متري يغوص بمحطات «لبنان العربي منذ 2005» في «منتدى جنوبيّة»..هكذا تحول الى الدولة-المُشكِلة!

ندوة طارق متري

الندوة التي نظّمها “منتدى جنوبيّة”، في مقرّه في بيروت ، لوزير الخارجية اللبناية الأسبق الدكتور طارق متري، في 14 آذار 2023 الجاري حيث استضافه المنتدى ، ليتحدّث فيها عن “لبنان العربي منذ 2005 حتّى اليوم”، التي قدمها وأدارها الدكتور حارث سليمان ، وحضرها شخصيات ثقافية و سياسية وإعلامية، تميّزت بأنّها كانت ندوة ” مصارَحة نقاشيّة ” ( مع إجازة التّعبير هنا ) حول ما جناه لبنان بحقّ نفسه وأوصله إلى بلدٍ منكوبٍ على الصُّعد السياسية والإقتصادية والمالية، ودارت الندوة حول موضوعها، الذي هو يُعتبَر ، وبكلّ المقاييس ، حديث السّاعة ، أساساً . على أنّ هذه المصارحة النّقاشيّة كانت متمثّلة فيما بين أطرافها الثلاثة : ضَيفُ النّدوة ومقدّم ومدير الندوة والحضور ، مجتمعين.

وباعتباره أحدَ العارفين بِبواطِن الأمور ، في الشّأن اللبناني السياسي العام ، قدّم متري – وبحنكة رئيس السلطة الديبلوماسية اللبنانية ، في وقتٍ من الأوقات – بحثاً سياسيّاً قيِّماً نسبةً لخوضه الموضوعيّ بحيادٍ وطنيّ عبر لغةٍ سياسية هادئة ، رصينة ومتّزنة ، ومُنَزَّهة تماماً عن الغَرَض الفئويّ أو الجزئيّ لصالح طرفٍ لبنانيّ داخليّ دون آخر . تناول فيه ، وبالتّسلسل المَنهَجِيّ، ومن خلال الاختصار التّكثيفيّ اللافت بنقديّةٍ ظاهرة ومبطَّنة ( للداخل والخارج ) في آنٍ معاً ، محطّاتٍ أساسية مهمّة من ” تصرُّفات ” لبنان السياسي ( الرسمي )في حقبٍ تاريخية عدّة ، بحيث استطاع ، متري ، أن يُظهِر ، في هذا البحث ، كيف أنّ التّدخّلات الخارجية العربية والدولية ، ( وعلى اختلافها وتفاوت نِسَبِها ومنسوبها وعلى مدى تاريخيّ طويل ) في الشأن اللبناني ، السياسي تحديداً ، قد لعبت أدواراً أساسية ومحورية في المصير الرسمي اللبناني الذي وصل إليه لبنان اليوم ، أو لبنان الحالي ، الذي يعيش واقِع اللاّدولة بمعناه الواضح .

لبنان لم يعد يجلس حول المائدة مثله كمثل أي دولة عربية بل صار على المائدة موضوعاً للتنازع وللتعاطف أحياناً أخرى وللإثنين معاً

وهو الواقع الذي أوصلته إليه هذه التدخلات التي يتحمل مسؤوليتها أهل السياسة بمجملهم في لبنان ، بالدرجة الأولى والأخيرة . على أنّ أخطر ما جاء في هذا البحث ، ومن بين ما تضمّنه من إشاراتٍ خطيرة كثيرة ،مُظهِراً حقيقة هذا الواقع ، الإعلانُ الصّريح التالي :

” لم يعد للبنان أي دور عربي وأصبح في وضع الدولة – المشكِلة ، بنظر العرب. وصار ما سمي “التضامن مع الجمهورية اللبنانية” بنداً دائماً على جدول أعمال القمم والاجتماعات الوزارية العربية ولم يعد يجلس حول المائدة مثله كمثل أي دولة عربية بل صار على المائدة موضوعاً للتنازع وللتعاطف أحياناً أخرى وللإثنين معاً.

وبقدر ما تغيّرت علاقات القوى الداخلية، تغيّر الموقف العربي من لبنان، حتى تراجع اهتمام عدد من الدول الشقيقة به وانحسار دعمها له ” ، و” لم يأت فقدان لبنان دوره العربي من عدم، ولم يكن مجرد انعكاس لغياب سياسة خارجية ودبلوماسية واحدة ومتماسكة وتآكل في رصيد بلدنا المعنوي بين العرب، بل لعله جاء أيضاً من تغيرات موضوعية في لبنان وفي العالم العربي خسر منها لبنان بصورة تدريجية ميزاته التفاضلية في اتساع نطاق الحريات والحيوية الثقافية وجودة التعليم والطبابة والوساطة بين العرب والغرب “.
وإلى ذلك ، يُظهر هذا البحث ، أيضاً ، الإعلان الذي جاء فيه ، وبعد ذِكر الأسباب التي أوجبت ذلك : ” أنّ عزلة لبنان العربية والدولية ازدادت”.

