حسن فحص يكتب ل«جنوبية»: «فالس نووي» بين واشنطن وطهران!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم تكن الاشارة التي اطلقها وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين، حول جانب من المباحثات التي اجراها مع نظيره الايراني حسين امير عبداللهيان، حول دور عراقي وسيط لفتح قناة حوار بين طهران والادارة الامريكية، مجرد كلام عابر حول الجهود التي تبذل على هذا المسار. 

كلام الوزير العراقي، جاء في ختام الزيارة التي رافق فيها الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد، الى العاصمة الايرانية طهران، وقد لا يلعب العراق دورا محوريا في هذا السياق – الحوار الايراني الامريكي- الا انه يكشف ويؤكد الدور الذي قام به الوزير العراقي بنقل رسائل بين الطرفين في المرحلة السابقة، خاصة في مرحلة استضافة العراق للحوارات الايرانية السعودية، وان العودة الى فتح هذا الملف مع نظيره الايراني يأتي من باب محاولة ان تكون بغداد جزءا من حراك قائم على هذا المسار. 

قد لا يلعب العراق دورا محوريا في هذا السياق – الحوار الايراني الامريكي- الا انه يكشف ويؤكد الدور الذي قام به الوزير العراقي بنقل رسائل بين الطرفين في المرحلة السابقة

لم تتأخر الاشارات الايجابية المتعلقة بامكانية استنئاف الحوار بين طهران وواشنطن، او العودة الى طاولة التفاوض، اذ كشف في طهران ان الدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية، قدمت مطالعة مفصلة حول آليات الحوار المتوقع مع واشنطن، من زاوية متابعة قرار محكمة لاهاي الاخير، الذي ادان القرار الامريكي بتحميد بعض الاصول المالية الايرانية، واعطى طهران الحق في استعادتها مع التعويضات المرتبطة بها، وامكانية ان تتوسع دائرة هذه المفاوضات، لبحث ازمة البرنامج النووي، وآليات اعادة احياء الاتفاق او التوصل الى اتفاق جديد يخرج من رحم الاتفاق القديم. 

اذ كشف في طهران ان الدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية، قدمت مطالعة مفصلة حول آليات الحوار المتوقع مع واشنطن

في المقابل، جاء كلام مستشار الامن القومي الاميركي جاك سوليفان، في بداية جولته على منطقة الشرق الاوسط، ليعطي اشارة امريكية ايجابية على امكانية العودة الى طاولة التفاوض، عندما اشار الى ان الطريق الدبلوماسية هي الطريق الوحيد، الذي يضمن عدم قيام ايران بالتخصيب العسكري وحيازة سلاح نووي، وان واشنطن لم تتوقف عن توجيه الرسائل لايران، حول اثمان وتبعات الطموحات الايرانية، في الوقت نفسه تتابع الامور عبر الطرق الدبلوماسية، والادارة الاميركية تسعى من اجل “توافق دبلوماسي طويل الامد” مع ايران. 

هذا الكلام لسوليفان يعني ان الادارة الامريكية، انتقلت من سياسة التهميش او الاهمال، التي مارستها في المرحلة السابقة في التعامل مع ما يتعلق بالحوار والتفاوض مع ايران، خاصة مع بدء العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، وان عودة الاهتمام الامريكي بالملف الايراني، قد يكون نتيجة لواحدة من حالتين، اما ان واشنطن تقترب من الاطمئنان بفشل العملية العسكرية الروسية، او ان هذه العملية تحولت الى معركة استنزاف لموسكو وطموحاتها، وبالتالي بات بالامكان العودة الى معالجة الملفات العالقة في منطقة الشرق الاوسط. 

لعل المحرك الاساس لعودة واشنطن لتفعيل العمل الدبلوماسي مع ايران قد يسهم في تغيير معادلات الاقليمي المتمثل بالاتفاق الثلاثي السعودي الايراني برعاية صينية

ولعل المحرك الاساس لعودة واشنطن لتفعيل العمل الدبلوماسي مع ايران، ما شهدته المنطقة من تطور مفصلي، قد يسهم في تغيير معادلات الاقليمي، المتمثل بالاتفاق الثلاثي السعودي الايراني برعاية صينية، وان عملية استنزاف ايران في الصراعات الاقليمية ومحاصرتها باللعب على عامل “الايرانو فوبيا”، في علاقتها مع محيطها العربي وتحديدا الخليجي قد تراجعت الى الخلف ولم يعد لها دور بعد الاتفاق بين طهران والرياض. وبالتالي فان المرحلة، باتت تستدعي العودة الى المسار الدبلوماسي، لحل عقدة الاتفاق النووي، الذي بات يشكل مصدر تهديد حقيقي، وان الطريق لتطوير الانشطة النووية الايرانية، اصبح اقرب الى دائرة الخطورة، ما لم تبادر واشنطن لكبح هذه الطموحات واعادة ضبطها. 

