لبنان بين «مقاولة» الصواريخ وتسويق «فرنجية مان»!

ياسين شبلي

أثبتت تطورات الأيام الأخيرة في لبنان، سواء على الصعيد السياسي الداخلي – والملف الرئاسي بشكل خاص – أم على صعيد التطورات الحدودية الجنوبية، بأن لبنان لا يزال عالقاً بين فكي كماشة الثنائي الشيعي، كما سبق وكتبنا في مقالة لنا في شهر أيلول الماضي نشرها “جنوبية”، وذلك في غياب شبه تام للأطراف السياسية الأخرى، اللهم إلا في إطار رد الفعل على الأحداث.

في التطورات الجنوبية الأخيرة، التي تمثلت بإطلاق دفعة صواريخ على الكيان الصهيوني، كان لبنان دولة وحكومة وشعب بإستثناء حزب الله طبعاً، كالزوج المخدوع آخر من يعلم ماهية هذه الصواريخ، حتى تبيَّن لاحقاً أنها صواريخ – رسائل، أكثر منها صواريخ مواجهة، كما بدا من طرازها وهو “موديل” ما قبل إجتياح 1982، وذلك في محاولة لحفظ ماء الوجه أمام التصعيد الصهيوني الكبير في سوريا مؤخراً، حيث تتالت الضربات على المواقع الإيرانية والسورية من دون رد بإنتظار ” الزمان والمكان المناسبين ” بحسب كليشيه محور الممانعة، كما جاءت في ظل التطورات في الداخل الإسرائيلي وفي المسجد الأقصى، ليجد محور الممانعة في هذه التطورات فرصة للتلطي وراء بعض التنظيمات “المقاولة” التي تتعامل معه ” ع القطعة ” ، للتذكير بوجوده ومحاولة تثبيت نظرية “وحدة الساحات” من حيث تزامنها مع إطلاق صواريخ مماثلة من غزة وسوريا، وذلك في ظل عدم الرغبة أو ربما العجز عن الذهاب إلى حرب واسعة، ربطاً بالتطورات في المنطقة مثل الإتفاق السعودي – الإيراني ، وكذلك حال الإنهيار الإقتصادي التي تعانيها دول هذا المحور خاصة “درة تاجه” لبنان، كذلك الإنسداد السياسي فيه، الذي يُترجم بالعجز عن إنتخاب رئيس ولو بالفرض كما حصل عام 2016.

يبقى أن الخاسر الأكبر في كل هذه التطورات، هو لبنان الشعب الذي يعيش عدم الإستقرار الأمني إضافة للأزمة المعيشية

فهذه الصواريخ لا يمكن لأحد – فما بالك بإسرائيل – أن يُصدِّق بأنها أُطلقت بغير علم حزب الله، الذي يُحصي على المنطقة التي أُطلقت منها أنفاسها، بغض النظر عن نفي علمه بالموضوع، كما فعلت حركة “حماس” الجناح الفلسطيني من المحور، التي تزامن إطلاق الصواريخ مع وصول رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية إلى بيروت، بشكل بدا وكأن الأمر مدبَّر، وهكذا ترى الجميع يتكاذبون فيما بينهم، ما يعكس حال الإرباك لدى جميع الأطراف، جراء المآزق الداخلية التي يعانونها، بشكل بدا وكأن هذه الحادثة أتت كحاجة ومتنفس للجميع، لتدعيم موقف كل طرف أمام قاعدته الداخلية، وإثبات أنه موجود رغم كل الأزمات التي يعاني منها لذلك نرى بأن الحديث عن “حماس لاند” على غرار ما كان سائداً بعد إتفاق القاهرة الشهير مبالغاً فيه، فالثنائي الشيعي وحزب الله تحديداً لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتنازل عن ورقة الجنوب، لأحد فهي علَّة وجوده أصلاً، كذلك حركة أمل لا يمكن لها أن تتقبَّل إطلاق الصواريخ من الجنوب بشكل دائم، هي التي إكتسبت شعبيتها الأولى وإلتفاف الجنوبيين حولها، بسبب أنها كانت ترفض هذا الأسلوب في السابق، بسبب الكلفة العالية التي كان يدفعها الجنوبيون لهكذا ممارسات، إذن الموضوع لا يعدو كونه تنفيسة لكل الأطراف، حتى تقضي التطورات الإقليمية أمراً كان مفعولا، ويبقى أن الخاسر الأكبر في كل هذه التطورات، هو لبنان الشعب الذي يعيش عدم الإستقرار الأمني إضافة للأزمة المعيشية، ولبنان الدولة التي كانت كعادتها غائبة عن الحدث، أللهم إلا من وظيفة “باش كاتب” التقارير وحفظها.

