«منتدى جنوبية» يُحيي ذكراه الثانية بلقاء مع العلّامة الأمين: محمد حسن الأمين مدرسة في الحداثة الرائدة والانفتاح

عامان على غياب المفكّر العلّامة السيّد محمد حسن الأمين، إلا أن إرثه النضالي كما الموسوعي بقي حاضراً في أذهان محبيه، فوطأة غياب كبار كالراحل تبقى راسخة في وجدان الأحياء الذي عاصروه، تماماً كسيرته في الشجاعة والمعرفة ومدرسته في الحداثة ومحاربته الظلم والتطرف، وهو ما نقله رفيق المسيرة ألعلامة السيد علي الأمين في ذكرى الراحل الثانية خلال لقاء نظمه "منتدى جنوبية" تحت عنوان: "السيد محمد حسن الأمين كما عرفته".

بعين رفيق الدرب، أضاء اللقاء الذي أقيم في مقر المنتدى، على رمز “مختلف” بحداثته الفكرية والدينية، وانفتاحه على الآخر وثقافته وسلوكه وعلاقاته التي تُقدّم اجابات شافية ووافية على الاشكاليات التائهة في التحليل العقيم، في حضور الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، العلامة السيد مهدي الأمين، الشيخ بلال المنلا، الشيخ سامي عبد الخالق، رئيس تحرير الموقع علي الأمين، الدكتور حارث سليمان، الزميل حسن فحص، الدكتورة منى فياض، الزميل قاسم قصير، راشد حمادة، نضال أبو شاهين، وشخصيات.

الصحافي احمد عياش

عيّاش: دافع ليكون الشيعة جزءاً من الدولة لأنه ليس لهم الهوية التي تبعدهم عن سائر مكونات الوطن

قامة كبيرة هو السيد محمد حسن الأمين وتكمن قيمته بأنه “رفيق الكبار و هو لم يسمح لأحد أن يتدخل ليؤثر على نقاء فكره وقناعاته الشخصية”، وفق الزميل أحمد عياش الذي أدار اللقاء، فلفت الى أن “الذكرى الثانية للراحل الكبير بمشاركة العلامة علي الامين لها أهمية استثنائية بإعتبار أن عالماً كبيراً سيتكلم عن عالم كبير ايضاً، والحديث عن صاحب الذكرى لا يفيه حقه”، لافتاً الى أنه ” في هذه المناسبة سنغوص ونجول في فكر تلك القامة الكبيرة وحاجتنا اليها في ظل الاشكاليات التي نعيشها”.

عياش: رفيق الكبار ولم يسمح لأحد أن يتدخل ليؤثر على نقاء فكره وقناعاته


وأوضح أن “الراحل كان رفيق الكبار، ومن يجول في مذكراته يكشف علاقاته العظيمة مع الإمام موسى الصدر والسيد محمد باقر الصدر في العراق، والامام الخميني، كما مع الثورة الفلسطينية من خلال ياسر عرفات”، وتطرق الى “تجربة أربعة عقود امضاها في القضاء خرج منها ناصعاً ويعطي الامثولات كيف يمارس المرء دوره في هذا المجال”.
وشدد عياش على أن ” الراحل هو من النادرين في ذلك الزمن وفي هذا الزمن، ولا يمكن لأحد أن يُزايد عليه بتعلقه بالأرض والتزامه بقضية الدفاع عنها وفي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حتى اللحظة الأخيرة رغم الاعتقال”.

وأضاء”على علاقته بالثورة الإيرانية وصلته الواسعة بها، ومواقفه مع الثورة الفلسطينية فيما يتعلق بالنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي”، مشيراً الى أنه “كان المدافع المهم عن موضوع الدولة وفي أن يكون الشيعة جزءاً من كيان الدولة، لأنه ليس لهم هذه الهوية التي تبعدهم عن سائر مكونات الوطن”، لافتاً الى “أن العلامة الراحل السيد محمد حسن الأمين كتاب مفتوح يجب أن يُفتح أكثر وأكثر”.