إقرأ ايضاً: «فاول» طائفي جديد لـ«محور بري»..و«بارونات حزب الله البيضاء» قيد الملاحقة الاميركية!

ووجد “لبنان العربي” نفسه مستفرداً بحكم تخل دول عربية عدة عنه، لا سيما الخليجية منها، وعلى نحو رأى الكثيرون أن لا سابق له. ومهما يكن من الأسباب التفصيلية، الأمنية أو شبه – الأمنية، لدى كل دولة من الدول، فإن المملكة العربية السعودية ذهبت إلى أبعد من سواها واختصرت جملة الأسباب في العبارة الشهيرة القائلة “بات لبنان عائداً ضئيلاً لاستثمارنا ” .

هذا ما وصل إليه حالُ لبنان الطائفيّ ،وعلى نحو ما تمّ ذِكره أعلاه ، بسببٍ من وقوع لبنان هذا في شرّ أعماله ، مراراً وتكراراً ، منذ إنشائه إلى اليوم وهذا ما أظهرته وقائع هذه الندوة ، جملةً وتفصيلا.

وفي بدايات بحثه في هذه الندوة أشار متري إلى تسوية الميثاق الوطني الذي تأسّس عليه نظام لبنان السياسي . وهذه الإشارة ، دفعتنا إلى التذكير بما جاء في كتابٍ : يصبّ ما جاء فيه في صُلب موضوعنا : والكتاب المشار إليه ، هو كتابٌ للأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان محسن ابراهيم تحدّث فيه عن الميثاق الوطني ، وهو كتابٌ صادرٌ في العام 1985 في طبعةٍ أولى ( من منشورات ” بيروت المساء ” ) تحت عنوان : ” الحرب الأهلية اللبنانية وأزمة الوضع العربي ” ، فلقد جاء في هذا الكتاب ، أنّه : ” إذا كنّا نتحدّث عن لبنانٍ عربيّ ، نشأةً وتاريخاً وهوية ومصيراً ، فمن البديهيّ القول إنه يستحيل الفصل ، مبدئيّاً ، بين وضعٍ لبنانيّ ووضعٍ عربيّ … وأنّه لا محَلّ في التاريخ إلاّ للبنان عربي يندرج انتسابه القوميّ إلى المنطقة التي يُشكِّل جزءاً منها في خانة الإتصال الطبيعي .

استطاع متري أن يُظهِر في هذا البحث كيف أنّ التّدخّلات الخارجية العربية والدولية قد لعبت أدواراً أساسية ومحورية في المصير الرسمي اللبناني الذي وصل إليه لبنان اليوم

ويوضح ابراهيم قائلا : ” ولا ترانا في حاجة هنا إلى طويل استطراد شرحاً لخصائص الكيان اللبناني وخصوصياته ، بل تكفي الإشارة على هذا الصعيد إلى نقطتين : الأولى – أنّ لبنان العام 1943 تأسّس على دورٍ إقتصاديّ يَكُون عربيّاً أو لا يكون ، والثانية – أنّ هذا ” اللبنان ” العربي إقتصاديّاً ظَلَّ يتشكّل سياسياً طوال أربعين عاماً بالعلاقة مع تطوّرات الوضع العربي التي كانت المفاعل المقرِّر للشطر الأكبر من التّبدُّلات الطارئة على توازناته الداخليّة”.

محسن ابراهيم: لا محَلّ في التاريخ إلاّ للبنان عربي يندرج انتسابه القوميّ إلى المنطقة التي يُشكِّل جزءاً منها في خانة الإتصال الطبيعي

ونحن – واستناداً إلى هاتين الفقرتين الجوهريّتين – نسأل : تُرى ماذا بإمكان لبنان أن يفعل إذا ما تُرِك لأقداره الذّاتيّة ، بعيداً عن العرب؟

السابق
«فاول» طائفي جديد لـ«محور بري»..و«بارونات حزب الله البيضاء» قيد الملاحقة الاميركية!
التالي
الهيدروجين الأخضر مغير قواعد اللعبة في مجال الطاقة المتجددة