم صارمة بمسار وأداء مؤسسات الدولة الثلاث، الرئاسة الحكومة والبرلمان، بات يمثل أولوية تغلب وتفوق أي اعتبار آخر. 

يراهن حزب الله على عامل الوقت وهو غير مستعجل

حملة رئاسة فرنجية تراهن على عوامل ثلاثة أساسية: 

أولها: جهد حزب الله الهادىء والحثيث، في توسيع رقعة مؤيدي فرنجية في المجلس النيابي من جميع الطوائف اللبنانية.  فالتيار العوني ما يزال مترددا في كسر الجرة مع الحزب، وهنالك العديد من نواب هذا التيار، يعتقدون من باب الواقعية السياسية، أن الخروج عن حزب الله مؤشر عزل وإقالة من تركيبة السلطة القادمة.  وهنالك العديد من النواب المسيحيين الذي حازوا نيابتهم بفضل دعم حزب الله لهم، سيصوتوا لصالح فرنجية ليضمنوا لأنفسهم استمرارية البقاء في المجلس النيابي. أما نواب السنة، فإن حزب الله، وبفضل الانسحاب الكامل من تيار المستقبل من الحياة السياسية، يتوسع في مراكمة عدد المنضمين إلى معركته الرئاسية. أما الطرف الدرزي، المتثمل بوليد جنبلاط، وبحكم براغماتيته السياسية، فما يزال في منطقة المناورة السياسية، وما يزال يحتفظ بخط رجعة، يحول دون الذهاب بمعارضة انتخاب فرنجية إلى النهاية.  

جهد حزب الله الهادىء والحثيث في توسيع رقعة مؤيدي فرنجية في المجلس النيابي من جميع الطوائف اللبنانية

ثانيها: المعطى الدولي، بإظهار فرنجية نقطة التقاطع الطبيعية والمنطقية، بين خطوط مصالح الدول الكبرى المعنية بالملف اللبناني. فالإصرار الفرنسي على فرنجية، وسلة المقايضات السعودية الإيرانية لفك الاشتباك الحاصل بينهما، إضافة إلى اقتصار الدور الأمريكي على عقوبات شكلية، ذات تأثير ثانوي في مسار الملف الرئاسي.  جميع هذه العوامل، تخلق بالحد الأدنى حالة فراغ أو لا قرار دولي، ترفع الموانع الدولية عن انتخاب فرنجية، وتسهل الاعتراف بشرعيته في حال تم انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية.

المعطى الدولي بإظهار فرنجية نقطة التقاطع الطبيعية والمنطقية، بين خطوط مصالح الدول الكبرى المعنية بالملف اللبناني

ثالثها: تشتت قوى المعارضة وتباين آرائهم، وتناقض مواقفهم وعجزهم عن التوافق على مرشح مشترك،  بين نزعة شخصنة متضخمة لدى أكثر رموزها، بين اتهامات واتهامات متبادلة، بين تغليب الحسابات الخاصة على ضرورات المصلحة الكلية، بين سذاجة تفكير سياسي من جهة وراديكالية غير منتجة من جهة أخرى، بين غياب الرؤية الجامعة. هي أمور،  تمنع تحويل الشعارات الإنتخابية والشعبوية، إلى مشروع وطني قوامه الدولة والسيادة، وتحول دون نشوء معارضة سياسية فعلية لمسعى الحزب فرضَ مرشحه.

تشتت قوى المعارضة وتباين آرائهم وتناقض مواقفهم وعجزهم عن التوافق على مرشح مشترك

عجز قوى المعارضة عن التوافق على مرشح ذي حيثية نيابية وازنة، ودعم جدي وحاسم منها، يجعل فرنجية المرشح الأكثر واقعية والأوفر حظاً في اقترابه من الكرسي الرئاسي.  فالمعارضة على ما يبدو تعودت قول “لا” لما يفرض عليها، لكنها لم تعرف كيف تخلف “نعم” خاص بها. 

رهان حزب الله على الوقت، ليس معناه أنه سيخلق شروطاً جديدة تغير وضعية المراوحة الداخلية، أو يحدث اختراقاً نوعياً في عدد النواب المنضمين إلى حملته الانتخابية، أو حصول تبدل إيجابي في الموقف الدولي أو الإقليمي تجاه ترشيح فرنجية.  إنما هو الرهان على المزيد من التصدع والوهن في قوى المعارضة، لإظهار عجزها عن إدارة معركتها السياسة وفشلها في الألتفاف حول مرشح مشترك بينها، إضافة إلى الرهان على الآثار الخطيرة في إطالة أمد الفراغ الرئاسي، التي لا تقتصر على الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة واقتصاد البلد، وإنما تهدد الأمن الاجتماعي نفسه.  هو أمر يولد قلقاً دولياً، يدفع إلى القبول بفرنجية كمرشح الأمر الواقع، للحؤول دون حصول الأسوأ، ويخلق حالة يأس وإحباط داخليين تفرض فرنجية مرشحا حصرياً للرئاسة.

أمام معادلة: إما فرنجية رئيساً أو الفوضى والانهيار، تجد قوى المعارضة، تخفق من جديد في خلق معادلة قوة موضوعية، تجسد شعاراتها السيادية وتطلعاتها التغييرية. 

السابق
إستنفار للجيش في مواجهة الإسرائيليين عند تلال كفرشوبا وشبعا.. وتحذير للمستوطنين
التالي
إخلاء سبيل هدى سلوم