العلامة السيد علي الأمين

السيد الأمين: كان من الرعيل المعدود المتميّز بالانفتاح والتسامح والنظرة إلى الآخر

سرد السيد علي الأمين رحلة علاقته مع الراحل منذ انتسابه الى حوزة النجف الأشرف قبل قرن ونصف كطالب جديد، فيما كان الراحل في موقع الأساتذة والموجهين، وقال:”بعد الانخراط في الحوزة، بدأت أتعرف طبعاً على وجوهها واساتذتها وعلى طلابها صغارها وكبارها، وكان السيد محمد حسن الأمين من الذين يشار إليهم في تلك المرحلة، يشار إليهم في أجواء كانت تعيشها الحوزة العلمية والنهج السائد فيها كان هو نهج الانغلاق ونهج التشدد، وكنا نعيش الإشكاليات المتعددة من خلال ذلك المنهج السائد الذي كان متعارفاً عليه في الحوزة”.

الأمين: خارج عن المألوف وعن السائد لأنه كان يختلف ثقافة وفكرًا عن الوضع القائم في الحوزة

رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين


أضاف:” كل من حاول أن يتطرق إلى موضوعات خارجة عن المألوف، كان يشار اليه بالبنان على أنه معارض أو متنكر أو خارج عن المألوف وعن السائد، ولذلك كان البعض يشار اليه بالخروج عن المألوف بأنه كان ن يختلف ثقافةً ويختلف فكراً عن الوضع السائد والقائمين في الحوزة آنذاك”.


اختصر الأمين ببعض الأبيات الشعرية “حسرة الفراق على الراحل بحكم العلاقة التي كانت بينهما”، ولفت الى أن “الاشكاليات التي عشناها في النجف في تلك المرحلة، نحن الطلاب وهم اقدم منا تجربة وأكثر منا علماً ومعرفةً، وكانوا في موقع الأساتذة والموجهين، كنا نعيش الإشكاليات من خلال النهج السائد في الحوزة حول مفاهيم عديدة حول الدين والسلطة والعلاقة مع السلطة، الدين والحاكمية، الدين والحرية، الدين والمرأة”، وقال:” كنا نعيش في تلك المرحلة اشكالية هذه القضايا نتيجة المنهج المتشدد السائد في تلك المرحلة وكان من المستغرب أن تجد رجلاً من رجال الدين قد تغيرت ثقافته وفكره من السائد وكان السيد محمد حسن من أولئك الذين واكبوا الحداثة تجديداً في الثقافة وتجديداً في الفكر”.

رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين والعلامة السيد مهدي الأمين

الأمين: الدين مشروع هداية وليس سلطة ومن الأنسب لرجل الدين أن يقوم بدعوته الدينية لا أن يدير السلطة


وقال:” كنا نعيش اشكاليات الحاكمية، هل الحاكمية هي لربنا سبحانه وتعالى، التي اعتمدها سيد قطب في كتبه الحاكمية، واعتمدت أيضاً في النجف منطق الحكومة الإسلامية التي دعا اليه الإمام الخميني آنذاك، وكان المنهج السائد هو أنه لا علاقة لنا بالحكم والحاكمية والسلطة هو المنهج السائد”.


أضاف: “أذكر في هذا المجال، أنه في سنة 1972 أو 1973 اتخذ قرار بترحيل غير العرب من المقيمن في النجف وخارجه من طلاب العلم والعلوم والعلماء وأحدث هذا القرار آنذاك ضجة، فذهبنا كمجموعة من طلاب الشباب آنذاك إلى المرجعية لنطلب منها التحرك من أجل وقف هذا القرار الذي انخذ، فكان الجواب، ونحن شباب لا زلنا في تلك المرحلة، بأنكم ترجعون إلينا في مسائل الحلال والحرام، وفيما عدا ذلك لا علاقة لنا به”.

العلامية الامين والوزير السابق ابراهيم شمس الدين


وشدّد الأمين على “أن هذا هو النهج السائد، لا علاقة لنا في الحكم والحكومات والحاكمية خلافاً لبعض الاحزاب التي كانت في تلك المرحلة السرية حيث مثلاً حزب الدعوة يؤمن بالحاكمية التي اعتمدها السيد قطب وكان الإمام الخميني من الذين يدعون إلى إقامة الحكومة الإسلامية”، مشيراً الى “أن المناخ السائد الذي مر قرون عليه كان هو رفض الحكم والحاكمية، ولم يكن هناك سعي بإتجاه الحكم والحكومة والسلطة، ما يعني أنه كان هناك إشكالية نحن نعانيها أي الدين والسلطة، وكيف نتعاطى مع السلطة “.

