عن ذكرى السيد محمد حسن الامين الذي ورث الانحياز الى الحق والحرية..

السيد محمد حسن الامين
من المناقب الشخصية التي عرف بها المفكر الاسلامي الراحل السيد محمد حسن الامين هي وقوفه العفوي والتلقائي الى جانب الحق في الشأن الخاص كما في الشأن العام، وقد لازمته هذه الصفة واشتهر بها منذ ان تسلّم منصب القضاء الشرعي الجعفري في جنوب لبنان وهو شاب في منتصف العشرينات من عمره وحتى تقاعده بعد 42 عاما، فكانت احكامه مهيبة لا تردّ ولا يراجع بها أي مسؤول ديني أو مدني، احتراما لشخصه وسمعته ووقاره.

ورث العلامة الراحل السيد محمد حسن الامين شيمة الانحياز المطلق الى جانب الحق عن أبيه المقدس العلامة السيد علي مهدي الامين، وكان غالبية  اهالي منطقة بنت جبيل منتصف القرن الفائت مسلمين ومسيحيين يفضلون التقاضي عنده في مواضيع نزاعاتهم المدنية أيضا كما الدينية، بدل اللجوء الى محاكم الدولة ذات الروتين البطيء التي تكثر فيها تدخلات المسؤولين، فيحكم السيّد علي مهدي بالحق في نزاع مثلا، حول ملكيات أراض وعقارات مختلف عليها، ويقبل احكامه المتخاصمون وينفذونها صاغرين، حالها حال النزاعات حول المواريث الشرعية. 

ايقن السيد محمد حسن الامين انه بعد تحرير الارض لا بد من تحرير الانسان من عبوديته لنظام المحاصصة الطائفية في لبنان

نصير القضايا المحقة 

بعد عودته من حوزات النجف في العراق الى قريته شقراء في جنوب لبنان عام 1971 منهيا دراسته الدينية الى جانب حيازته على شهادة البكالوريوس في علوم الشريعة من كلية الفقه المستحدثة آنذاك، وكان جنوب لبنان حينها مسرحا للمقاومة الفلسطينية المدعومة من الاهالي ضد الاحتلال الاسرائيلي، سارع السيد محمد حسن الامين سريعا الى الانخراط في صلب تلك المقاومة، مناضلا من موقعه الديني والوطني، وناشطا سياسيا ينشر أدبه وشعره في المناسبات العامة على المنابر مدافعا عن الحق الفلسطيني في استعادة الارض من الصهيوني الغاصب. 

انحيازه لحق المقاومة ضد المحتل الصهيوني هو نفسه الذي جعله واحدا من زعمائها في الجنوب بعد اجتياح لبنان عام 1982، وكان حينها قاضي صيدا الجعفري، فقد نظم ورفيقة الشهيد راغب حرب وثلة من العلماء المسلمين تجمعا ناشطا، كان يدعو باستمرار اهالي الجنوب الى تنظيم الاعتصامات الشعبية والانتفاض في وجه المحتل الاسرائيلي، وعندما اغتيل الشيخ راغب حرب وتم مداهمة منزل السيّد  من قبل المخابرات الاسرائيلية واعتقل في شهر تموز من عام 1984 ثم نُفي الى بيروت، ظلّ رحمه الله  مصرا على دعم المقاومة الوطنية والاسلامية في وجه المحتل من منفاه في العاصمة اللبنانية،  رغم التهديدات التي تلقاها.

في التسعينات من القرن الفائت بدأ السيد في نهج المقاومة الفكرية الثقافية من على المنابر وفي المؤتمرات.

 فكانت مقاومته التي بدأها في تسعينات القرن الفائت فكرية وثقافية القاها خطبا  من على المنابر وكتبها على صفحات الكتب والجرائد، كما شارك في المؤتمر القومي الاسلامي طارحا رؤيته التجديدية المعاصرة، القائمة على الاعتراف بالديموقراطية وحقوق الانسان، التي يمكن ان تأخذ  الاسلام نحو الحداثة.

الانحياز الى الحرية

وبعد تحرير الارض عام 2000، أيقن السيد رحمه الله انه لا بد ايضا من تحرير الانسان في لبنان من عبوديته لنظام المحااصة الطائفبة الفاسد الذي يحكمه، فأطلق اللقاء الشيعي عشية اغتيال الرئيس رفيق الحربري وانسحاب سوريا من لبنان عام 2005، طارحا رؤيته المستقبلية للبنان القائمه على عدم الانجرار لصراعات اقليمية وعدم استغلال سلاح المقاومة لتنفيذ مشاريع سياسية لا تخدم مصلحة لبنان، وربما تودي بالجميع وخصوصا الطائفة الشيعية الى التهلكة.

وهو طالما دعا لايران بالتوفيق وبنجاح الحكم الاسلامي فيها رغم الصعوبات، ولكنه كان يتمنى دائما على المسؤولين الايرانيين عندما يلقاهم ان يراعوا وضع لبنان الدقيق الذي لا يحتمل مشاريع سياسية دينية عابرة للحدود، حتى انه  عندما كان يلتقي صديقه وجاره في السكن السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن ابادي رحمه الله، الذي نال شرف الوفاة كشهيد في الحج عام 2015، قال له بشكل واضح انه يؤيد كل حركات التحرر في العالم، وانه يعتقد ان على النظام في ايران ان يجلس ويفاوض زعماء الثورة الخضراء بدل قمعهم، لان القمع سوف يجعل الخسائر اكبر في المستقبل، وذلك عندما تخسر الثورة الاسلامية الاجيال المقبلة، وهو ما شهدناه قبل شهور مع اندلاع انتفاضة الحجاب في عدد من المدن الايرانية اثر مقتل الناشطة مهسا أميني.

رحم الله مولانا وسيدنا وحبيبنا العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين الذي صعدت روحه الى باريها في مثل هذا اليوم قبل عامين، في حين ان حضورة المشرف  وفكره النيّر وثقافته التي ملأت الافاق فكرا وشعرا ونثرا، اضافة لنشاطه المقاوم في السلم والحرب، سوف يجعل من سيرته تاريخا فريدا لا يمحى على مر الزمن.  

السابق
خاص «جنوبية»: «الداخلية» و«الأمم المتحدة» تصران على إجراء الإنتخابات البلدية.. والسياسيون يعرقلون!
التالي
الثنائي «يتماسك» بلدياً لـ«تعرية» باسيل..وقآني «يُلملم» خسائر «الحرس» في سوريا!