نزعة الانبهار «تقتصّ» من اللبنانيين.. وتفكيرهم!

 
يعدّ الانبهار، ردة فعل أو استجابة إزاء ما يحصل من أحداث، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو حتى لو أتت متعلّقة بالحياة الشخصية للفرد. ولا يقتصر الانبهار فقط على كونه تعبيراً عن عفوية في التفكير، و إنما ينسحب أيضاً على النظرة المتعلّقة برؤية الفرد الذاتية والخاصة به، لكلّ ما يتمّ طرحه من مسائل، و تحويرها بحسب ما يتلاءم مع ما استدخله من قيم محيطه.

ويعني الانبهار، من الناحية اللغوية، اختطاف البصر نتيجة تعرّض العين لضوء قوي، بحيث يعجز الفرد عن النظر لبرهة قليلة. وكأن هناك حالة “عمى”. لذلك يأتي المعنى اللغوي ليسهم في اغناء مقاربة نزعة الانبهار.

يعني الانبهار من الناحية اللغوية اختطاف البصر نتيجة تعرّض العين لضوء قوي، بحيث يعجز الفرد عن النظر لبرهة قليلة وكأن هناك حالة “عمى”

 تؤثّر نزعة الانبهار في طبيعة تفكير الفرد، بطريقة تجعلها اندفاعية و لامنطقية، فيصبح هناك نوع من الانجرار في اتخاذ الموقف، والاندفاع نحو ممارسته عملانياً. و قد يتجسّد الاندفاع في سلوك، يحمل في الكثير من الأحيان عنفاً و عدوانية، يعكسان عجز الفرد عن رؤية عقلانية للأمور. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أنه يعاني من عمى، لكن بمعناه الرمزي.

 وكأي شعب، يعيش تحت وطأة ازمات تجتاح حياته من كل حدب و صوب، و خصوصاً في السنوات الأخيرة، التي حملت معها تغييراً “طفولياً”، إن جاز التعبير، برزت نزعة الانبهار بقوة عند الشعب اللبناني، الذي أضحى مدمناً على متابعة الأخبار، علّه يجد ما يخفّف عنه الشعور بالاحباط، حيث تئن حياته النفسية و الجسدية تحت “نعليه”. وكأن هذه النزعة هي جرعة مسكّن أو مخدّر، تساعده على الهروب من آلامه .

تؤثّر نزعة الانبهار في طبيعة تفكير الفرد بطريقة تجعلها اندفاعية ولامنطقية فيصبح هناك نوع من الانجرار في اتخاذ الموقف

ويصبح، في كلّ مرة، بحاجة إلى جرعة أقوى و أقوى. هي أشبه بجرعة مخدرات، لا أكثر و لا أقل!وإذا ما قاربنا هذا الواقع، فمن الملاحظ أن نزعة الانبهار لم توفّر أحداً من اللبنانيين. إذ نجدها، أيضاً، عند حاملي الشهادات العلمية، و الذي من المفترض امتلاكهم قدرة اكبر على التحليل المنطقي. و كأن كل ما اكتسبوه من سنوات الدراسة الجامعية، لم يتم استدخاله ليشكّل لديهم شخصية “عقلانية”، ولم يكن سوى جواز مرور إلى الوظيفة. ولسنا هنا في صدد الدخول في تحليل سيكولوجي عميق، لكن كان لا بد من المرور على هذه الملاحظة، بهدف الكشف عن مدى خطورة هذه النزعة. ويكشف لنا تناول هذه النزعة، مدى انعاكسها السلبي على اتخاذ المواقف عند اللبنانيين، الذين هم “معبّئين” طائفياً في الأصل، لتكشف أكثر عن عدوانيتهم الكامنة تجاه من يختلف عنهم. فنراهم ينشطون بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي، و يطلقون الأحكام اللاعقلانية، مدّعين بأنهم أصحاب رؤية موضوعية. ولكنها في الاساس، تعدّ ترجمة لاتجاهاتهم الطائفية أكثر منها الوطنية.