الحضور خلال الذكرى الثانية للراحل السيد الامين

الأمين: رجل دين من القلائل الذين واكبوا الحداثة تجديداً في الثقافة وتجديداً في الفكر

الوزير السابق محمد شمس الدين


وأوضح أن “هناك من كان يقول يجب السعي لاقامة السلطة كمنطق الحكومة الإسلامية وغيرها، بينما المنطق السائد الذي كان موجودا في الجامعات الدينية وخصوصاً في حوزة النجف الاشرف، هو يقوم على وجود علاقة سلبية بين الدين والسلطة، وهو الابتعاد عن السلطة والانعزال عنها”.

الدكتور حارث سليمان


واعتبر أن “العلامة الأمين كان من الرعيل الذي كان معدوداً في تلك المرحلة المتميز بالانفتاح والتسامح والنظرة إلى الآخر”، وقال:” العلاقة مع المختلف كانت ايضاً من الاشكاليات التي عشناها في النجف في بدايات الدراسة والانتماء، والعلاقة مع الآخر فكراً والعلاقة مع الآخر، ليس فقط لمجرد الجوار، وانما في التفاعل والتعامل معه والشراكة معه في العيش و الوطن والعمل والحياة، وكل هذه كانت اشكاليات موجودة من خلال الدراسات والكتب والمناهج التي اعتمدت منذ قرون”.

الدكتورة منى فياض


واعتبر أنه “كان لدى السيد محمد حسن الامين اجابة على هذه الاشكاليات من خلال سلوكه وعلاقاته، كاشكالية العلاقة بين الدين والسلطة، كما القضاء، وغيرها”، لافتاً الى أننا كنا نرى في ثقافة الراحل وسلوكه وفي علاقاته إجابة على كل هذه الاشكاليات التي كنا نعاني منها خلال دراستنا”.

العلامة السيد مهدي الأمين، الشيخ بلال المنلا، الشيخ سامي عبد الخالق

الأمين: في ثقافة الراحل وفي سلوكه وعلاقاته اجابة على كل الاشكاليات التي كنا نعاني منها


وشدد الأمين على “أن السيد الراحل كان رمزاً من رموز الحداثة والتجدد في الثقافة والفكر، ولذلك برحيله، فقدنا مدرسة الحداثة الرائدة”.

نقاش في عمق الاشكاليات.. وأجوبة على التساؤلات

لم يفت الحضور الإفادة من لقاء الأمين للإضاءة على سيرة الراحل بالعمق فقط، بل أيضاً تخطى النقاش الى الغوص في الاشكاليات للحصول على أجوبة على التساؤلات التي طرحها عياش كما الأمين والمنلا وعبد الخالق وسليمان وفياض وحمادة وأبو شاهين حول الحاكمية والعلاقة بين الدين والسلطة.


وفي رد على ما تم طرحه، لفت الأمين الى أنه “في بداية تكوين حزب الله وقعت إشكالية لا يزال يعيشها نتيجة ان علاقته مع الحاكم لأن الحاكم ليس اسلامياً”.

الحضور خلال الذكرى


وأوضح أن “الحاكمية التي طرحت لم تكن بالمعنى السياسي وإنما معنى هذه الحاكمية بين المتخاصمين بالعدل واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بين الناس بالعدل، لذلك من لم يحكم بما أنزل الله فهؤلاء هم الفاسقون وليس الحكم السياسي وإنما إقامة العدل”.

الدكتور علي خليفة

واعتبر أن” التجارب أثبتت أن اقامة السلطة بإسم الدين ليست ناجحة، والراحل كان يؤمن بأن الدين هو دعوة وليس سلطة، وأهمية إبعاد الدين عن السلطة، مع الاشارة الى أنه لا مانع في أن يكون عالم الدين مشاركاً في السلطة لكن يُفضل أن يحافظ على دوره كمرشد وموجه”، مشدداً “على ضرورة “افادة علماء الدين من النقلة الرقمية التي يشهدها العالم”.

السابق
لبنان شكا إسرائيل ويشكو منع عناصر «غير منضبطة»!
التالي
العلامة الأمين.. رحيل وجه ديني وقامة فكرية وسيرة نضالية بارزة