حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: اوجاع الخاطف..أم عذابات الرهينة؟

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

شكَّلت مشاركةُ الرئيس سعد الحريري بالذكرى الثامنة عشرة لغياب والدِه، حَدَثاً سياسياً كَسَرَ رَتابةَ المَشهدِ السياسي اللبناني، و كانت مناسبةٌ لكي يُثبِتَ زعيمُ المستقبلِ حُضوراً لافتاً في الشارع السياسي، بما يُؤشِرُ انَّ تعليقَهُ للعملِ السياسيِّ وخروجَه من لبنان، منذ أكثرَ من سنة، لم يُؤثِر سلباً في تعاطفِ جمهورِه ومحازبيه معَه، وأنَّ اعتكافه السياسيَّ كانَ له فعلٌ ايجابيٌ في تحسينِ صورتِه مقارنةً مع صُوَرِ أطرافِ السُلطةِ الأخرى، وعلى الرغم من انَّ عودتَهُ الى العمل السياسي، ستبقى مؤجلةً لمدةٍ غيرَ قصيرةٍ، بإنتظارِ إنضاجِ ظروفٍ تدفعُ إليها وتسمحُ بها، فقدْ ظَهرَ انَّ غيابَهُ كان سلبياً على خصومِه، أكثرَ من سلبيتِه عليه، وبديهي انَّ حضورَ الحريري دون دعمٍ خليجي وسعودي، لا ينفعُهُ بشيء، بل يفقده ذكرى انجازات ابيه.ولعل الحريري إستفادَ من غيابِه أكثرَ من حضورِه، ففي حضورِه كان يستعملُه حزبُ الله والرئيسين عون وبري، ككيس تمرين للملاكمة، كانوا يرمون عليه كل المشاكل، كل الفشل، وكل الفساد، وغيابه حرمهم من هذه النعمة… كما حرمَهُم غيابُه من عَدوٍ مزعومٍ كان وجودُه ضرورياً، لشدِّ عصبِ الكراهيةِ عند جُمهورِ حزبِ الله والجمهورِ العوني، وجَعَلَ سلطةَ عون وحزب الله _ بري، عاريةً وسافرة، تتحملُ أوزارَ الأزمة، وتظهرُ عاجزةً مُفلسةً عن إجتراحِ ايِّ حلٍ او تسييرِ ايّة خدمة او ادارةِ ايِّ مِرفَقْ، رُغمَ انَّهُمْ يحكمون ويتحكَّمون منفردين، بكلِّ قرارٍ و يُمارسونَ نفوذَهُم دون قيود.في ظلِّ الأزمةِ الشاملةِ هذه، وفَشَلِ وعجزِ وارتهانِ من تَبقَّى من المنظومة، فإنَّ غيابَهُ جعَلَ التركيبةَ المحليةَ الممانعةَ، في حالةِ تَخبُطٍ وإفلاسٍ.

يمارس حزب الله سيطرته على مفاتيح النفوذ والقرار في الدولة اللبنانية عبر التخفي والتدثر بغلالات سياسية متراكمة وأقنعة متتالية تتشكل من شخصيات او قوى سياسية

ولذلك ظَهَرَ السيد حسن نصرالله غاضباً، يَفتقِدُ مِشجَباً يُعلِّقُ عَليهِ أحمالَهُ و أثقالَهُ، لا يقترح حلّاً ولا يقدمُ خياراً، ظهر سيد حزب الله، معترفاً بعجزِه عن مواجهةِ الأزمةِ، ومُقِراً انَّه تمَّ إمساكَهُ باليدِ التي توجِعُه وتُؤلمُهُ، وهو أمر لم يَفعَلْه يوماً من قَبلْ، كما ظهر انَّه لا علاجاتٍ لديه، لإدارة الأزمة، لا بزراعةِ الشرفات ولا البصل، ولا بالتوجُّه شرقا، ولا بالاعتمادِ على الإمدادِ الإيراني الذي ظهر وهماً عبثياً، في إمدادِ سورية الأسد، ووعودا عرقوبية جوفاء، بسد احتياجات أسواقها، او انقاذ ضحايا زلزالها.

يمارس حزب الله سيطرته على مفاتيح النفوذ والقرار في الدولة اللبنانية، عبر التخفي والتدثر بغلالات سياسية متراكمة، وأقنعة متتالية تتشكل من شخصيات او قوى سياسية، وتُخفي إمساكَهُ بها، مما يُتيحُ له إمتلاكَ القرارِ والفعلِ، دون ان يتحملَ عِبءَ خياراتِه، ودون ان يَكُونَ في الواجهة، وأن يخضع لأيِّ نوعٍ من المساءلة، يَحكُمُ ويُقرِرُ دون ان يُساءَلَ او يُطالبَ او يُحاسب.! كان الأمر يناسبه قبل التفكك المتدرج لتماسك المنظومة، وانفراط عقدها ومغادرة ناديها تيارا إثر تيار وحزبا اثر حزب، وشخصية سياسية إثر شخصية أخرى، فمنذ خروج الجيش السوري في نيسان ٢٠٠٥ وحتى الأمس، تَضيقُ قاعدةُ السلطةِ في لبنان، وتتقلص اعدادُ شركاءِ حزب الله فيها، وتسقط الأقنعة التي تُخفِي سلطتَهُ.لم يجد نصرالله وسيلة يَتفيَّأ بدِروتِها، الاَّ تحميلُ مسؤوليةَ خياراتِه لأميركا، والتهديدُ والوعيدُ بالحربِ مع اسرائيل.

