حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: المصالح الامريكية الايرانية في «خندق واحد»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم تكن ردّة الفعل الايرانية مفاجئة، على اللقاء الثلاثي الروسي السوري التركي في موسكو قبل نحو شهر، والذي ضم وزراء دفاع الدول الثلاث مع قادة الاجهزة الامنية، والذي جاء تتويجا لمسار من المواقف الليّنة، التي اطلقها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تجاه سوريا، واستعداده لعقد قمة مع الرئيس السوري بشار الاسد، مؤكداً أنّ لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في السياسية. 

طهران التي وجدت نفسها خارج المتسجدات او مستثناة عن هذه الحوارات والتطورات تحولت الى طرف تجري من تحته المياه


طهران التي وجدت نفسها خارج المتسجدات، او مستثناة عن هذه الحوارات والتطورات، تحولت الى طرف تجري من تحته المياه، فالكشف عن لقاء موسكو، وما فيه من تفاهمات على لقاءات اخرى، على المستوى السياسي ووزراء الخارجية، تمهيدا لتتويجه بالقمة الرئاسية، كلّها جرت من دون ان يبادر اي من الحليفين اللذين تعتبرهما استراتيجيين، سوريا وروسيا، باطلاعها على ما يدور من جهود ومساع، او يستشيرانها او يشركانها في هذه المساعي، باعتبار انها شريكة لهما في المصالح والاهداف والاثمان، التي دفعت في معركة اعادة تثبيت النظام واستعادة سلطته وسيطرته. 

التحرك السريع لوزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان يكشف حجم الخديعة التي تعرضت لها طهران

التحرك السريع لوزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان، يكشف حجم الخديعة التي تعرضت لها طهران، والنظام الايراني الذي راهن بكل رصيده الشعبي والديني والسياسي، في معركته ومشاركته الى جانب النظام السوري في مواجهة الانتفاضة الشعبية، ولاحقاً في حربه ضد الجماعات الارهابية ومعركة استعادة السيطرة. بالاضافة الى الضغوط التي تتعرض لها من المجتمع الدولي، نتيجة تحالفها مع موسكو واتهامها بتقديم الدعم العسكري لروسيا في حربها على اوكرانيا، والذي بات يشكل محور الضغوط الغربية، وسلسلة العقوبات المتوالية التي عادت واشنطن لسياسة فرضها، ودخول الدول الاوروبية على هذا المسار، باعتماد سياسة العقوبات، بناء على عقيدة اوروبية بان حجم الدعم الذي تقدمه طهران للجانب الروسي، يصنف في خانة الشراكة العسكرية في هذه الحرب الموجهة ضد الاوروبيين. وقد زاد من تعقيد الموقف الاوروبي من ايران، ان الاخيرة عرقلت وماطلت في العودة الى الاتفاق النووي واعادة احيائه، لاستغلال الحاجة الاوروبية لمصادر الطاقة، وامكانية استخدامها للحصول على تنازلات منهم. وعلى الرغم من التشويش الذي احدثه التحرك الايراني، باتجاه دمشق وانقرة وبعدها موسكو، يمكن القول ان طهران استطاعت الى حدّ ما، اعادة تثبيت مواقعها في المعادلة السورية، من خلال دفع الدول الثلاثة، لاعتماد صيغة مسار استانه الثلاثي، لكن هذه المرة بمشاركة النظام في دمشق، بما ينسجم مع رؤيتها الاستراتيجية، القائمة على مبدأ الحفاظ على وحدة الاراضي السورية، بما فيها المناطق التي تخضع لسيطرة القوات التركية مباشرة، او تلك التي مازلت تحت سيطرة الفصائل المسلحة للمعارضة، وان تحصل انقرة في المقابل، على ضمانات من دمشق لأمن حدودها ومصالحها، برعاية ايرانية روسية، والعودة الى “اتفاقية اضنة” عام 1998، التي قد يحصل فيها بعض التعديلات غير الجوهرية لمزيد من الطمأنة،  بالاضافة الى ضرورة حل ازمة اللاجئين، والاتفاق على توفير مخرج لها، لا يكون على حساب مصالح اي من الاطراف، والمساعدة في معالجة مصادر القلق التركي، من اي مشروع كردي قد يهدد الداخل والمصالح التركية، فضلا عن عدم السماح باي تعديل في الوضع الجيوسياسي لسورية  وانشاء منطقة حكم ذاتي كردي على اراضيها  لما له من تداعيات مستقبلية على المناطق الكردية داخل تركيا، والتي لن تكون ايران بعيدة عنها، خاصة بعد الحراك الاخير، وما شهدته المحافظات الكردية من معارك قاسية، بين القوات المسلحة الايرانية والاحزاب الكردية الايرانية، التي اعادت رفع شعاراتها المطالبة بحكم ذاتي، او الانفصال عن ايران كبداية لتشكيل دولة كردستان الكبرى. 