موضوع الضمانات الذي “إبتكره” السمسار الفرنسي في محاولة لتليين موقف الرياض، لا يمكن أن يؤخذ بجدية في السعودية، نظراً لخبرتها في الموضوع اللبناني

أما في الشق السياسي، وبعد إعلان تأييد الثنائي لسليمان فرنحية، كمرشح لكرسي الرئاسة الأولى بشكل يذكِّر، بتأييد سوريا لترشيح سليمان فرنجية الجد عام 1988 – يبدو أن التاريخ يعيد نفسه دائماً في لبنان، مع تغير الوجوه فقط – الذي أُعتبرَ مرشح تحدٍ بسبب رفضه من القوى المسيحية يومها كما هي حال الحفيد اليوم، بدأ الرئيس نبيه بري حملة مشاورات، مع سفراء الدول المعنية بالشأن اللبناني للترويج لفرنجية، بشكل بدا معه وكأنه مدير الحملة الإنتخابية لهذا الأخير، وبحسب ما نُشر في الإعلام، يبدو وكأن الرئيس بري يسعى لتلميع صورة سليمان فرنجية وإظهاره بمظهر “السوبرمان” القادر على حل معضلات لبنان المستعصية، وذلك عبر سؤال ضيوفه – بكل ” براءة ” – عمن هو أجدر من سليمان فرنجية للحديث مع حزب الله، بالنسبة لموضوع الإستراتيجية الدفاعية، وكذلك مع النظام السوري لمعالجة قضية اللاجئين السوريين في لبنان وموضوع ترسيم الحدود مع سوريا، وهو منطق عجيب فيه “تذاك” وتبسيط للأمور، وكأن هذه المسائل المصيرية المعقَّدة، متوقفة على شخص الرئيس كائناً من كان، مع الإشارة إلى أن هذه المبررات نفسها، كان يسوِّقها البعض أيام ترشيح ميشال عون، وقد تكون من هنا إنطلقت قضية الضمانات، التي قيل بأن فرنسا طلبتها من فرنجية أثناء زيارته باريس الأسبوع الماضي، حيث خضع ل “إمتحان” أوَّلي ستكون إجاباته خاضعة ل “التصحيح” في الرياض على ما يبدو، ليُبنى على الشيء مقتضاه، ولو أن موضوع الضمانات الذي “إبتكره” السمسار الفرنسي في محاولة لتليين موقف الرياض، لا يمكن أن يؤخذ بجدية في السعودية، نظراً لخبرتها في الموضوع اللبناني، ومعاناتها مع الفريق الداعم لفرنجية وضماناته السابقة وما أكثرها، التي كان قد أعطاها على إمتداد الأزمة، منذ ضمانات طاولة الحوار عام 2006، وصولاً لإعلان بعبدا، مروراً بضمانات الوزير الملك والثلث المعطل وغيرها، فكيف والحال اليوم بعد العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن على صديقي فرنجيه الأخوين رحمة، وقبلها على وزيره السابق يوسف فنيانوس، بما تمثل من رسالة سياسية واضحة، إلا إذا إرتأت السعودية – ولا عداوات دائمة في السياسة – التخلي عن لبنان نهائياً وتسليمه للمحور مقابل مصالحها الأمنية الحيوية في اليمن، والتطبيع مع النظام السوري مقابل وقف تصدير الكبتاغون إليها، على طريقة “الباب إللي بيجيك منو الريح.. سدو وإستريح”.

سيبقى الوضع على ما هو عليه من طغيان، ل ” الثنائي الشيعي ” على الحياة السياسية وتحكم بالأوضاع الميدانية، في ظل تشتت وتشرذم وعجز “المعارضات” عن إيجاد وإبتكار حلول

هكذا يبدو وحتى إشعار آخر، سيبقى الوضع على ما هو عليه من طغيان، ل ” الثنائي الشيعي ” على الحياة السياسية وتحكم بالأوضاع الميدانية، في ظل تشتت وتشرذم وعجز “المعارضات” عن إيجاد وإبتكار حلول ومخارج معقولة، أو أقله الإتفاق على حد أدنى، يجنِّب لبنان مخاطر الفراغ ودفع الأثمان ، بدءاً بسلبية “الثنائي الماروني” في التعامل مع التطورات، وصولاً إلى غياب المكوِّن السني الفاعل والحقيقي عن المشهد السياسي، مروراً بترقب وليد جنبلاط وضبابية موقف قوى التغيير، في ظل إنطلاق قطار التسوية، الذي يبدو أنه يسير على السكة الصحيحة من اليمن إلى سوريا، والذي سيصل إن عاجلاً أم آجلاً إلى المحطة اللبنانية، التي إن لم تكن مهيأة لإستقباله بحد أدنى من التوافق، ستكون مرة أخرى عرضة للمساومات والمقايضة وستُفرض عليها الحلول من الخارج لصالح “الأقوى” في الداخل، لأنها تكون بذلك هي الحلقة الأضعف ،وفي عالم الأقوياء لا عزاء للضعفاء.

فهل سيلتقط اللبنانيون اللحظة المناسبة للتوافق على تسوية معقولة، ويختارون أهون الشرور، أم سيتخلفون مرة أخرى ويضيِّعون الفرصة، فيقعون تحت وصاية جديدة لا يعلم مداها إلا الله، قد تطول أو تقصر بإنتظار تطورات جديدة في الإقليم، أو معادلات ندفع نحن ثمنها كل عقدين أو أقل من الزمن؟

السابق
يوم الخميس.. القضاء اللبناني يرفع منع السفر عن حاكم «المركزي»
التالي
تواطؤ حكومي ونيابي لفرض التمديد البلدي..وباسيل يتراجع عن المقاطعة التشريعية!