بعد العمليات المجهولة والمعلومة..«حرب مفتوحة منضبطة» بين إسرائيل وإيران!

ايران

قام أحد الشباب الفلسطينيين، بقتل 7 مستوطنين وجرْح 10 آخرين في القدس، في ضربةٍ موجعة لم تتوقعها إسرائيل في عاصمة فلسطين، حيث تنتشر قوات مدجّجة بالسلاح وتبسط سلطتها بقبضةٍ من حديد، أثبتت العملية النوعية سهولة اختراقها.

وقد ردّتْ تل أبيب، بإرسال طائرات صغيرة مسيَّرة، ضربتْ سقفَ أحد المباني التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية في أصفهان، موقعةً خسائر في الخرسانة من دون إحداث أي أضرار أخرى تُذكر.

ولم تكتف بذلك، بل هاجمت طائراتُها قافلةً إيرانية تحمل مواد غذائية، وهي تدخل الأراضي السورية من دون إيقاع خسائر بشرية.

فماذا يحاول الطرفان فعله وما الضوابط والمكتسبات، ومحتوى الرسائل المتبادلة؟

عدم تبنّي أي منظمة لعملية القدس – وعمليات عدة أخرى سابقة ولاحقة كما يبدو – يُخْرِج إسرائيل من الإحراج الذي كانت ستجد نفسَها فيه

بدايةً تجدر الإشارة إلى أن العمليات المنفردة التي يقوم بها الشباب الفلسطيني، ومنهم حَمَلة الهوية الإسرائيلية، دليل على تَمَسُّك الفلسطينيين بأرضهم وقضيتهم التي لم ينسوها رغم حداثة سنّهم، ما يدل على سقوط رهانات على أن الجيل الجديد لن يتمسّك بقضية فلسطين لأنه لم يَعِشْها ولم يكن مولوداً أيام منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الأخرى التي قامت بعمليات لا تُعد ولا تُحصى ضد إسرائيل لدفع عملية السلام التي لم تأتِ بنتيجة تُذكر.

وتالياً، فإن الشعبَ الفلسطيني أَثْبَتَ أنه متمسّكٌ بتحرير أرضه وأن قوة إسرائيل العسكرية التي لا تضاهيها أي قوة أخرى في الشرق الأوسط، لا تخيفه ولا تثنيه عن قضيته المحقة ولن تمنعه من مواصلة المسيرة.

لكن قيام شبان لا ينتمون لأي فصيل بمهاجمة المستوطنين والجنود، يفاجئ إسرائيل من جهة ويريحها من جهة أخرى.

فهو يفاجئها لأنها لم تتعوّد على عمليات لا تتنافس فيها المنظمات الفلسطينية على تبنّيها والتفاخر بها.

وهذا جزءٌ من أخطاء المنظمات المتعددة التي تتسابق للتباهي بالمسؤولية، فتدفع إسرائيل للانتقام منها وقتْل قيادييها وملاحقتها تحت عنوان الدفاع عن النفس.

إلا أن عدم تبنّي أي منظمة لعملية القدس – وعمليات عدة أخرى سابقة ولاحقة كما يبدو – يُخْرِج إسرائيل من الإحراج الذي كانت ستجد نفسَها فيه.

وبالتالي فهي غير مضطرة لشنّ ضربات لتقتل قياديين من «حماس» أو «الجهاد الإسلامي» – لو كان أياً من هذين التنظيمين أعلن مسؤوليته عن العملية – ويمكن أن تتدحرج إلى حرب لا تريدها تل أبيب في الوقت الراهن بسبب انشغال العالم بنتائج الحرب الأوكرانية.

ولذلك فإن إسرائيل – التي تعرف أسلوب التنظيمات الفلسطينية – تذهب مباشرة لضرب أهداف ترتبط بإيران. فقد اغتالت قياديين في الحرس الثوري في سورية معنيين بتقديم الدعم المالي والعسكري والتجهيزي لفلسطينيي الداخل.

وضربتْ في العمق الإيراني لتردّ على مَن يعتبرهم العالم «ذئابا منفردة»، لأن تل أبيب تعلم مَن يقف خلف هؤلاء الذين يختارون ضرباتهم دائماً بعد الضربات الإسرائيلية لقافلات أو الاغتيالات في سورية أو إيران.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل اكتشفت المسيَّرات الإيرانية التي نشطت انطلاقاً من سورية في نقل الأسلحة المتطورة والذخائر والقطع المتطوّرة التي يحتاج إليها المقاومون في الداخل. ولم تستطع وقف الدعم الإيراني اللوجستي للفلسطينيين حتى ولو استهدفت مراراً قواعد الانطلاق في بلاد الشام.

وما عمليّتا المسيَّرات في أصفهان وضرب ثلاث شاحنات من أصل قافلة دخلتْ الأراضي السورية، إلا من ضمن إطار الرد والرد المتبادل بين إيران وإسرائيل.