وكَأَنَّ إسرائيلَ اوقَفَت حربَها معَه،  أو مع مرجعيتِه في إيران، فهجماتُ إسرائيل على قواتِهِ في سورية، مستمرةٌ أسبوعيةً ويوميةً، شاملةً من الشمال والشرق والجنوب، وكان آخرُها قصفُ “مقراتٍ قياديةٍ إيرانية” في قلبِ مدينةِ دمشق، وعملياتُ اسرائيل في إيران، ايضاً تتكرَّرُ بشكل دائمٍ وبإيقاعٍ متصاعد، فمَنْ كانَ يُريدُ انْ يَنتظِرَ سبباً أو ذريعةً، لكي تقومَ ايرانُ وحزبِ الله بضرب اسرائيل، لا يَعوزُه الدافعُ والمُبرر، فاسرائيل تقدمّ لهُ أسبوعياً ويومياً، الذريعةَ والسبب، لكي يَشُنَّ حرباً طالما وَعَدَ، من يُصدِّقَهُ، بشنِّها والإنتصارِ فيها، ولقد أصبحِ بديهياً، انَّ عَدَمَ إنفجارِ حربٍ شاملةٍ وكبيرة، سببُه عَدَمُ لجوءِ إيران وحزب الله، للردِّ على اعتداءات إسرائيل وعملياتها، وليس لحكمةٍ اسرائيليةٍ بالتهدئةِ والجنوحِ نحوَ السلمِ والاستقرار.

يبدو ان لا رئيس جمهورية في لبنان دون رضى السعودية وهي حقيقة قد يدركها حزب الله وقد يتجرع كأس السم بقبولها

لقد أنجزت اسرائيل واميركا مناوراتها العسكرية، منذ أسابيع، لسيناريو عسكري، يتضمن هجوما واسعا على إيران ويستهدف منشآتها النووية وترسانة صواريخها الباليستية، فالحرب التي يلوِّحُ بها نصرالله، موضوعةٌ على جدولِ أعمالِ الأركانِ العسكرية، الاميركيةِ والاسرائيليةِ، هذا ما أعلنه وزيرُ الدفاع الاسرائيلي، في مؤتمر الأمن في مدينة ميونيخ الالمانية، وهذا ما عبرت عنه وزيرة الخارجية الفرنسية في مطلع زيارتها للمملكة العربية السعودية، حيث اتهمت طهران بزعزعة استقرار دول المنطقة وبخرق قرار مجلس الامن الدولي رقم ٢٢٣١، الذي يحظر على إيران تصدير الاسلحة الى دول اخرى. وقد ترافق ذلك مع قلق دولي بعد اكتشاف يورانيوم إيراني مخصّب بنسبة 84%،وفرض عقوبات أوروبية وبريطانية على إيران،  في إطار حزمة خامسة من العقوبات ضدّ طهران، على خلفية قمع “ثورة الحرّية”.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الأحد أنها تجري محادثات مع إيران، بعد توارد اخبار عن اكتشاف مفتّشين في ايران  مستويات تخصيب تصل الى 84%، وهي أدنى بقليل من نسبة 90 في المئة اللازمة لإنتاج قنبلة ذرية. فهل يريد السيد ان يخبرنا انه سيورط لبنان بحرب أخرى محتملة، ينخرط فيها للدفاع عن ايران؟ لكنه يحاول أن يصور لنا وللبسطاء من جمهوره أنَّ ذهابه إليها، سببُه الدفاع عن لبنان وشعب لبنان وسعيا لحل أزمة العيش فيه؟!

إقرأ ايضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الناس وليس الاحزاب هم الثورة!

المصارف اللبنانية تلعب في لبنان والعراق، واظهر فيلم   Tv5 عن “التحقيق الممنوع”، الذي أخرجه المخرجان جيروم فريتل وصوفيا عمارة، أن طريق الالتفاف الإيراني على العقوبات، تطال قارات أمريكا الجنوبية وغرب افريقيا وبلدان اوروبا، وتمر من طهران الى بغداد وبيروت. و لذلك تكثفت العقوبات الاميركية على ايران وبعض الكيانات في لبنان والعراق، كما اجراءات وزارة الخزانة الاميركية مع البنك المركزي العراقي، لتحكم اغلاق المسارب بشكل متصاعد من بيروت الى بغداد الى دمشق.

إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والذي قبله السيد نصرالله اذعانا لصفقة ايرانية اسرائيلية اميركية بوساطة قطرية، والذي منحت به ايران حقل كاريش في لبنان الى اسرائيل، مقابل تسهيلات لزيادة مبيعات نفطها الذي يخضع لعقوبات، اضافة لتسهيل تشكيل حكومة السوداني في العراق، ليس فيه من جديد مفاجئ، فقد كان معلوما ان اسرائيل ستبدأ ببيع نفط وغاز كاريش،  بعد يومين من توقيع اتفاق الترسيم في نهاية السنة الماضية، في الوقت الذي سينتظر لبنان في افضل سيناريو، مدة ٨ ثمان سنوات، لاستثمار حقل قانا المفترض، وما اعادة طرح نصرالله لهذا الموضوع الا تعمية وتمويه عن حقيقة بديهية ومعلنة.

السيد نصرالله بدأ يدرك ان خياراته محدودة دون بدائل، لذلك بدا غاضبا يتوعد ويهدد، فطريق مرشحه لرئاسة الجمهورية الوزير سليمان فرنجية موصدة محليا، بواسطة الفيتو الذي يعلنه جبران باسيل، و موصدة عربيا بادارة ظهر السعودية، عن مساعدة لبنان،  وتلك تعني إدارة ظهر خليجية ومصرية، وموصدة دوليا بموقف أميركي متشدد تجاه إيران واذرعتها في دول الإقليم.

لوح حزب الله باحتمال قبوله بقائد الجيش العماد جوزاف عون كرئيس جمهورية يمكن ان ترضى عن وصوله السعودية، لكنه مقابل ذلك، يريد تسوية ينال فيها ضمانات، لكن السعودية غير مهتمة بالأمر حتى الآن … وموقف السعودية من لبنان، مفاده ان ” اختاروا ما شئتم وإذا لم يناسبنا فابحثوا عن مساعدات من مكان آخر.

ويبدو ان لا رئيس جمهورية في لبنان دون رضى السعودية، وهي حقيقة قد يدركها حزب الله وقد يتجرع كأس السم بقبولها.

الموقف الخليجي بما في ذلك قطر ومصر، منضبط وملتزم تحت سقف الموقف السعودي، تكتيكات فرنسا لاجتراح تسوية تحفظ مصالح إيران باختيار فرنجية، رفضتها السعودية وتضامنت معها بقية دول الخماسية، ترشيح فرنجية اصبح ماضيا مضى والبحث في مكان آخر…ما تريده السعودية في لبنان صفقة شاملة تتضمن، رئيس جمهورية + رئيس حكومة + حكومة مع بيان وزاري + التزام بإصلاحات محددة بينها، ضبط الحدود والتهريب ومندرجات المبادرة الكويتية، إضافة لتوقيع ٢٢ اتفاق تعاون بين لبنان والسعودية ودول الخليج، كانت عرضتهم على الحريري و جبران باسيل بعد التسوية الرئاسية المشؤومة سنة ٢٠١٦ وتمت عرقلتهم.يبدو سقف الموقف السعودي عال ومتشدد!

فما السبيل لدفعه الى الطراوة والمرونة! فهل يسهل خط  التفاوض السعودي الايراني حول اليمن، انجاز انتخاب رئيس جمهورية في لبنان؟!] وهل تقبل السعودية بتسوية يكون حزب الله طرفا فيها دون خروج حزب الله من اليمن؟

الحكومة التي يرأسها السوداني وهو رجل نوري المالكي والتي دعمها الحشد الشعبي التابع لايران فانها تنفذ الاجندة والمطالب الاميركية و الغربية

 والازمة اليمنية هي موضوع بحث سعودي مع إيران وليس مع حزب الله، فقد رفضت السعودية التفاوض مع حزب الله سابقا، ردا على كلام ايراني “اذا اردتم حلا في اليمن تحدثوا الى حزب الله!  

ثم فتحت وساطة الحكومة العراقية  مفاوضات امنية بين السعودية وايران حول اليمن، أدت الى الهدنة المتعثرة فيه، الموقف الأميركي والغربي، اصبح اكثر تفهما للموقف السعودي في اليمن، لذلك شهدنا ضبط اسلحة مهربة الى اليمن من إيران من قبل جيوش غربية.

 أما في العراق فان الحكومة التي يرأسها السوداني، وهو رجل نوري المالكي، والتي دعمها الحشد الشعبي التابع لايران، فانها تنفذ الاجندة والمطالب الاميركية و الغربية، باسرع مما يمكن ان يتصوره اي مراقب، ما تردد بفعله الكاظمي خوفا من ايران، يقدم عليه السوداني دون تردد.هل يتاح حل لبناني بحراك داخلي، أم نقتنص انفراجا إقليميا في لحظة شاردة، يمكن ان ينعكس ايجابا على أزمتنا، ام يبقى لبنان على رصيف انتظار ربيع ساخن و متفجر من اوكرانيا الى ايران؟ فيما منظومة سلطته تكابر، وهي تتفكك وتنهار، ويدفع شعبنا ثمنا لا يحتمل فقرا ومرضا والما وموتا وذلا وهجرة!

السابق
هل لبنان بأمان..الباحث الجيولوجي زعاطيطي لـ«جنوبية»: لا يمكن التنبؤ بزمان وقوة الزلزال!
التالي
خاص «جنوبية»: رفع الغطاء عن الصرافين بعد «مضاربتهم» على المشغلين الحزببين.. وهذه أسماء المخلى سبيلهم!