وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: الصواريخ من الجنوب.. رسالة استنكار

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

 بدت الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل  خارج السياق السياسي الحالي ومعاكس له.  فإيران حالياً في مرحلة المصالحة الجدّية مع السعودية، والتي يبدو أنها تحقق نتائج ملموسة، بالتالي هي ليست في وارد خلق أجواء أمنية متوترة، تحدث ارتدادات معاكسة لسير المصالحة.   ‏أما حزب الله، وعلى الرغم من موافقته الضمنية على ما حصل، كون الصواريخ أطلقت في منطقة نفوذه الأمني، إلا أن ملازمته الصمت إزاء ما حصل، يدل على أنه خارج المشهد ولا يريد أن يكون جزء مباشراً فيه، وغير معنى باستثماراته السياسية.  لعلمه بأن الواقع اللبناني، الشيعي على وجه الخصوص في أدنى حالات القابلية للمواجهة والقدرة على الصمود، بعد تفكك الدولة والكارثة الاقتصادية التي حلت باللبنانيين. 

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: عقدة ذنب اللبنانيين تجاه قادتهم

يبقى أن الطرف الفلسطيني، المتمثل بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، هو الجهة المتورطة، رغم أنه لم يفصح عن مسؤوليته المباشرة.  فالتزامن بين إطلاق الصواريخ من غزة والجنوب اللبناني، كرد على ما يحصل في القدس من انتهاكات إسرائيلية، إضافة إلى أن تزامن إطلاق الصواريخ مع زيارة القيادي في حماس اسماعيل هنية إلى لبنان، لا يندرجان في خانة الصدفة، بقدر ما يوحيان بوجود إيقاع موحد ومنسق، بين زيارة هنية وحدثي إطلاق الصواريخ من كل من غزة والجنوب اللبناني. 

الطرف الفلسطيني، يعلم علم اليقين أن الجنوب اللبناني لن يكون جبهة مواجهة مفتوحة ضد إسرائيل

من المؤكد أن إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني ليس غرضه عند جميع الأطراف، تفجير الوضع الأمني، ولا كسر قواعد الاشتباك المعترف بها رغم أنها غير منصوص عليها.  هي أيضاً، ليست رسائل سياسية ومعنوية للتعويض عن الخسائر التي يتكبدها الوجود الإيراني والحزب اللهي في سوريا.  فالحزب وإيران كما إسرائيل، متسالمان بنحو ضمني على فصل لبنان عن الجبهة السورية، والتصرف وفق قواعد اشتباك ومواجهة مختلفة داخل كل من البلدين.  أما الطرف الفلسطيني، فيعلم علم اليقين أن الجنوب اللبناني لن يكون جبهة مواجهة مفتوحة ضد إسرائيل، لا لجهة عدم توفر الإمكانيات اللوجستية والمادية لذلك فحسب، بل لجهة الرفض الشيعي الحازم، شعبياً وسياسياً لهكذا جبهة.

نتيجة كل ذلك، كان رد الفعل الإسرائيلي محدوداً، لتقديره بعدم خطورة إطلاق الصواريخ الأمنية عليه، رغم الصخب الإعلامي الذي أعقبه محلياً ودولياً.  فكان رده الموضعي والمحدود، أيضاً، دلالة على فهمه لحدث إطلاق الصواريخ بأنه ما يزال ضمن قواعد لعبة الصراع المستقرة بين إيران وإسرائيل، ورسالة من الطرف الإسرائيلي، بأنه ما زال ملتزماً بهذه القواعد ولا يرغب في كسرها أو خرقها.

حدث إطلاق الصواريخ لم يكن ليغير شيئاً مما هو قائم، ولا ليحدث شيئاً جديداً يكون مثار قلق أطراف الصراع

هذه المعطيات، تدل على أن حدث إطلاق الصواريخ لم يكن ليغير شيئاً مما هو قائم، ولا ليحدث شيئاً جديداً يكون مثار قلق أطراف الصراع، أو الجهات ذات الصلة بالحدث مثل الدولة اللبنانية ومكونات المجتمع اللبناني المتعددة. هو حدث جاء من خارج السياق، بل هو حدث لا سياق له، يشبه الكثير من أحداث إطلاق الصواريخ المجهولة المصدر، التي حصلت من قبل في الجنوب اللبناني في أوقات متباعدة ومتقطعة.  أي هو حدث ينتهي مثل باقي الأحداث المشابهة له، بمجرد حدوثه وحصول ردات الفعل التي تناسبه من الطرف الإسرائيلي، لتعود الأمور إلى سابق مسارها وعهدها المتعارف والمألوف.

الرسالة صدرت هذه المرة من الجنوب اللبناني، لكنها حصلت بإذن مؤقت ومقيّد من حزب الله

الرسالة المعنوية لحدث إطلاق الصواريخ، هي أقرب شيء إلى تفسير دوافعه وغاياته.  حيث جاء تعبيراً فلسطينياً شاجباً ومستنكراً ورافضاً، لما يحصل في القدس في شهر رمضان شهر الصوم.  بالتالي هو حدث موسمي، محدود في إيقاعه ومساره ونتائجه. هو نمط إداء تعودناه من حركة حماس والقوى الجهادية الأخرى، التي  يقتصر جهادها ومشروع تحريرها لفلسطين على مواسم متقطعة ومناسبات متفرقة، لتأكيد الحضور وإثبات الجدوى في الساحة الفلسطينية.  صحيح أن الرسالة صدرت هذه المرة من الجنوب اللبناني، لكنها حصلت بإذن مؤقت ومقيّد من حزب الله، وربما لمرة واحدة فقط، ليؤكد الحزب تضامنه مع فلسطينيي الداخل، من دون أي يكون طرفاً مباشراً في المواجهة، أو تحمل التبعات السياسية والأمنية لحدث إطلاق الصواريخ.

  من جديد، فإن الخاسر الأكبر في كل هذا هو الدولة اللبنانية، التي يحصل كل شيء من وراء علم مسؤوليها، وخارج سلطة ممثليها، الذين،  وبدلا من شن حملة قوية لاستعادة زمام المبادرة، التي تحول دون تكرار ما حصل، بحكم أنه يمسّ سيادة الدولة بنحو مهين ومذل، تجدهم يستنكرون حدث إطلاق الصواريخ لمخالفته قرار الأمم المتحدة 1701.   هو استنكار يوحي بأن ما حصل كان خارج أراضيها، ويستبطن إقراراً ضمنياً من ممثلي الدولة اللبنانية، بأن ما حصل لا يدخل ضمن دائرة نفوذها وصلاحيتها وسيادتها.

السابق
بحضور سياسي ودبلوماسي.. مجلس التنفيذيين اللبنانيين يقيم حفل إفطار رمضاني في الرياض
التالي
مَحاضِرُ تحقيقات اغتياله في كتاب.. الأمين العام الأوّل لـ«الشّيوعيّ اللبناني» فرج الله الحلو شهيد التّحرّر الوطنيّ