ما عمليّتا المسيَّرات في أصفهان وضرب ثلاث شاحنات من أصل قافلة دخلتْ الأراضي السورية إلا من ضمن إطار الرد والرد المتبادل بين إيران وإسرائيل

وهاتان العمليتان لم تسفرا عن خسائر لطهران، لأن الهدف الإسرائيلي كان يقضي بتوجيه رسالة مفادها «بأننا ندرك مَن يقف خلف العمليات المجهولة وأننا نستطيع الردّ في مسارح متعددة».

وتالياً فإن إرسال مسيّرتين إلى الداخل الإيراني، إشارة إلى أن تل أبيب لديها عملاء أو حلفاء في الداخل – مثلما لإيران في فلسطين – وأن مسيّرات تحمل بضعة كيلوغرامات من المتفجرات، لن تحدث أي ضرر بمحتويات المبنى التابع للدفاع الإيرانية ولن يستفزها لأن هذه المسيَّرات الصغيرة تُستخدم في أكثر الأحيان ضد الأفراد في عمليات اغتيال في شكل فردي أو ضدّ هدفٍ داخل سيارة غير مضادة للرصاص.

إقرأ ايضاً: لقمان باقٍ.. والطغاة إلى زوال!

من هنا، فإن إسرائيل – التي تملك طائرات تستطيع التحليق لساعات وتحمل عشرات الكيلوغرامات من المتفجرات – كانت تستطيع استخدام إمكاناتها المتوافرة، لكنها لم تشأ دفْع طهران لردّ فعل تتضرر منه سمعة ومصالح إسرائيل ويحيد النظر عن الحرب الدائرة مع روسيا في أوكرانيا، وهو ما من شأنه، إذا حصل ذلك، اغضاب الولايات المتحدة.

ولم تستهدف إسرائيل قافلة تحمل أسلحة متطورة، لأنها تدرك أن حلفاء إيران يصنعون الصواريخ داخل الدول التي يتواجدون فيها. وتالياً فإن عهد نقل الأسلحة المتطورة قد ولىَّ.

وما ضرب قافلة غادرت الأراضي العراقية إلا رسالة لبغداد بأننا «نَراكم ولن نضرب داخل الأراضي العراقية» – بعد الإنذار الأميركي لإسرائيل بتفادي ضربات في الداخل العراقي كي لا تنقلب النتائج ضد الوجود الأميركي هناك- ولكن داخل سورية.

ومن خلال تقدير العمليات العسكرية، فبعد مئات الضربات منذ اندلاع الحرب في سورية، تأكدت تل أبيب أن دمشق لن ترد لأنها لا تريد فتح معركة في الوقت الراهن لهشاشة الوضع الاقتصادي والعقوبات القاسية التي يفرضها الغرب على الشعب السوري ليَحمله على الانقلاب على الدولة.

لكن الأمور يمكن أن تتغير مستقبلاً، خصوصاً أن موسكو «عدلت في مواقفها الرمادية» وبدأت تتخذ مواقف أكثر إدانة ضد إسرائيل لتدخّلها العسكري وضرباتها في سورية وإيران.

إنها رسالة منضبطة ومدروسة، والعمليات المجهولة ليست فعلاً مجهولة، كما يُراد إظهارها لأن الأطراف المعنية تعلم تفاصيل الرسائل التي تحملها هذه الضربات ومَن يقف خلفها.

وتحاول إسرائيل استخدام السلطة الفلسطينية لمحاربة ظاهرة الشباب المقاوم والذي لا ينتمي لأي فصيل معروف، خصوصاً بعدما وَعَدَ وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ان بلاده ستدرّب قوات السلطة لمكافحة هذه الظاهرة المُرْبِكة لإسرائيل.

إنها حرب مفتوحة، لأن إيران تعتبر إسرائيل عدواً عقائدياً منذ 43 عاماً وهي تعمل بكل ما في وسعها لدعم حلفائها خصوصاً في فلسطين لتُبقي الصراع مفتوحاً ومشتعلاً

ومن المعلوم أن عشرات الآلآف من عناصر الشرطة الفلسطينية يعملون تحت عنوان التنسيق الأمني مع إسرائيل للمحافظة على أمن الاحتلال وملاحقة المقاومين وسجنهم.

إنها حرب مفتوحة، لأن إيران تعتبر إسرائيل عدواً عقائدياً منذ 43 عاماً، وهي تعمل بكل ما في وسعها لدعم حلفائها خصوصاً في فلسطين لتُبقي الصراع مفتوحاً ومشتعلاً.

لكن هذه الحرب لا تتخذ منحى أوسع وأكثر فتكاً لأن الطرفيْن لا يريدان لها أن تذهب نحو التدهور المطلق ريثما تنضج الأمور وينجلي غبار المعركة بين موسكو وواشنطن، ليتحدد المسارُ المستقبلي في الشرق الأوسط، مع روسيا… منتصرة أم منهزمة.

السابق
إنخفاض طفيف في عداد الكورونا..165 اصابة جديدة ووفاة واحدة!
التالي
أسرار الصحف ليوم السبت 04 شباط 2023