أزماتٌ أكثر، وحلولٌ أقل: أهمّ الملفات في المشهد الإيراني خلال العام الإيراني الجديد

ايران والصرافون

يقف النظام الإيراني على مشارف العام الإيراني الجديد 1402 هـ.ش، في مواجهة أزماتٍ مُتراكمةٍ ومُترابطةٍ على جميع الأصعدة. ومن المُرجَّح أن يواجه النظام تصاعُداً في حدّة هذه الأزمات خلال العام الجديد، ما لم يُقدِم على خطوات، من شأنها معالجة العُقَد التي تؤزّم المشهد الإيراني على المستويين الداخلي والدولي. 

تُناقش هذه الورقة أبرز الملفات المتأزمة في المشهد الإيراني داخليّاً وخارجيّاً، وتدرس احتمالات تطورها خلال العام الإيراني المقبل. 

الملفات الداخلية

على الرغم من أنّ الحكومة الحاليّة جاءت تحت شعار النهوض الاقتصادي، إلّا أنّ الواقع يُظهرُ إخفاقاً ملموساً في إدارة الملف الاقتصادي؛ إذْ عرفت البلاد في عهد حكومة إبراهيم رئيسي أسوأ المؤشرات الاقتصادية خلال العام الماضي، ضمن عشريّة يطلِقُ عليها علماءُ الاقتصاد الإيرانيون “عقد ضياع الاقتصاد”.

وتشهد إيران منذ عام 2017 حتى الآن، مساراً متواصلاً من النموّ الاقتصادي السلبي، ومعدّلات تضخم تتجاوز 40%، يُرافقها هروبٌ واسعٌ لرؤوس الأموال، يُقدَّر بنحو 80 مليار دولار خلال الأعوام السّتة الماضية. ويتحدث الخبراء عن ضرورة تحقيق معدل نموّ سنوي لا يقلّ عن 8% خلال الأعوام الثمانية المقبلة، مع افتراض انخفاض معدل التّضخم إلى أقلّ من 10% خلال هذه الأعوام، لكي يعود الاقتصاد الإيراني إلى ما كان عليه قبل 10 أعوام. 

اقرأ أيضاً: نقطة تحوُّل: كيف قيَّمت الأوساط الإيرانية الاتفاق مع السعودية؟

وخلال العام الإيراني الماضي (مارس2021 – مارس 2022) واجهت إيران أسوأ أحوالها السياسية والاقتصادية في ظل حكومة المحافظين التي شكلها إبراهيم رئيسي، وأشرك فيها مجاميع التيار المحافظ؛ إذ بلغت معدلات التضخم نحو 53%، مصحوبة بموجة تضخم في أسعار المواد الغذائية، تجاوزت 70%، وتضخم في المناطق الريفية بلغ 56% في الصيف. وبلغ العجز في الموازنة 320 ألف مليار تومان، بحسب مركز أبحاث البرلمان الإيراني، بما يعادل حوالي 20% من إجمالي الموازنة العامة، وتؤكد مراكز مستقلة وصول العجز إلى مستويات أعلى من ذلك. وبلغ عجز في الإيرادات النفطية نحو 44%، بحسب مركز أبحاث البرلمان نفسه، وشهدت قيمة العملة المحلية انخفاضا بنسبة 61.6%. واستقرّ نحو 32% من السكان تحت خط الفقر المدقع. وارتفع معدل سعر العقار بنسبة 48.4%، و71% في أسعار السيارات، و100% في أسعار الذهب. كل هذه الأرقام تؤكد أن العام الماضي كان من أصعب الأعوام خلال العقود الأخيرة على الاقتصاد الإيراني، رغم إنكار المسؤولين في الحكومة ذلك.

وعلى صعيد السياسة الداخلية، كان العام الماضي عام اتّساع رقعة الخلافات داخل التيّار المحافظ الإيراني الذي ينفرد تماماً بحكم البلاد بعد إقصائه جميع المنافسين. وهو ما يُنذِر بتقديم التيّار قوائم انتخابية متعارضة للانتخابات البرلمانية التي ستبدأ مسيرتها نهاية عام 2023. وكان العام الماضي أيضاً حافلاً بالاحتجاجات الشعبية، والعنف، والاختراقات الأمنيّة. وفي حين كانت المؤسسات الرسميّة ومراكز التفكير تنذر من احتجاجات من الطبقات المعدمة بعد موجة من تحرير الأسعار في نهاية الربيع الماضي أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية حتى 300%، إلا أن الاحتجاجات اشتعلت لأسباب غير اقتصادية، وقادتها الطبقة المتوسطة رافعةً فيها شعارات غير اقتصاديّة. وبحسب مصادر مستقلة، أسفرت موجة الاحتجاجات، والقمع من قبل النظام عن سقوط 593 قتيلاً، واعتقال الآلاف من المحتجين، وعمّت تلك الاحتجاجات أكثر من 100 مدينة في جميع المحافظات الإيرانية.

