حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل «إنفخت الطبل» وتفرق «عشاق» إيران؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

منذ الاعلان عن اللقاء الثلاثي، لوزراء الدفاع وقادة الاجهزة الامنية الروسية والتركية والسورية في موسكو، برعاية ومشاركة وزير الدفاع الروسي سرغي سويغو، الذي استضاف نظيريه التركي خلوصي اكار والسوري علي محمود عباس، الى جانب هاكان فيدان علي المملوك في الجانب الامني، والنظام الايراني يعيش حالة من الترقب لما سيخرج عن هذا اللقاء من نتائج، خاصة وانه جرى بعيدا عن المشاركة الايرانية. 

النظام الايراني يعيش حالة من الترقب لما سيخرج عن هذا اللقاء من نتائج خاصة وانه جرى بعيدا عن المشاركة الايرانية

الخطوط العامة للقاء الثلاثي، والذي وصفته الوفود المشاركة بانه كان “مثمرا وبناءا”، جاء نتيجة لسلسلة من اللقاءات التمهيدية على المستويين العسكري والامني، من دون مشاركة المستوى السياسي، لكنه سمح للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، بالكشف عن وجود نية لديه لعقد لقاء مع نظيره السوري بشار الاسد، وهو لقاء يبقى رهينة التقدم في النقاط، التي جرت حولها المفاوضات في موسكو، والتي من المفترض ان تتبلور سياسيا في اللقاء بين وزير خارجية البلدين فيصل المقداد ومولود جاووش اوغلو. 

الخطوط العامة للقاء الثلاثي، والذي وصفته الوفود المشاركة بانه كان “مثمرا وبناءا” جاء نتيجة لسلسلة من اللقاءات التمهيدية على المستويين العسكري والامني من دون مشاركة المستوى السياسي

طهران القلقة من التحركات التركية على حدودها الشمالية الغربية باتجاه القوقاز، والذي يترافق حسب السردية الايرانية، مع تزايد الدور والنفوذ الاسرائيلي على حدودها مع دولة اذربايجان، فانها تتهم انقره بمحاولة زعزعة استقرار منطقة القوقاز وصولا الى اسيا الوسطى، بهدف محاصرة ايران واحداث تغيير في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، بحيث تفقد ايران معبر زنكزور، الشريان البري الحيوي الذي يربطها باوروبا عبر ارمينيا وجورجيا، الى جانب مساعيها لانشاء اتحاد قومي للدول الناطقة بالتركية، او تضم شعوبا من اصول تركية. 

الكشف عن لقاء موسكو، اصاب النظام الايراني بحالة من الارباك وعدم التوازن، خاصة وان طرفين اساسيين المشاركين فيه، يعتبران حلفاء له، ومازال يدفع الاثمان نتيجة هذه التحالفات والعلاقات في علاقاته مع المجتمع الدولي، والعقوبات التي تفرض عليه والعراقيل التي توضع امام اعادة احياء الاتفاق النووي، خاصة في الازمة الاوكرانية التي تكاد تتحول الى مستنقع قد تغرق به ايران، بعد ان كشفت موسكو عن استخدامها لطائرات مسيرة انتحارية في حربها على اوكرانيا، الامر الذي اعتبرته الدول الاوروبية تورطا ايرانيا في موقف عدائي ضدها. 

الكشف عن لقاء موسكو اصاب النظام الايراني بحالة من الارباك وعدم التوازن

ردة الفعل الايرانية على التطور الحاصل على المسار التركي – السوري، جاءت بالاعلان عن تأجيل زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى تركيا، بذريعة جدول اعماله المزدحم داخليا، الا ان الاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يوم الاربعاء في 11.1.2023، والتأكيد في حديثه على ان “التعاون والتنسيق بين ايران وروسيا هما فقط الكفيلان بالتوصل الى حل ازمات المنطقة من بينها القوقاز وسوريا” وان ايران “طالما تؤكد على تعزيز التعاون الاقليمي واضرار التدخل الخارجي”، بالاضافة الى تشديده على “ضرورة ان تكون كل الجهود لحل الازمة السورية في سياق واطار مسار “استانه”. ما يظهر السبب الحقيقي لهذا التأجيل وخلفيات الانزعاج الايراني من الخطوات التركية، في المحيط الجيوسياسي والجيوستراتيجي لايران. 

