اللقاء الخامس لملتقى التأثير المدني عن «لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات»

ملتقى التأثير المدني

 واصل ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم “الحوارات الصباحية” الشهرية بانعقاد اللقاء الخامس في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والعسكريين المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الملتقى.

عقد اللّقاء الخامس بعنوان “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات” مستلهمًا وثيقة الوفاق الوطنيّ ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا.

بداية، النشيد الوطني ثم وثائقي تعريفي عن الملتقى بعنوان “عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان”، ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الرابع من “الحوارات الصباحية” بعنوان: “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة”.

جبرائيل

بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة الملتقى المهندس إيلي جبرائيل الذي لفت إلى أن “ملتقى التأثير المدني قرر النّضال من أجل إعادة الاعتِبار لهويّة المواطنة، والتي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في روحيّة دستوره في العام 1926”.

أضاف: “نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة ملتقى التأثير المدني، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة”.

هاني

تحدثت ميسرة الحوار الباحثة شادن هاني وقالت: “هناك أبعاد اجتماعية دينية وسياسية تنقُض مفهوم المواطنة في لبنان. فحين نقولُ مواطنة نقول وطن، فالإنسان بحاجة لوطن لكي يمارس المواطنة، لذلك توجد علاقة بين الإثنين مبنية على ثقافة تاريخية اجتماعية سياسية ودينية”. ولفتت إلى أن “جغرافيّة لبنان لم تحدد إلا بعد الحرب العالمية الأولى وإنشاء لبنان الكبير عام 1920”. وأشارت إلى أنه، “ومنذ الاستقلال ومن بعده ميثاق 1943، برزت فرص وكانت محاولات لبناء دولة حقيقية، لكن لم توضع ولم تمارس قواعد أو احكام ترعى وحدة الوطن وشعبه وترسّخ هذا الكيان وتثبّت ركائزه، كما أن السياسيين الذين تولوا شؤون الحكم لم يعطوا المواطن حقوقه بالكامل. كما ان “المواطن لم يؤدّي مسؤولياته بشكل كامل”. ولذلك فإن “عدم التزام الدولة القيام بما يتطلبه وجودها من واجبات أفسح المجال للزعامات المحلية – الإقطاعية والدينية بالنمو والنفوذ حيث شعر المواطن بأن الزعيم والاقطاعي والسياسي ورجل الدين هو الضمان الوحيد له في ظل تقاعس الدولة، وهذا ما كرّس الطائفية والمذهبية”.

إقرأ ايضاً: وداعا.. مكتبة «العروبة» في صور

تحدثت هاني عن “الامتيازات الموقّتة” فلفتت إلى أن “في لبنان 18 طائفة ومذهب تشكل تعددية دينية حفظ الدستور حقوق كل منها. وأعطى الدستور امتيازاً موقتًا وأصبح دائما عند توزيع السلطات على الطوائف”. وهي التي دخلت في “صراع على نفوذ سياسي، لجأت الى الإستقواء بالغير من خارج لبنان إلى حدود الدخول في حروب محلية”. وأصبح لبنان “ساحة للصراعات الاقليمية”. وهذا “ما زاد من الانشقاقات والانفراد في ظل التعددية الدينية الموجودة في لبنان”. وما اختراع كلمة “التعايش المشترك بين الطوائف إلا ذراً للرماد في العيون”.

 وإذ انتقدت هاني فقدان “رؤية واحدة للبنان”، اعتبرت أنّ “التعددية التي تعتبر مصدر إثراء وغنى في الكثير من البلدان أصبحت في تكوينها الديني في لبنان مصدر العلل والتناقضات”. ورأت “أنّ الوضع معقدّ”، داعية إلى “الخروج مما نحن فيه” ان نبدأ من اقامة “نظام سياسي ديمقراطي”، و”اعتماد القانون المرجع الوحيد في النزاعات والخلافات وحماية الحقوق بالتساوي، وإحترام الاختلافات الثقافية والدينية والأعراف بين الفئات.”

وختمت مؤكدة “أن لا بديل من قيام الدولة لكن علينا تعزيزها بكافة الوسائل الثقافية والتربوية والاعلامية والاجتماعية عبر التكاتف والوحدة التي منعها السياسيون عن شعب لديه من الوعي والغنى والنضج الكاف لينهض ويبني وطن. والدواء الشافي فصل الدين عن الدولة والإبقاء على خصوصية الأديان والأفراد في عبادة الله”.