وفي شكل عام، يواجه النّظام الإيراني ضمن المجال الداخلي، أربعة ملفات أساسية خلال العام الإيراني المُقبِل، هي:

1. الأزمة الاقتصادية: في ضوء عدم توافُر إرادة لدى الجانب الإيراني في الانفتاح على المجتمع الدولي من خلال اتفاق لحلّ المشكلات معه، وعدم توافر إرادة قوية لدى الغرب في منح محاولات التقارُب فرصة حقيقية من خلال التساهل في تطبيق العقوبات، أو منح إيران مجالات تنفُّس جديدة ستكون الأزمة الاقتصاديّة مُهدّدة بالتفاقم. وتُشير الأرقام الرسميّة إلى أنْ إيران قدّمت موازنة عامّة بزيادة سنوية قدرها 41%، مُقارنةً بالعام الماضي تتضمّن مبيعات للنفط تُقدَّر بنحو 1.4 مليون برميل، وإيرادات نفطيّة تُقدَّر بحوالي 43 مليار دولار، وإيرادات ضريبية شهدت ارتفاعاً بنسبة 57%ـ وتشير تقديرات ميدانيّة إلى أنّ صادرات إيران من النفط لم تتجاوز 850 ألف برميل في اليوم خلال 2022، وإنها لن تكون أكثر من ذلك في حال استمرت العقوبات خلال العام الميلادي الجاري، بما يعني ما لا يقل عن 40% من العجز في حجم المبيعات، بغض النظر عن العجز الناجم عن الفجوة بين أسعار النفط العالمية والأسعار التي تحصل عليها إيران لبيع نفطها في ضوء العقوبات. وسيؤدي مزيج من عجز الإيرادات النفطية وزيادة الضرائب إلى بقاء معدلات التضخم ضمن معدلات مرتفعة. 

وفي حين يؤكد البنك الدولي استقرار التضخم الإيراني عند 40% خلال 2023، فإن غرفة التجارة الإيرانية تُشير في دراسة لها إلى استقرار تضخم 2023 عند 48%، وهو رقم أقرب إلى الحقيقة. أما على صعيد أسعار الدولار، فتتراوح أسعاره الرسمية وفق مشروع الموازنة بين 23 و26 ألف تومان، بينما حسابات التضخم تُرجِّح أنْ يستقرّ عند 66 ألف تومان بإزاء الدولار الواحد في نهاية 2023، وهو رقم قريب من توقُّع دراسة نشرتها منظمة التخطيط والموازنة الإيرانية في وقت سابق، وتوقعت استقرار السعر عند 70 ألف تومان في نهاية 2023. وعلى صعيد توقعات النموّ الاقتصادي، تخطط الحكومة لتحقيق نمو بنسبة 8%، ويتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 2%، بما يعني إجمالي نمو سلبي في الاقتصاد بنسبة 46%، إذا أخذ بالحسبان واقع 48% من التضخم السنوي المتوقع. هذا في حين أن مراكز دراسات اقتصادية تتوقع نمواً بنحو 1% في الاقتصاد الإيراني خلال العام الجديد.

وبشكل عام فإن قرار الحكومة بزيادة الرواتب بنسبة 20% عند أقصى الحدود معناه ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع الإيراني بما لا يقل عن 7%، إذا أخذ بالحسبان الفارق بين نسبة زيادة الرواتب (20%)، ونسبة التضخم السنوي المتوقع (48%). وإذا أخذ بالحسبان عجز متوقع بنسبة 35% في موازنة العام المقبل، ستضطر الحكومة إلى تغطية هذا العجز عبر واحد أو أكثر من الطرق التقليدية، ومن بينها بيع الدولار الحكومي بأسعار أعلى من السعر المعتمد، وزيادة أسعار الطاقة، وطباعة النقد، وخفض الإنفاق على المشاريع العمرانية. وستكون نتيجة أي من هذه الطرق، أو تطبيق عدد منها، معدلات مرتفعة من التضخم، والتضخم اليومي. ويأتي هذا السيناريو بناء على احتمال عدم تحقيق انفتاح على المجتمع الدولي، وبقاء العقوبات الراهنة، وهو احتمال وارد جداً في ضوء المعطيات الميدانية، وإرادات القوى. وفي المقابل، فإن أي انفتاح ناجم عن عودة إيران إلى الاتفاق النووي، أو التوصل إلى اتفاق بديل، سيترك أثراً ملحوظاً على تحسن الوضع الاقتصادي، من خلال دعم العملة المحلية، والتوصل إلى مزيد من السيولة، والحصول على استثمارات دولية لتحريك الاقتصاد. وعلى الرغم من أن ذلك يعني مضاعفة النمو الاقتصادي، وانخفاض معدلات التضخم بما لا يقل عن 15%، لكنْ من المفترض ألا تكون له نتائج سريعة، وأن يكون النصف الأول من العام الإيراني المقبل كله واقعاً تحت ظل السيناريو السلبي الذي يفترض استمرار العقوبات.

