حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل يستنزف «الدم الاوروبي» العلاقة مع إيران؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يحصل أن مرّت العلاقة بين ايران، ودول الاتحاد الاوروبي وقبل تشكيل الاتحاد، بمثل ما تمر به هذه الايام، حتى في فترة بداية التسعينيات من القرن الماضي، وما رافقها من سحب السفراء الاوروبين من العاصمة الايرانية طهران، بعد سلسلة اتهامات وجهتها هذه الدول للنظام الايراني، بالمسؤولية عن سلسلة عمليات اغتيالات لمعارضين اكراد في فيينا عام 1989، العملية التي استهدفت عبدالرحمن قاسملو، زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني الايراني، ولاحقا امين عام الحزب نفسه صالح شرفكندي عام 1992 في برلين. وحتى في اثناء ازمة الرهائن الغربيين في لبنان بداية الثمانينيات، وكان من بينهم نحو 71 اوروبيا من اجل 96 رهينة (25 رهينة امريكية). في قمة بغداد 2 التي استضافتها العاصمة الاردنية عمان قبل اسابيع، وفي احدى الجلسات التي لم يشارك فيها الوفد الايراني، اقترح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المشارك في هذه القمّة على طاولة المباحثات، مسألة التعاون لمحاصرة ايران وتقليص نفوذها في العراق، وما يعنيه ذلك من الحدّ من قدرتها على النفوذ، داخل آليات القرار العراقي السياسي والاقتصادي. 

باريس بدأت بنزع القفازات في التعامل مع طهران في مختلف الملفات التي تعتقد انها ذات اهتمام مشترك وتشكل نقاط اشتباك مباشر لها او لحلفائها من الدول العربية

التغيير في الموقف الفرنسي من التعامل مع النظام الايراني، وازمة واشكالية نفوذه في الاقليم كان مؤشراً واضحاً على موقف اوروبي، او على الاقل فرنسي، من السلطة الايرانية، وان باريس بدأت بنزع القفازات في التعامل مع طهران، في مختلف الملفات التي تعتقد انها ذات اهتمام مشترك  وتشكل نقاط اشتباك مباشر لها او لحلفائها من الدول العربية. فالرئيس الفرنسي ابدى في السابق، الكثير من الحرص على التنسيق مع الجانب الايراني، من اجل التوصّل الى رؤية مشتركة، تساعد على تفكيك الازمة اللبنانية، تكون محل قبول ايراني وتحظى بالحد الادنى من الرضا العربي الخليجي، ولم يتخلّ ماكرون عن هذه الجهود، على الرغم من عدم التجاوب الايراني في ذلك، وأصرّ على الاستمرار في التواصل مع الحكومة الايرانية، ورئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي، وتوسيع نقاط البحث والتفاوض معه لتشمل العراق وملفات الشرق الاوسط. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: المصالح الامريكية الايرانية في «خندق واحد»!

التعامل الاوروبي المحايد الاقرب الى الايجابية مع النظام الايراني، لم يكن مقتصراً على الجانب الفرنسي، بل كان صفة عامة اوروبية، وتحديداً المانيا او دول الترويكا الاوروبية، الشريك الفاعل والاساسي في السداسية الدولية في المفاوضات حول ملف النووي، وابدت الكثير من الحرص على استمرار قنوات التواصل معها، ولعب دور الوسيط بينها وبين واشنطن، لمنع انهيار التفاهمات واتفاق عام 2015، الذي يسمح باستدامة الرقابة الدولية على الانشطة النووية لطهران. 

وقد عملت هذه الدول، بقيادة منسقة السياسات الخارجية للاتحاد فردريكا موغريني، لاقناع الرئيس الامريكي الاسبق دونالد ترامب وادارته، بخطورة قراره الانسحاب من الاتفاق النووي، وانعكاسات ذلك سلبياً على آليات التعامل مع ايران، والتعاون معها في المجال النووي وكل الملفات الاخرى المتأزمة، والتي تشكل مسرح نفوذ ودور لايران. الاحتضان الاوروبي، وعلى وجه الخصوص من قبل باريس ولندن وبرلين، لانشطة الجماعات المعارضة الايراني في الخارج، والمواقف التصعيدية التي اتخذتها هذه العواصم المؤيدة لحركة الاحتجاجات، والمطالب التي رفعها المتظاهرون في شوارع المدن الايرانية في الاشهر الماضية، لم يكن الهدف منه لدى هذه العواصم، الدخول المباشر في مشروع تغيير النظام او اسقاطه، بل كان هدفها ايصال رسالة الى القيادة الايرانية، بضرورة وحتميّة تغيير سلوكها داخلياً وخارجياً.

