حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: من اين لحضن العرب أن يتسع للأسد وضحاياه معا؟!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتوالى تحركاتُ الوفودِ العربيةِ الى دمشقَ، فمن وفدِ البرلمانيين العرب، الى وزراء الخارجية، في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة الهاشمية الاردنية، مرورا بالوفد الوزاري اللبناني، كانت، قد سبق ذلك، زيارات اخرى قام بها وفد من الامانة العامة للجامعة العربية، ووزير خارجية دولة الامارات العربية المتحدة، وقد أتت هذه الزيارات وغيرها، تحت عنوان اغاثة شعب سورية، ودعم المنكوبين من اهلها ونازحيها والمهجرين من ربوعها، بعد زلزالين مدمرين ضربا الشمال السوري والجنوب التركي، وادَّيا لخسائر فادحة بالأرواح والممتلكات.

وان كان توقيتُ هذه الزيارات جميعا، قد تحدد انطلاقا من كارثة الزلزالين، فإن المفاعيل السياسية لها ولتداعياتها لم تكن اغاثية بحتة، ولا نتائجها ستقتصر على لملمة جراح الزلزالين وكفكفة آلام ضحاياه، ولذلك فبالتوازي مع امدادات الاغاثة والمساعدات، تم رفع شعار سياسي وهدف تنفيذي، اطلق عليه توصيف “عودة سورية للحضن العربي”،  وسورية المقصودة هي سورية الاسد، وليست سورية المنكوبين والضحايا والنازحين والمهجرين، فما هي تصورات هذه العودة وما هي حساباتها وماهي احتمالات نجاحها ؟ 

هل من المتوقع والمنطقي ان يعود نظام الاسد الى الحضن العربي بما يعني مغادرته الحضن الايراني والانضواء ضمن نظام المصلحة العربية بكل ايجابيات هذا النظام وكل سلبياته؟

وهل من المتوقع والمنطقي ان يعود نظام الاسد الى الحضن العربي، بما يعني مغادرته الحضن الايراني، والانضواء ضمن نظام المصلحة العربية بكل ايجابيات هذا النظام وكل سلبياته؟!

ولاستكمال المشهد كان لافتا زيارة الاسد لسلطنة عمان، واللقاءات التي قام بها في مدينة مسقط! فمن التقى الاسد في مسقط؟! واية محادثات أجراها، ومع اية جهات تفاوض؟

ولا سيما وان السلطنة تحتفظ بخطوط تواصل وتفاعل مع كل الاطراف، من اميركا واسرائيل الى طهران والسعودية والامارات والعراق واليمن؟!  واذا كان الاسد لا يحتاج الى الذهاب الى مسقط، للقاء المسؤولين في روسيا او ايران، واذا كان وزراء الامارات ومصر والسعودية والاردن والعراق قد زاروه في دمشق، فان الرواية التي تتردد اصداؤها تكتسب مصداقية معقولة، من ان زيارة الاسد للسلطنة تضمنت لقاء بمسؤولين من اسرائيل، تتناول ترتيبات اتفاقية سلام مع اسرائيل، وان الزيارة كانت تتويجا لمحادثات سورية اسرائيلية، وصلت الى مرحلة متقدمة، وتتضمن تبادل التزامات واضحة!! وسواء صحت هذه الرواية ام تبيِّن زيفُها، فان عودة الأسد الى الحضن العربي، سيتم الكشف عنها في قمة الرياض التي ستعقد في الربيع المقبل، والتي سيحضرها الاسد، اذا ما تم التزامه بالشروط العربية لعودة سورية الاسد الى الجامعة العربية وهي شروط تتضمن حلا سياسيا يشرك نوعا من المعارضة في الحكومة السورية، وتسهيل عودة النازحين السوريين، واعلان الالتزام بوحدة اراضي سورية وسلامة اراضيها، وهو ما يلبي مطالب تركيا وايران في منع قيام كيان كردي مستقل.
اضافة لبند مفصلي ينص على انسحاب جميع القوات الاجنبية من سورية، وهذا ينطبق على القوات الاميركية والروسية والتركية، كما القوات الايرانية والميليشيات التابعة، لها وعلى راسها حزب الله.

الرواية التي تتردد اصداؤها ان زيارة الاسد لسلطنة عمان تضمنت لقاء بمسؤولين من اسرائيل تتناول ترتيبات اتفاقية سلام مع اسرائيل وان الزيارة كانت تتويجا لمحادثات سورية اسرائيلية


هل يمتلك الاسد القوة اللازمة لتبني هذه الخيارات والالتزام بها؟! وهل اذا وقَّعَ هذا البيان في مؤتمر القمة العربية المزمع عقده في الرياض، يستطيع العودة حاكما لدمشق ويخطو باتجاه الافتراق عن ايران؟!  وذلك بمعزل عن سطوة ايران ونفوذها، ومناطق سيطرتها في مختلف الاجهزة والمواقع ومفاتيح القرار في السلطة السورية ؟!