2. المياه والطاقة: سيكون ملف المياه والطاقة من أهم الملفات التي يواجه النظام الإيراني فيها تحدياً حقيقياً خلال العام الجديد. وتعاني إيران من نقص شديد في ذخائر مياهها العذبة بعد أعوامٍ متتالية من الجفاف عاشتها خلال العقد الأخير. ويشهد الاستهلاك اليومي للمياه في إيران ارتفاعاً سنوياً بنسبة 8%، فيما يتراجع حجم المخزونات الإيرانية من المياه العذبة المخزنة وراء السدود بنسبة 10% وفق آخر أرقام أصدرتها وزارة الطاقة الإيرانية في نهاية العام الميلادي الماضي؛ ما يشير إلى احتمال ارتفاع حدة التحدي المائي الذي تعاني منه المدن الإيرانية. وأفادت وزارة الطاقة أن 272 مدينة إيرانية تشهد أزمة مياه عذبة في الصيف الماضي، وأعلن مدير الشركة الوطنية للمياه في الأسبوع الأول من العام الجاري أن عدد المدن التي تواجه تحدياً في ملف المياه بلغ 270 مدينة. وفي ضوء توقعات بهطول أمطار أقل من المتوقع خلال الربيع القادم واحتمال ارتفاع درجات الحرارة فإن وزارة الطاقة تتوقع أن يرتفع عدد المدن التي تعاني من نقص في المياه العذبة إلى 530 مدينة خلال الصيف المقبل. وتحاول الحكومة أن تضع حداً لأزمة المياه العذبة، عبر مزيج من الطرق، منها: رفع أسعار المياه العذبة، وتطبيق مشاريع لتزويد المدن بمصادر مستقرة من المياه. لكنّ ملف المياه الذي أوقع خلال صيف 2021 حوالي 17 قتيلاً في احتجاجات في عدد من المدن الإيرانية وشارك فيها عشرات الآلاف سيكون مرشحاً لتأدية دور كبير خصوصاً خلال صيف العام الجاري.

كما أنّ موسم الصيف القادم سيكون مرشحاً لأزمة طاقة مستفحلة بفعل الفجوة بين الطاقة الإنتاجية والطاقة الاستهلاكية. وأكد وزير الطاقة الإيراني استقرار الفجوة عند 15 ألف ميغاواط خلال الصيف الماضي (بين 69 ألف ميغاواط من الاستهلاك، و54 ألف ميغاواط من الإنتاج) وأدت خلال صيف 2020 إلى موجة احتجاجات عمت العشرات من المدن الإيرانية. كما أدت في صيف 2022 إلى خسائر اقتصادية تم تقديرها بنحو 8 مليار دولار نتيجة قطع الطاقة عن المراكز الصناعية والإنتاجية لتفادي قطع الطاقة عن المدن. وفي ضوء ارتفاع سنوي مقدر بنحو 7% في الاستهلاك وعدم تحقيق زيادة حقيقة في حجم إنتاج الطاقة، فإن الصيف المقبل سيكون مسرحا لأزمة متوقعة في مجال الطاقة، وستكون إيران مُخيرة فيها بين قطع الكهرباء عن المدن، بما يعني احتمال زيادة السخط الاجتماعي وتوقع اضطرابات في بعض المدن، وقطع الكهرباء عن القطاعات الصناعية بما يعني خسائر لا تقل عن 8 مليار دولار، وانخفاضا بما لا يقل عن 1% في النمو الاقتصادي المتوقع.

3. الاحتجاجات الشعبيّة: فيما كانت الأشهر الأخيرة من عام 2022 مسرحاً لاحتجاجات شاركت فيها الطبقة الوسطى والجيل الشاب في مختلف المدن الإيرانية، واستطاعت السلطات احتوائها بعد ما يقارب 600 قتيلاً من المحتجين ومن قوات الشرطة والحرس، فإن العديد من المحللين يؤكدون أن العام الجديد سيكون مسرحاً محتملاً لاحتجاجات قد تحدث لأسباب اقتصادية. وفي هذا السياق يؤكد رئيس منظمة الشفافية والعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام أن العام الجديد سيشهد حراكاً من الطبقات المعدمة بفعل استمرار معدلات التضخم وعدم فاعلية برامج الدعم التي توفرها الحكومة لسد النفقات. وبينما شهد الشهر الأول من العام الميلادي احتجاجات عمَّت قطاع النفط في إيران فإن الأشهر المقبلة ستكون مرشحة لاحتجاجات تجتاح بقية القطاعات الصناعية والعمالية. وسيكون الربيع والصيف المقبلين مسرحاً محتملاً لاحتجاجات المزارعين؛ إذ تتوجه الحكومة نحو تحديد الزراعة بفعل شُحّ المصادر المائيّة. وسيجعل مزيج من أزمة المياه، وأزمة الطاقة المدن الإيرانية مسرحاً متوقعاً لحدوث اضطرابات خلال الصيف الذي سيشهد على الأرجح أزمة انقطاع الكهرباء وأزمة إمدادات مياه في العشرات من المدن الإيرانية. وفي المجمل فإن العام الجديد سيكون مرشحاً لارتفاع وتيرة الاحتجاجات لأسباب اقتصادية أو غير اقتصادية، ولن تكون الخطوات التي تقوم بها الحكومة لامتصاص الغضب مجدية بما يكفي، وستحمل الحكومة أعباء اقتصادية صعبة.

4. الانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجلس الخبراء: في ضوء تراكُم مزيج من الأزمات الداخلية وانحسار الدعم الشعبي للنظام وتزايد السخط الاجتماعي، فإن العام الجديد سيكون فرصة لإجراء انتخابات الدورة الثانية عشرة من البرلمان والدورة السادسة من مجلس خبراء القيادة التي من المفترض إجراؤها في فبراير 2024. ولا تُشجِّع المؤشرات الأولية على توقُّع نسبة إقبال جيدة في هذه الانتخابات. وفي حين شهدت الدورة السابقة من الانتخابات البرلمانية نسبة مشاركة بنحو 42.5% في عموم إيران، ونحو 25.4% في العاصمة طهران، فإن نسبة الأصوات الصحيحة في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2021 استقرت عند 44% في إيران، و26% في العاصمة، وثمة احتمال كبير أن تشهد هذه النسبة انخفاضاً حاداً في الانتخابات المقبلة في ضوء تدهور المؤشرات الاقتصادية، وغياب التيارات الإصلاحية والمعتدلة. ويشير بعض التحليلات إلى أن النظام السياسي الإيراني يريد فسح المجال أمام بعض التيارات السياسية، مثل التيار الإصلاحي والمعتدل في الانتخابات المقبلة، بغية التقليل من السخط الشعبي، ورفع نسبة المشاركة، لكنّ طبيعة الانتخابات المقبلة، سواء على مستوى مجلس الخبراء، أو على مستوى البرلمان، ترجح فكرة استمرار حالة الانغلاق السياسي، إذ من المرجح أن تقع الدورة المقبلة من انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء تحت تأثير مسار الانتقال السيادي، وأولويّة اختيار خليفة للقائد الأعلى؛ ما سيدعم فكرة إبقاء الساحة خالصة للقوى الموالية للتيار المحافظ دون غيرها، تماماً على غرار الانتخابات الرئاسية السابقة.

وعلى الرغم من تحركات بعض التيارات المعتدلة والوسطية من التيار المحافظ، متمثلة في اجتماعات متكررة بين حسن روحاني، وعلي لاريجاني، وأكبر ناطق نوري، فإن الآمال بأن ينفتح النظام السياسي على فكرة إشراك هذه القوى في الانتخابات المقبلة تبقى ضئيلة. وبالرغم من أن ذلك سيعني انخفاضاً محتملاً في نسبة المشاركين في الانتخابات، فإن التجربة تظهر أن وجوه التيار المحافظ يفضلون انتخابات بنسبة مشاركة ضئيلة، بنتائج مضمونة على انتخابات بنسبة مشاركة أكبر، بنتائج غير مضمونة. لكن لن يكون المشهد موحداً داخل التيار المحافظ نفسه؛ إذ تبدو خريطة القوى المحافظة المهيمنة مرشحة لانقسامات واختلافات متعددة؛ ما سيدعم ظهور قوائم انتخابية متعارضة داخل التيار المحافظ، بين قائمة سيصدرها موالون لحكومة إبراهيم رئيسي، وقائمة يعمل عليها فريق مقرب من رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، وقائمة من متشدّدي المحافظين بزعامة جبهة الصمود. وأغلب الظن أن العام الجديد سيشهد استمراراً للخلافات داخل الخط المحافظ، بعد أن شهد العام الماضي نقطة بداية لها، تمثلت في انتقادات من رئيس البرلمان للحكومة، وطرح فكرة نظام الحكم الجديد من مراكز مقربة من قاليباف، حيث اعتبرها المراقبون فكرة مركزية لحملته السياسية الطامحة إلى الحصول على رئاسة الحكومة.

وفي سياق الانتخابات البرلمانية، شهدت الساحة السياسية الإيرانية خلال الأشهر الماضية سجالات حول احتمال تعديل في الدستور الإيراني لإحياء منصب رئاسة الوزراء في إطار الرغبة في التحول من نظام رئاسي إلى نظام برلماني. وبالرغم من أن الرغبة في التحول من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني تبدو كبيرة في صفوف المحافظين، بما يجعلها سجالاً طاغياً على المجال السياسي الإيراني في العام المقبل، لكن تمريرها سيكون مستعصياً لأنه يتضمن تعديلاً على الدستور يضع النظام السياسي أمام استفتاء شعبي محتمل، وهو ما لا تفضله مراكز القرار في إيران حاليّاً خوفاً من تحوله إلى منصة سياسية للاستفتاء حول أصل النظام السياسي في إيران. وأغلب الظن أن هذا السجال سيحول دون تفعيل خيار التعديل الدستوري، والتحول إلى النظام البرلماني، إلا في حال أثمرت السجالات السياسية طرقاً لهذه التعديل من دون الحاجة إلى الاستفتاء الشعبي.