 وهنا تدخل على المشهد في الموقف الاوروبي التصعيدي بوجه النظام الايراني، أزمة الدور الذي تقوم به طهران، في دعمها لروسيا في حربها على اوكرانيا، لان الاستخدام الروسي الواسع للطائرات المسيّرة الايرانية، استطاع التأثير على الاوضاع الميدانية في الحرب، واعاد ميزان القوى لصالح موسكو، بعد ان واجهت الآلة العسكرية الروسية، وتواجه صعوبات في التصدي للهجوم المعاكس، الذي قامت به القوات الاوكرانية، المدعومة بكل التقنيات الحربية المتقدمة الاوروبية والامريكية. فاوروبا تعتقد انه الدعم الايراني لموسكو، والذي قد يتوسع ليشمل تزويدها، بانواع من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، يعني تورط ايراني مباشر في “الدم الاوروبي” والمساعدة على تغيير موازين القوى، داخل المنظومة الاوروبية لصالح حليفها الروسي، وهذا ما لا يمكن ان تقبل به هذه الدول، وبالتالي هي على استعداد للقيام باي اجراء او عمل، يمكن اعتباره عقوبة لايران. 

من هنا جاء التصعيد الاوروبي الاخير، ومن بوابة القرار الذي اقره البرلمان الاوروبي، بادراج مؤسسة حرس الثورة على لائحة المنظمات الارهابية، واصدار توصية لمجلس الاتحاد، بتبني هذا القرار رسمياً، ونقله من المستوى النظري الى المستوى العملي، والذي قد يساعد في تمهيد الطريق، امام عملية اعادة احالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن، وفتح الطريق لاعادة تفعيل آلية الزناد، التي تسمح بتفعيل جميع العقوبات الاقتصادية الدولية القديمة الحديثة ضد ايران، برعاية واشراف مجلس الامن الدولي، وتحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، ومن دون ان يكون للحليف الروسي او الشريك الصيني، ايّ قدرة على التعطيل. واذا ما كان اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، لم يأخذ بتوصية البرلمان، بادراج حرس الثورة على لائحة الارهاب، وقد يكون ذلك محاولة لاستيعاب الهجوم الايراني المعاكس، الذي لوح بامكانية الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار اسلحة الدمار الشامل، وادراج الجيوش الاوروبية على لائحة الارهاب الايرانية، ما يعني حتمية الذهاب الاوروبي الى خيار مجلس الامن وتفعيل العقوبات، وهو ما لا يريده كلا الطرفين.

الموقف الاوروبي التصعيدي بوجه النظام الايراني زاد مع دعم طهران لروسيا في حربها على اوكرانيا لان الاستخدام الروسي الواسع للطائرات المسيّرة الايرانية، استطاع التأثير على الاوضاع الميدانية في الحرب

 في المقابل فان الاتحاد الاوروبي، لم يترك الامور تجري ضمن الاهواء الايرانية، اذ ترك الباب مفتوحاً امام خطوة مماثلة في المستقبل، وقد يدفع احدى الدول الاعضاء، لاصدار احكام قضائية تدين الحرس الايراني بالارهاب، وبالتالي يصبح الباب مفتوحاً لقرار اوسع واشمل. الا ان مثل هذه الخطوة تبقى مشروطة، بمدى استجابة السلوكيات الايرانية، للخطوط الحمراء الاوروبية في علاقاتها مع روسيا، واستعدادها للعودة الى المسار التفاوضي حول البرنامج النووي، بما يسمح باستئناف عمليات الرقابة الدولية.

السابق
بعدسة «جنوبية»..تظاهرة نسوية للمطالبة بإقالة عويدات!
التالي
جريحان اسرائيليان جديدان..«عملية فدائية» ثانية خلال ساعات «تهز» القدس!