واذا ما عمدنا أكثر إلى تحليلي أعمق، فإننا نلاحظ أن وعيهم ينتفض فجأة من غيبوبته، و يذهب إلى التطرّف في اتخاذ الموقف. وحتى بالنسبة لمن يدّعون أنهم حاملو التغيير ، فإنهم ينتظرون اعادة اعتبار لقضية أو مسألة كامنة، تنتظر الفرصة لكي تنتفض و تفرض نفسها، ليتمّ توظيفها لمصالح قد لا تمتّ للتغيير الإيجابي بأي صلة.

ومما لاشكّ فيه، يحصل كل هذا، عندما ينطلق الاندفاع الغوغائي عند الناس، فيعمل مدعو التغيير على توظيفه. جاء التغيير عبر انتفاضة ١٧ تشرين، ليعكس بقوة نزعة الانبهار و ليترجمها عملانياً، سواء كان عبر الشارع أو وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أظهرت التحركات في الشارع، أن قسماً لا بأس به من المتظاهرين، شاركوا في الانتفاضة من دون أن يعلموا مآل ما يقومون به بالرغم من ازدياد الأحوال الاقتصادية والاجتماعية سوءاً. بمعنى أنهم كانوا يشاركون وحسب! . و قدّم قسم آخر من المشاركين الطاعة لزعمائهم “المؤلّهين” أو “المقدّسين” أصحاب الانتصارات، فانسحبوا من الانتفاضة.

ولا نرمي هنا إلى تشويه انتفاضة محقّة، و لا إلى التقليل من شأنها، لكن كان لا بدّ من عرض واقعي لما جرى، ليتم الكشف عن اندفاع لا عقلاني عند الكثيرين. و قد تبدّى هذا الاندفاع لصالح أشخاص أكثر منه لصالح قضية وطنية و أما فيما يتعلّق بالسلطة، فلا يمكن تبرئتها من هذه الجريمة في حقّ شعبها ، فهي التي دأبت على طرح المواضيع المصيرية من منظور طائفي متعمّدة بذلك تعزيز نظام طائفيّ يخدم زعماء المافيا الطائفية على حساب مؤسسات الدولة و حقوق شعبها. 

تعكس نزعة الانبهار عنفاً انفعالياً لدى الفرد وتحرّكه غريزياً في اتخاذ المواقف فيمتنع عن فهم القضية و تحليلها

تعكس نزعة الانبهار عنفاً انفعالياً لدى الفرد، و تحرّكه غريزياً في اتخاذ المواقف، فيمتنع عن فهم القضية و تحليلها. لأنه عندما يحاول أن يفهم، ينتابه شعور بالخوف من التفكير، الذي يدفعه إلى مواجهة جهله. وكأن هذا الامتناع هو أوالية انكار، لعدم قدرته على التحليل والتفكير. كما نراه يعجز عن تأكيد موقفه ، ويجد نفسه في حالة “تلبّك” و عدم ثبات في الرأي . تسهم نزعة الانبهار في فصل الفرد عن كل ما هو منطقيّ . لذلك يندفع في اتخاذ المواقف دون رؤية عقلانية.

خلاصة القول، يعدّ الشعب اللبناني، فريسة سهلة لأي حدث قد يحصل، أو لأي قضية قد تطرح، لأنه باختصار، فاقد القدرة على ما يسمّى بالشك المنهجي و التحليل العميق . ويعود السبب في ذلك إلى عملية استلاب، قام بها من أعطوا لأنفسهم الحق في توظيف، ما اكتسبه من موروث رجعيّ، ليصار إلى تشكيل ميوله السياسية.

 وتبقى نزعة الانبهار عند اللبنانيين و ما يصدر عنها من مواقف ضجيجاً لا نفع منه!.

السابق
ارجاء لقاء برّي – جنبلاط الى الغد.. والسبب؟
التالي
موت صحيفة؟ أم موت صحافة؟