الملفات الخارجية

أدّى تفاعل شبكة مترابطة من الملفات المتأزمة إلى تدهور ملموس في علاقات إيران الدولية خلال العام الإيراني الماضي. وانعكس هذا التدهور على الوضع الداخلي، مُتمثّلا في انهيار المؤشرات الاقتصادية، وتفاقم حالة الانسداد السياسي التي يُعانيها النظام. 

واحتفلت الحكومة الإيرانية في مطلع العام الميلادي الجاري بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وسط تأكيد على جدوى استراتيجية التوجه نحو الشرق، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. ولكنّ موسم الاحتفال هذا، انتهى بسرعة إلى حالةٍ من الإحباط سادت في طهران غداة إعلان الصين مواقف داعمة للعرب، ومُنتقدة لإيران، خلال زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية.

وكان ملف الاتفاق النووي، وهو أهم الملفات الدولية بالنسبة لإيران، شهد أيضاً انتكاسة مُشابهةً من التفاؤُل الذي سادَ مطلع العام 2022، إلى الإحباط الذي هيمن في نهاية العام؛ حيثُ أعلنت الولايات المتحدة أنّ الاتفاق النووي لم يعُد على أجندتها. وأدّت الحرب الأوكرانية إلى قلب الموازين في كثير من الملفات على الساحة الإيرانية، وكان الاتفاق النووي واحداً منها. 

وكانت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ملفاً آخر تأثّر بشكلٍ واضحٍ بموقف إيران من الحرب الروسية على أوكرانيا. وأدى الاتحاد الأوروبي دور الوسيط للحؤول دون إجهاض الاتفاق النووي حتى منتصف العام الماضي؛ حيثُ تحول الأوروبيون من موقفهم الوسيط إلى موقفٍ ممتعضٍ، ومُناهِضٍ للسياسات الإيرانية. وفرضت دول الاتحاد حُزماً مُتنوِّعة من العقوبات على إيران لأسباب مختلفة.

ويمكنُ إجمال أهمّ ملفات إيران الدولية المُتأزّمة خلال العام الإيراني المقبل بما يلي:

1. الملف النووي: يُعَدُّ هذا الملف مركز الأزمة المُركّبة التي تواجهها إيران في علاقاتها الخارجية. وهو على رأس سُلّم أولويّات الدبلوماسية الإيرانية. ومن المرجّح أنْ تُواجه فيه إيران تصعيداً خلال العام المقبل؛ إذ تؤكد الولايات المتحدة أن المفاوضات النووية لم تعد على رأس أولوياتها إطلاقاً، وأن تركيزها منصب على دعم الحريات المدنية، ودعم المحتجين في إيران. وأدّى تغيُّر موازين القوة النسبي داخل الولايات المتحدة بعد هيمنة الجمهوريين على الكونغرس إلى التقليل من فرص انفتاح الإدارة الأمريكية على النظام الإيراني، وأنهى التساهل في تطبيق العقوبات. كما أدّى التغيير الذي طرأ على لهجة صانع القرار الأوروبي بعد تورط طهران في الأزمة الأوكرانية إلى إضعاف فرص عودة الوساطة الأوروبية. ومن المرجح أن يستمر الثلاثي الأوروبي في الضغط على إيران من خلال حملته في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتحتاج حكومة إبراهيم رئيسي إلى إحياء الاتفاق النووي، وهي تصدر إشارات بذلك، لكن المؤسسات السيادية المهيمنة على الملف النووي لا تزال متمسّكة بمواقفها المتشددة التي تحول دون تقديم الجهاز الدبلوماسي التنازلات المطلوبة لإنجاح المفاوضات. 

ومن المرجح أن يشهد العام الجاري مزيداً من محاولات غربية (أوروبية/أمريكية) للضغط على إيران، بغية جرها إلى مفاوضات حول اتفاق أوسع، يتضمن ملفات خلافية أخرى من ضمنها ملف المسيرات، والصواريخ الباليستية، والأنشطة الإقليمية، وملف حقوق الإنسان. وقد يتمثّل هذا الضغط في فرض مزيد من العقوبات، وضبط نظام العقوبات السابق، ودعم وجوه المعارضة الإيرانية. وفي المقابل، قد يتجه النظام الإيراني في العام الجديد إلى البحث عن مسار مفاوضات بديل للمفاوضات النووية، عبر فتح قنوات حوار إقليمية، إلى جانب التلويح بخطوات تصعيدية جديدة، منها: التهديد بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60%، والتلميح إلى إمكانية التحرك نحو تجربة نووية. وسوف يشير مثل هذا التصعيد المحتمل في اللهجة الإيرانية إلى استفحال الخلافات داخل مطبخ اتخاذ القرار. لكنّه يهدف إلى إرغام الغرب على التنازل، والقبول بشروط محددة خلال المفاوضات النووية، منها: عدم بحث الملفات الأخرى في المفاوضات النووية، وتقديم امتيازات اقتصادية مسبقة على بدء الحوار. ومن المرجح أن يشهد العام الجديد صعود خيار المفاوضات البديلة المبنية على الوسطاء الإقليميين من أجل الحصول على توافقات ظرفية.