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: اوجاع الخاطف..أم عذابات الرهينة؟

هل تستعيد الدول العربية صفقة ال “س. س.”، التي عقدتها المملكة العربية السعودية بقيادة العاهل السعودي المغفور له الملك عبدالله، والتي تعهَّد الاسد من خلالها، بالالتزام بالتضامن العربي، والانفصال عن ايران، والذي استفاد منها الاسد لفك عزلته العربية والدولية ولينقلب عليها لاحقا، ويمعن في تحالفه مع ايران ويقوم بتسليم قرارات سورية ومواردها لها.

لقد استغل نظام الاسد كارثة الزلزالين، ليتحكم بخطوط المساعدات وشبكات توزيعها، واصرَّ على ادارتها والاشراف على توزيعها، حيث امكنه ذلك بما فيها، المناطق غير الخاضعة لسلطته في مناطق الاكراد ومنطقة ادلب وشمال غرب حلب.

ولم يكتف بذلك، بل جرد حملة ديبلوماسية لإعادة تأهيل نفسه، ولرفع العقوبات الاوروبية والاميركية عليه، وخاصة قانون قيصر، واضطرت الادارة الاميركية الى اعلان رفع هذه العقوبات لمدة ستة اشهر، تستعيد فيها سورية امكانية تلقي اموال وتحويلات مالية خارجية، عبر النظام المصرفي العالمي.

لا حسم ولا يقين في معرفة ما ينتظرنا في الأشهر القليلة المقبلة ولذلك، فالاقليم بحالة ترقب وانتظار واطرافه الفاعلة تعاني التخبط والارتباك

لكن الكونغرس الاميركي بمجلسيه، تصدى بقوة لمحاولة نظام الاسد تفكيك نظام العقوبات عليه، واصدر قانونا يقيد تصرفات الادارة الاميركية ويلزمها بابقاء العقوبات كاملة والسماح بالإغاثة استثناءً.هل نشهد تكرارا رتيبا لما شهدناه سابقا، خاصة وان الظروف السياسية الجديدة للأسد، قد زادت من حاجته الى تحالفه مع ايران، وان تداعيات الحرب الاوكرانية الروسية عمقت التحالف بين ايران وروسيا، ام ان الجديد في النقلة السياسية الجديدة، هي حدث متواز من فصلين الفصل الاول فيها، عودة سورية الى الجامعة العربية اما الفصل الثاني، فإنجاز تسوية اسدية صهيونية تضم سورية الى مسيرة “اتفاقيات ابراهيم” مع كيان العدو، وتستعيد مندرجات صفقة رعتها تركيا مع اسرائيل، في عهد حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت، والتي قضت بتحويل الجولان، تحت سيادة سورية شكلية، الى محمية بيئية تستأجرها وتستغلها اسرائيل من الاسد لعشرات السنين، وتكون مدخلا لتسوية يتم من خلالها تبادل السفارات وتطبيع العلاقات السورية الاسرائيلية.

لا حسم ولا يقين في معرفة ما ينتظرنا في الأشهر القليلة المقبلة، ولذلك، فالاقليم بحالة ترقب وانتظار، واطرافه الفاعلة تعاني التخبط والارتباك، فخيارات الحرب الموضوعة على طاولات اركان جيوشها، لا تشي بامكانية حروب تفضي الى نتائح حاسمة، والتسويات المتاحة لا تفضي الى توازنات تحفظ الاستقرار.

ولذلك  لا بد من الاحتفاظ برؤية واضحة تلتزم تعريف الاشياء بماهيتها وكنهها، وتسمية الاحداث والوقائع بأسمائها الاصلية، دون تورية او مجاز او التباس أو رياء، فالاغاثة  تكون للضحايا والمساعدة تقدم للمنكوبين، والتضامن والرأفة بالمظلومين، الكارثة واحدة من زلازل الارض، والفوالق الجيولوجية والصفائح التكتونية، الى البراميل المتفجرة والاسلحة الكيماوية، والقتل وتعذيب السجناء وحملات التطهير العرقي والطائفي، كل هذا في جهة واحدة، فالزلزال والاسد كارثة واحدة، وجهة واحدة، وضحايا الأسد والنزوح والتهجير والتجويع والزلازل جهة اخرى ومأساة واحدة، والحضن العربي، اذا ما كان عربيا لا يتسع للجهتين.

السابق
بعد اللحوم والأجبان..البصل ينضم إلى قائمة «مفقودات» الموائد السورية!
التالي
غسان صليبي يوقع كتابيه في معرض إنطلياس الاربعاء المقبل