رد الفعل الايرانية على التطور الحاصل على المسار التركي – السوري جاءت بالاعلان عن تأجيل زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى تركيا بذريعة جدول اعماله المزدحم داخليا

الزيارة الخامسة منذ توليه منصبه، قبل نحو سنة ونصف لرأس الدبلوماسية الايرانية حسين امير عبداللهيان الى العاصمة السورية، لا تخرج عن سياق تداعيات القلق الايراني من عودة الحرارة على خط العلاقات التركية السورية برعاية روسية. وقد كان واضحا في التعبير عن هذا القلق في محطته اللبنانية قبل التوجه الى دمشق، عندما اشار الى ضرورة ان تكون هذه الجهود في اطار مسار استانه بين تركيا وايران وروسيا، وضرورة مشاركة الدولة السورية فيه. اي محاولة التمسك بهذا المسار، من اجل الحفاظ على الدور الذي بدأت طهران تخسره. فهذا المسار الذي تم ترتيبه للحوار والبحث حول مستقبل الازمة السورية، وتصورات الحل الممكن لها، تحول في مراحله الاخيرة الى مسار ثلاثي يجري بين الاقطاب الثلاثة، بعيدا عن مشاركة الاطراف السورية المعنية، سواء الدولة او المعارضة، وكان النظام فيها الحاضر الغائب، وممثلا بالتقاسم بين ايران وروسيا، في حين صادرت تركيا المعارضة بكل اطيافها. 

وبالتالي فان لقاء موسكو، وحسب الاعتقاد الايراني قد يؤسس لنمط جديد في التعامل مع الازمة السورية، بادخال النظام بدلا عن الشريك الايراني، ما دفع الدبلوماسية الايرانية للتحرك، بمختلف الاتجاهات والعواصم المعنية بهذا المسار، لاعادة تثبيت موقعها على طاولة الحوار في مسار استانة، ومنع اخراجها من معادلة الحل وانهاء دورها، الذي قد يستتبع انهاءا لوجودها على الاراضي السورية.

لقاء موسكو وحسب الاعتقاد الايراني قد يؤسس لنمط جديد في التعامل مع الازمة السورية

ذلك ان الحكومة السورية تعاملت مع طهران بنوع من عدم المبالاة، عندما ارسلت معاون وزير خارجيتها ايمن سوسان، في زيارة العنوان المعلن عنها تعميق العلاقات وتوسيعها اقتصاديا وتجاريا، وغير المعلن هدفه وضع المسؤولين الايرانيين في اجواء لقاءات موسكو، عوضا عن ارسال الوزير فيصل المقداد، الذي من المفترض ان يتولى مهمة هذا التنسيق، ما لم يكن لدى دمشق رأي اخر حول الدور الايراني وشراكته في هذا المسار. 

زيارة عبداللهيان لن تقتصر على دمشق، اذ من المفترض ان يلتقي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو في 17 الشهر الجاري، لبحث التعاون الايراني الروسي في الازمات الاقليمية بمحورية الازمة السورية، فضلا عن حث الجانب الروسي للمساعدة وتسهيل عملية اعادة تفعيل المفاوضات النووية، لينتقل بعدها الى انقرة للقاء نظيره التركي مولود جاووش اوغلو، في زيارة مهمتها تثبيت المواقع الايرانية في المعادلتين السورية والقوقازية، اي اعادة تفعيل مسار استانه بكل مكوناته بالاضافة الى سوريا، بحيث لا يتم استبعاد ايران عن اي حل سياسي للعقدة الاخيرة، المتمثلة بالدور التركي وهواجسه الكردية في سوريا. 

التفاهمات، او اعادة تثبيت التموضع الايراني في المعادلة السورية، التي ستحتل جدول اعمال زيارات الوزير الايراني الى سوريا وروسيا وتركيا، ستكون المقدمة الاساسية والممهدة للزيارتين التي من المفترض ان يقوم بهما الرئيس الايراني الى انقره بعد تحديد الموعد النهائي لها في الايام المقبلة، وتساعد على تلبية الدعوة التي وجهها له الرئيس السوري لزيارة دمشق. بانتظار ذلك سيبقى القلق مخيما على القيادة الايرانية، من ان تتجمع سحب الخسائر النووية والاقليمية والدولية، في ظل اجواء ملبدة تحوي بالمزيد من التصعيد والتضييق عليها. 

السابق
رعد يكشف مواصفات حزب الله لرئيس الجمهورية.. هذا ما نريده!
التالي
رسالة من حمدان الى وزير العدل.. ماذا جاء فيها؟