2. ملفّ العلاقات مع الاتحاد الأوروبي: أدت دول الاتحاد الأوروبي دوراً مهمّاً في المفاوضات النووية، وبذلت جهوداً كبيرة للوساطة، وابتكار الحلول، من أجل فكّ عقدة الاتفاق النووي. لكنّ النصف الثاني من عام 2022 شهد انقلاباً في السلوك الأوروبي، بفعل موقف إيران في الأزمة الأوكرانية، والاحتجاجات التي عمت المدن الإيرانية؛ حيثُ ابتعد الثلاثي الأوروبي عن موقفه الوسطي، وتوجهه نحو أقصى الخط في مواجهة السياسة النووية الإيرانية. وتوجهت البلدان الأوروبية نحو “لعبة فرض العقوبات” على النظام الإيراني لأسباب شتى، مع الحديث عن ضرورة أن تتضمن أية مفاوضات مع إيران ملفات أخرى غير الملف النووي. وأدى تورط إيران في الأزمة الأوكرانية من خلال تزويد روسيا بالسلاح دوراً كبيراً في حشد الرأي العام الأوروبي ضدّ إيران، ومن المرجح أن تتواصل عملية التصعيد الأوروبي ضد النظام الإيراني في ضوء استمرار سياسة التحالف مع روسيا في طهران. وسيشهد عام 2023 استمراراً لابتعاد الموقف الأوروبي عن دائرة الوساطة بين طهران وواشنطن. وسيصبح حمائم الجهاز السياسي للاتحاد الأوروبي (جوسيب بوريل وفريقه) في وضع الأقلية أمام تنامي الدعوات داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى الاصطفاف في وجه إيران. وتتزايد المطالبة بمقاطعة مؤسسات الدولة العميقة في إيران بين ممثلي البرلمان الأوروبي، والجيل الجديد من السياسيين في البلدان الأوروبية الأساسية. ومن المرجح أن يستمر الخلاف بين المطالبين بالمقاطعة الواسعة (الذين يرفعون شعار وضع الحرس الثوري في قائمة التنظيمات الإرهابية)، والمطالبين باتّخاذ خطوات محددة، ومدروسة، تفرض عقوبات على مجالات ومؤسسات معيّنة، دون أن تضطرّ إلى وضع الحرس في قائمة التنظيمات الإرهابية.

وعمّق انخراط إيران في تحالف مع روسيا في حربها على أوكرانيا الفجوة بين طهران وبروكسل، وإذا أقدمت إيران على أرسال صواريخ باليستية إلى روسيا لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا فسيكون الوضع مرشحاً لمزيد من التصعيد، وقد يتّخذ الأوروبيون بالفعل قراراً بوضع الحرس الثوري ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، ويضغطون على إيران أكثر في ملف حقوق الإنسان من خلال فرض مزيد من العقوبات، وفي الملف النووي من خلال التصعيد في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي ملف السلاح من خلال محاصرة برنامج إيران لإنتاج المُسيرات.

3. استراتيجية “الاتجاه شرقاً”: طرحت مؤسسات الدولة العميقة خلال الأعوام الماضية “سياسة التوجه الشرقي” باعتبارها استراتيجية النظام السياسي، ووضعتها حكومة إبراهيم رئيسي على رأس أجندتها الدبلوماسية. وشكلت زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية والتطورات التي رافقتها ومواقف الصين المتناغمة مع الكتلة العربية في وجه التطلعات الإيرانية انتكاسة في مسار هذه الاستراتيجية، وأدت إلى توجيه نقد لاذع لجدوى هذه الاستراتيجية، وفاعليتها، لكن من غير الوارد أن يترك هذا النقد أثراً جوهريّاً في محاولة التقرب الإيرانية من الصين، ولعل هذا هو ما جعل إيران ترحب بدور للصين في رعاية تقاربها مع المملكة العربية السعودية. ويدعم هذا التوجه واقع أن الصين باتت في ضوء العقوبات أهم زبائن النفط الإيراني، إن لم نقل الوجهة الوحيدة للنفط المصدر من إيران. ومن المرجح أن تواصل المؤسسة السياسية في إيران خلال العام الجديد مساعيها للتقارب مع الصين، ودعواتها لتفعيل اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. إلّا أن مزيجاً من التطورات سيعمل خلال العام الجديد على ترجيح كفة روسيا في استراتيجية التوجه نحو الشرق الإيرانية؛ إذ ستشهد العلاقات الإيرانية الروسية مزيداً من التقارب خلال العام الجديد، مثل محاولة دمج العملة الإيرانية بمنظومة الاقتصاد الروسي، ودعم مكانة إيران في الاتحاد الأورو-آسيوي الذي تقوده روسيا، والذي شهدت التبادلات التجارية بينه وبين إيران ارتفاعاً في عام 2022 بلغ 90% مقارنة بعام 2021. وسيشهد العام الجديد استمراراً لمحاولات دمج العملة الإيرانية في نظام “مير” الروسي، وربط شبكة البنوك الإيرانية بشبكة البنوك الروسية. ومن المرجح أن يتزايد الحضور الروسي في مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل: خطوط القطارات، والمشاريع النفطية، ومشاريع الطاقة، لاستكمال مشروع الممر الشمالي-الجنوبي، وربط روسيا بالبحار الجنوبية عبر إيران.