سبق الكلام الاميركي حول العودة للدبلوماسية، حراك اوروبي قادته دول الترويكا الاوروبية الاعضاء في الاتفاق النووي، والمشاورات التي اجرتها مع الدول المنتخبة في مجلس الامن الدولي، لبحث امكانية تفعيل “آلية الزناد” في اتفاق عام 2015، والتي تسمح بتفعيل العقوبات الدولية ضد ايران، وهي خطوة استنفرت النظام الايراني، الذي رفع سقف التهديد، مقابل مثل هذه الخطوة، ولوح بامكانية الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، وما يعنيه ذلك من فتح الطريق امام رفع مستويات التخصيب الى المستوى العسكري، ما دفع هذه الدول الى ربط اللجوء الى هذه الالية، بامتلاك ايران يورانيوم مخصب بدرجة تفوق نسبة 90 في المئة. 

واذا ما كانت طهران ترى انها استطاعت تثبيت معادلات نفوذها الاقليمية، من خلال الشبكة العسكرية والامنية، التي انشأتها تحت مفهوم وحدة الساحات، في ما يتعلق بصراعها مع اسرائيل في الاقليم، وكرستها من خلال خطوتين مفصليتين، في زيارة وزير خارجيتها امير عبداللهيان الى الجنوب اللبناني والنقطة صفر مع الحدود الفلسطينية، والزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي الى سوريا، والاحتفال بالانتصار وتكريس مصادرة النظام السوري، في اطار المشروع الاقليمي لايران، فانها بعثت برسائل طمأنة الى المجتمع الدولي، وتحديدا الادارة الاميركية، فيما يتعلق بالمخاوف من طموحاتها النووية، عندما اعلنت عن اعادة تركيب كاميرات مراقبة، تابعة لاشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جميع منشآتها النووية، التي حددتها الوكالة في الاتفاق الذي وقع قبل اشهر، خلال زيارة مديرها رافائيل غروسي الى طهران، وان هذه الكاميرات لا علاقة لها بالاليات الرقابية، التي تفرضها معاهدة الحد من الانتشار النووي، بل تدخل في اطار بروتوكول التفتيش المباغت، الذي سبق لايران ان وافقت على تنفيذه طواعية، من دون اقراره في البرلمان. 

تحاول طهران الترويج الى آليات جديدة في اي اتفاق جديد، قد يعيد انتاج او صياغة الاتفاق القديم خاصة ما يتعلق بحقوقها في تخصيب اليورانيوم

وتحاول طهران الترويج الى آليات جديدة، في اي اتفاق جديد، قد يعيد انتاج او صياغة الاتفاق القديم، خاصة ما يتعلق بحقوقها في تخصيب اليورانيوم، وتسعى لتثبت سقف 60 في المئة بعد ان كان على مستوى 20 في المئة في اتفاق عام 2015، وان موافقتها اي اتفاق سيكون في اطار القبول على تجميد التخصيب عند هذا السقف، وتفكيك اجهزة الطرد الاضافية، شرط ان تبقى هذه الاجهزة وما خصبته من مخزون اليورانيوم المخصب على اراضيها، وفي مستودعات خاضعة لرقابة الوكالة الدولية، اي عدم ترحيلها الى الخارج كما حصل عام 2015، وبالتالي الحصول على ضمانة في حال اخلال اي من الاطراف بالاتفاق تسمح لها باعادة تفعيل برنامجها باقل خسائر وفي اسرع وقت ممكنين. 

بعيدا عن الافراط في التفاؤل، الذي يكبحه كلام المستشار الاميركي سوليفان، حول ترك واشنطن حرية العمل العسكري لتل ابيب، من دون العودة اليها في حال لجأت طهران الى التخصيب العسكري، يبدو ان الامور بدأت تقترب من نهاياتها، او في مراحلها النهائية من النضج، لذلك بدأت التكهنات تتحدث عن الدولة، التي ستستضيف الحوار المتوقع بين طهران وواشنطن، وغالبية هذه التوقعات ترشح سلطنة عمان للعب هذا الدور، لجهة الدور الفاعل الذي قام به ولعبه السلطان هيثم بن طارق، في تدوير الزوايا بين الطرفين، فهل ستستقبل مسقط الدورة الجديدة من التفاوض الاميركي الايراني في استعادة لمفاوضات 2012، او ان هذه المفاوضات قد بدأت بالفعل؟

السابق
6 أيار عيد الشهداء.. هكذا استذكر السياسيون هذه المناسبة!
التالي
«تيمبو» أول رقيب للذكاء الاصطناعي الفضائي المناخي!