العقوبات اخذت هذه المرة طابعاً، يرتبط بمنظومة الامن في حلف النيتو، نتيجة العلاقة المتطورة للنظام الايراني مع روسيا التي برزت بشكل واضح في الطائرات المسيرة الانتحارية التي تستخدمها موسكو في حربها على اوكرانيا


وفي ذروة التصعيد الامريكي الايراني، المفتوح على مختلف المستويات النووية، وحقوق الانسان والحريات ودعم الحراك الشعبي المعارض، فان العقوبات اخذت هذه المرة طابعاً، يرتبط بمنظومة الامن في حلف النيتو، نتيجة العلاقة المتطورة للنظام الايراني مع روسيا، التي برزت بشكل واضح في الطائرات المسيرة الانتحارية، التي تستخدمها موسكو في حربها على اوكرانيا. في ذروة هذا التصعيد، وانطلاقا من مصالحها الاستراتيجية، ابدت الادارة الامريكية عدم ارتياحها وهواجسها وقلقها، من تعمق التوجه التركي نحو روسيا، وما ابدته انقرة من استعدادها للذهاب، الى كسر القرار الامريكي، الذي يفرض عقوبات مشددة على النظام السوري، ويضعه تحت عقوبات قاسية تحت قانون قصير. ويبدو ان ادارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، كانت تنتظر مثل هذه الفرصة التي وفرها الاستياء الامريكي من النتائج، التي ينتهي لها لقاء موسكو، خاصة وان واشنطن، لا ترغب في تقديم هدايا مجانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يقود حرباً ضد اوكرانيا ومن ورائها الدول الاوروبية، فضلا عن امكانية ان يؤدي هذا التقارب التركي السوري برعاية روسية، الى ردة فعل ايرانية، ويدفع طهران لاتخاذ خطوات تصعيدية لعرقلة هذا المسار الذي بدأ، وقد يؤدي الى اخراجها من المعادلة السورية او يضعف شروطها واوراقها. 

هذه الاستجابة التركية للرغبة الامريكية، سمحت لانقره في تسهيل مهمة الوزير الايراني عبداللهيان


وهنا قد تتحول زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الى واشنطن مدخلا للاستجابة الى قلق واشنطن من تقارب أنقرة مع دمشق، خاصة بعد الموقف التركي الذي تحدث عن الحاجة لمزيد من الحوار والتفاهم، حول العديد من النقاط مع دمشق، وبالتالي ترك اللقاء السياسي بين وزراء خارجية البلدين معلقاً، من دون تعيين موعد محدّد له، بعد ان كان الحديث يدور عن ايام لعقده. وهذه الاستجابة التركية للرغبة الامريكية، سمحت لانقره، في تسهيل مهمة الوزير الايراني عبداللهيان، الذي زارها لبحث آليات العودة الى مسار استانه، والتأكيد على عمق التعاون الايراني التركي، على جميع المستويات الاقتصادية والاقليمية.

السابق
الليرة في انهيار مستمر.. الدولار يقترب من عتبة الـ 51 الفا!
التالي
الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات ضد 37 مسؤولا ومؤسسة في النظام الإيراني