ويبدو التعاون العسكري بين روسيا وإيران مرشحاً للزيادة في عام 2023، وفي مقابل الدعم العسكري واللوجستي الإيراني للجبهة الروسية سيواصل الجانب الروسي تقديم الدعم العسكري لإيران في مجالات محددة، منها تزويد إيران بطائرات سوخوي 35، ومواصلة تزويدها بتقنيات لتطوير أنظمة دفاعها الجوي المحلية الصنع إلى مستوى نظام S400 الروسي، والتعاون مع إيران في مجال الأقمار الصناعية، والصواريخ الحاملة للأقمار، والصواريخ فرط الصوتية. ويُظهِرُ صانع القرار في موسكو رغبةً بتجاهل حكومة إبراهيم رئيسي، والتركيز على التعامل مع مؤسسات تمثل الدولة العميقة في إيران. وسوف يتعزز هذا التوجه الذي بدأت ملامحه الأولية في نهايات 2022 مدعوماً بالخلافات بين أجندة النظام السياسي في موسكو والأجندة التي تضعها الحكومة الإيرانية لنفسها في مجالات إقليمية ودولية. ومن جانب آخر، من المرجح أن يستمرّ التنافس بين موسكو وإيران في المجال النفطي؛ حيث يحاول البلدان الاستحواذ على الأسواق الرمادية في الصين، وبقية بلدان العالم لبيع النفط في ضوء العقوبات.

4. الملف الإقليمي: بدأت إيران عامها بمحاولات حذرة للانفتاح على بعض القوى الإقليمية المؤثرة مثل السعودية. وحققت هذه المحاولات اختراقاً مُفاجئاً بعد الإعلان في العاصمة الصينية بيجين، يوم 10 مارس الجاري، عن توفق إيراني-سعودي على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية صينية. وحتى الآن، يتضمن التفاهم السعودي-الإيراني خطوطاً عريضة مثل عودة العلاقات الدبلوماسية، والاقتصادية، وتفعيل الاتفاقية الأمنيّة المبرمة بين الدولتين. ومن المحتمل أن يستمر مسار التقارب بين البلدين ويتسع في المدى القريب، ليؤثر على ملفات إقليمية أخرى، وبالتحديد الملف اليمني. كما من المحتمل أن ينعكس التقارب السعودي-الإيراني على العلاقات الإيرانية مع دول الخليج الأخرى. ولعلّ من أهمّ معيقات الحوار الإقليمي مع إيران، هو النظر إلى الملفات الإقليمية باعتبارها ملفات تابعة للملفات الدولية الكبرى، مثل الملف النووي. وتوفّر الوساطة الصينية مخرجاً ملائماً لهذا الاقتران غير المفيد. وتُقاوم إيران حتى الآن، الانخراط في مسار مفاوضات جماعيّة، وتُصرّ على المُقاربات الثنائيّة. وليس من الواضح ما إذا كان العام المقبل سيشهد استمرار نهج إدارة التنظيمات الشيعيّة الموالية في الإقليم بالوتيرة السابقة نفسها، أم إن تغييراً محتملاً سوف يطال التعامل الإيراني مع مستويات دون الدولة على المستوى الإقليمي، كنتيجة للتوافق الإيراني-السعودي. وفي المجمل فإن طبيعة المجال السياسي الإيراني، وازدواجية مراكز اتخاذ القرار في الملفات الإقليمية، والإصرار على نهج التعامل مع التنظيمات العقائدية الموالية، ورفض مؤسسات الدولة العميقة بزعامة القائد الإيراني الأعلى مناقشة ملفّ التوسُّع الإقليمي الإيراني، وملفّ السلاح باعتبارهما الملفين الخلافيَّيْن الأساسيَّيْن بين إيران والقوى الإقليمية؛ كل ذلك سيدعم فرص استمرار الخلافات الإقليمية، ويُرجِّح احتمال عدم تحرك إيران نحو معالجة حقيقية لهذه الملفات الخلافية خلال العام المقبل.