عويس

كانت مداخلة للدكتور مكرم عويس اعتبر فيها أن الحديث عن “المواطنة اللبنانية والتنوع” حساس ومهم “لأنه لا يحدد كيف سنتواصل كلبنانيين مع بعضنا البعض فحسب، إنّما يحدد أيضاً كيف سنعمل معاً من أجل بناء لبنان المستقبل”. وقسًم عويس مداخلته الى ثلاثة أجزاء: الأول شكل طرحا “لواقع الحال الذي نحن فيه وكيف نتعامل نحن كمواطنين مع دولتنا ومع بعضنا البعض”. وتناول الجزء الثاني “ماهية الخيارات السياسية المتاحة لنا لمعالجة مسألة المواطنة والتنوع من وجهة نظر سياسية”. أما الجزء الثالث والأخير فقد تناول التطلعات المستقبلية و”اقترح أفكاراً حول كيفية تعزيز المواطنة وتعميق احترام التنوع في لبنان”.

واعتبر أنّه “على الرغم من التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية الذي عطل حياتنا السياسية أحياناً على مدى العقود الماضية، ما زال اللبنانيون متأثرين بشكل كبير بعدد من العوامل الداخلية ومنها المتصل بملفات حرب 1975- 1990 التي لم تُحل بعد والتي تشمل بشكل بارز مصير 17000 شخص مفقود ومخفي قسراً، وعدم تحقيق مصالحة فعالة على مستوى الشعب، والعجز عن الاتفاق على منهج تاريخ مشترك منذ نهاية الحرب عام 1990 والتقصير في تنفيذ دستورنا المعدل بعد الطائف. عدا عن الخوف المستمر لدى المواطنين من أن يكونوا غير محميين من قبل الدولة، خاصة إن كانوا يعيشون في مناطق يشكلون فيها الأقلية، أو حيث قد تحدث اشتباكات محتملة بين مجموعتين أو أكثر. وهذا ما شكل الحركات الديموغرافية في البلاد وأثر أيضاً على محدودية عودة المهجّرين إلى مناطقهم”.

ولفت إلى أنه بدل “تبديد مشاعر الخوف والتهديد والاغتراب والإحباط تجاه الدولة”، قد “تم تعزيزها من خلال نظام انتخابي لا يزال منحازا بشكل كبير لصالح هؤلاء القادة والأحزاب”. وتحدث عن “فشل نظامنا التعليمي، منذ الطائف، في تعزيز المعرفة والفهم والاحترام لخلفيات المواطنين الآخرين، والهويات والجماعات الدينية، والاحتياجات الخاصة، والجنس، والعرق، والإتنية والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك”.

وبعدما تحدث عويس عن مجموعة من الظواهر السلبية، اشار الى “بعض الخيارات التي يمكن اللجوء اليها وحددها على مستويات عدة: اولها تعليم حقوق الإنسان في جميع المدارس في ضوء مناهج واضحة ومحددة جداً. ثانيها مراجعة التربية المدنية وتسليط الضوء على كيفية عمل النظام اللبناني. ثالثها المعرفة النقدية بالتاريخ من خلال إدخال واعتماد مناهج متفق عليها”. رابعها تعزيز نموذج يمكن أن يساعد في بناء دولة تحترم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تضم لبنان. خامسها إعطاء المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور. سادسها جعل استقلال القضاء أولوية قصوى، وإخراجه من سيطرة وزارة العدل مع توفير الحماية اللازمة للقضاة. سابعها تشكيل لجنة وطنية لوضع قانون جديد للأحوال الشخصيّة المدنية. وثامنها إصلاح العملية الانتخابية لإخراجها من تقسيم الدوائر الصغيرة والتي تروج لها الأحزاب الطائفية وقياداتها. وتاسعها وضع قانون جديد للأحزاب السياسية، حيث يحظر على الأحزاب تلقي التمويل من غير اللبنانيين. وعاشرها التحرك السريع نحو الحكومة الإلكترونية لمعظم المعاملات”.

وختم داعيا إلى “إطلاق ورشة عمل كبيرة وإتمامها بطريقة شاملة تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمع اللبناني”، لافتا الى “أن تنوعنا يجب أن يكون مصدر احتفاء، وليس مصدر خوف دائم يقسّم المواطنين  إذ في النهاية لن يتمكن اللبنانيون من بناء لبنان على أرض صلبة وسيبقون ضعفاء أمام الأطماع والتهديدات الداخلية والخارجية إن لم يسعوا إلى تعميق حس المواطنة. ورغم أن الأمر قد يستغرق الوقت والمثابرة والمجهود إلا أن التقدم ممكن، ليكون لدينا لبنان متنوع، يحتضن مواطنين يشعرون بمواطنيتهم وبأنهم معنيون في شؤونه”.

ختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.

السابق
فرايسن تفقد «عامل» في عين الرمانة..تساهم في التنمية على مستوى الوطن
التالي
«رابطة المودعين»..سلامة وتسليمه للقضاء الفرنسي!