الاستنتاجات

يُظهِرُ التعثُّر الواضح في كل الملفات التي تواجهها إيران على مدار العام الجديد فشلاً بنيويّاً في إيجاد حُلول ملائمة للخروج من الأزمة المُركَّبة التي باتَ يعي بها كلُّ أطراف النظام السياسي في إيران. إذ تؤكد غالبية مراكز الأبحاث المقربة من مؤسسات صنع القرار في إيران البيانات التي تُشير إلى تفاقُم الأزمات التي تُعاني منها إيران، سواءً على الصعيد الاقتصادي، أو المناخي، أو على الصعيد السياسي، والدبلوماسي. وبالرغم من تنامي الوعي بوجود المشكلات، لكن عملية إيجاد الحلول وتطبيقها على أرض الواقع تُعاني من خلَلٍ بنيويّ، يحولُ دونَ فكِّ العُقَد الأساسيّة خلال العام الإيراني المقبل على الأقلّ.

ويمكنُ إحالةُ بعض هذا الفشل إلى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي في إيران؛ حيثُ تغلب عليه ازدواجية بين مؤسسة الحكومة، ومؤسسة الدولة العميقة. وتتضارب الأولويات، والمصالح بين المؤسستين في مختلف الملفات الداخلية والخارجية. وأدّى صعود حكومة محافظة مقربة من دوائر الدولة العميقة في أغسطس 2021، إلى موجةِ تفاؤلٍ بإمكانيّة انتهاء هذه الازدواجيّة أو تخفيف حدّتها، لكنّ التطورات أظهرت استمرار الفجوة بين مصالح وأولويات الدولة العميقة، والمصالح والأجندة التي وضعتها حكومة المحافظين، وإنْ بشكلٍ أقلّ حدّة ممّا كان عليه الحال في عهد حكومة المعتدلين. وتجلّت هذه الازدواجية خلال العام الماضي في عدّة محطات، من ضمنها الملف النووي، والحرب الأوكرانية. وأظهرت التطورات أنّ الدولة العميقة ما زالت هي الفاعل الرئيس في الملفات السياديّة، وأنها تمتلك الأوراق التي من شأنها الحؤول دون توصل حكومة المحافظين إلى اتفاق مع المجتمع الدولي بشأن تلك الملفات. وفي حال استمرت هذه الازدواجية –وهي مرشحة للاستمرار– فإنّ أيَّ حوارٍ مع الحكومة في العام الجديد لن يكون مُجدياً بما فيه الكفاية لوضع حلول للملفات الخلافيّة، إلّا إذا أخذ بالحسبان مصالح الدولة العميقة، وملاحظاتها. كذلك فإنّ استمرار تملُّص الدولة العميقة في إيران من الاعتراف بمبادئ العمل الدولية، سيبقى يُعرقل مسار تفاهم العالم مع هذه المؤسسة في العام الجديد. 

وسيكون موضوع خلافة خامنئي المحور الأساسي لجميع التطورات الداخليّة، وسينعكس بشكل أو بآخر على طبيعة تعامل النظام السياسي الإيراني مع المجتمع الدولي، وطبيعة الحلول التي يقترحها، أو يتفق عليها الأطراف. ويعود جزء من ذلك إلى مكانة القائد الإيراني الأعلى ضمن الهرم السياسي الإيراني؛ حيث يمتلك مقاليد الأمور في غالبية الملفات السيادية. وفي ضوء أنباء باتت مؤكدة عن الوضع الصحي للقائد الأعلى الإيراني، سيبقى التأجيل والتردُّد مُسيطراً، وستبقى الحلول النهائية مؤجلة إلى ما بعد الانتقال السّيادي في إيران. لكنّ جزءاً آخر من التردُّد الإيراني يعودُ إلى التّنافس الشَّرِس الذي يجري بين مختلف القوى السياسية الطامحة إلى لعب دور فاعل في مسار الانتقال السيادي، وضمان مصالحها غداة الانتقال. ومن المؤكد أنّ مزيجاً من هاجس “سلاسة الانتقال السيادي”، و”هاجس “ضمان المصالح خلال الانتقال في القرار الإيراني، وبعده” سينعكس على سلوك القوى السياسية المؤثرة في إيران خلال العام الجديد، خاصّة خلال الانتخابات، كما سينعكس على سلوك المؤسسات السيادية في النظام ومحاولة تصفية المشهد السياسي من الخصوم، لضمان سلاسة الانتقال. وبالتأكيد فإن كلّ ذلك سينعكس على الملفات الخلافيّة بين إيران والمجتمع الدولي.

السابق
جلسة الاستماع الى سلامة تنطلق في يومها الثاني
التالي
Weekend عاصف: المنخفض الجوي يبدأ عصراً!