موقعاً مجموعته الشعرية الأولى.. ندوة للشاعر نبيل مملوك في منتدى صور الثقافي

وقّع الزميل الكاتب الصحفي والشاعر نبيل مملوك مجموعته الشعريّة الأولى مشانق من لحية العتمة في منتدى صور الثقافي، وذلك بحضور عضو المكتب السياسي في حركة أمل الشاعر محمد غزال، المسؤول الثقافي لحركة أمل في إقليم جبل عامل الشيخ ربيع قبيسي والمسؤول الإعلامي السيّد علوان شرف الدين؛ رئيس المنتدى الثقافي الدكتور عمر خالد ونائبه الدكتور ناصر فران وأعضاء المنتدى وعدد من الشعراء والتربويين والمهتمين والأهل.

بدأ الحفل بتقديم الأستاذة منى جهمي التي أضاءت بشكل بانورامي على مفهوم الشعر وانعكاسه في مجموعة الشاعر بالاضافة إلى الاضاءة على اقتباسات من المجموعة.

ومن ثم القى الشاعر والمربي جورج غنيمة كلمة تطرق فيها الى طبيعة السرد في شعر مملوك وتوظيف الصور البيانية وطرح المعنى وعلاقته باللفظة مشيرًا إلى طريقة طرح الموضوعات والأفكار الرومنسية والمتمردة والإنسانية.

ليتقدم بعدها الدكتور والشاعر داوود مهنّا بطرح نقدي فكك فيه عنوان المجموعة على المنهج السيميائي والمقاربة الدلالية فضلا عن تطرقه الى القصائد والتناصات  التي دارت في فلكها وارتباطها بدلالات غنائية وفكرية.

وكان كلمة موسعة لمهنا جاء فيها:

“بداية، أبارك للصديق العزيز نبيل مملوك صدور مجموعته “مشانقُ من لحية العتمة”. قرأتُ هذه المجموعةَ التي تنتمي إلى قصيدةِ النثر، وهي مجموعةٌ تستحقُ أن تُقرأَ وأنْ نقفَ عندَها مليًّا.

منذُ سنواتٍ كان نبيل مملوك يرسلُ إليَّ بعضَ النصوصِ الشعريةِ طالبًا إبداءَ رأيٍ أو توجيهَ ملاحظات، وكنتُ أقرأُ تلكَ النصوصَ السابقةَ عمرَ صاحبِها. كنتُ أجدُ فيها بعضَ الانزياحاتِ المذهلةَ واللغةَ الجديدةَ التي تُنبئُ بولادةِ شاعر.
في مجموعة نبيل مملوك يلفتُنا بدايةً العنوان بحسبانِهِ عتبةً نصيةً يمكنُ أن نتبينَ فيها بعضَ ملامحِ السرد، ويبدو أن الشاعرَ قد اختارَ عنوانَ مجموعتِهِ بعنايةٍ فائقةٍ ليكونَ دالًّا على مدلولاتٍ مفتوحةٍ على احتمالاتٍ كثيرةٍ مكتنَزَةٍ بالصورِ المولَّدَةِ من دفقةٍ شعوريّةٍ عالية.

فالعنوانُ كما يُعَرِّفُهُ لوي هويك هو “مجموعةٌ من العلاماتِ اللسانيةِ التي تظهرُ على رأسِ نصٍّ ما، قصدَ تعيينِهِ وتحديدِ مضمونِهِ الشامل، وكذا جذبُ جمهورِهِ المستهدَف”. وهو تعريفٌ يقفُ على ثلاثةِ وظائفَ للعنوان، وهي: وظيفةُ تعيينِ النص (التّعيين الإجناسيّ)، وظيفةُ تحديدِ المضمون، وظيفةٌ تجاريةٌ (جذب المتلقي).

وتُعَدُّ السيميائيةُ من أهمِ المدارسِ النقديةِ التي أولَتِ العنوانَ اهتمامًا كبيرًا بحسبانِهِ مصطلحًا إجرائيًّا ناجحًا في مقاربةِ النصِ الأدبي، ونظرًا لكونِهِ مفتاحًا أساسيًّا بامتياز، لسبرِ أغوارِ النصِ العميقةِ بغيةَ استنطاقِها وتأويلِها.

اختار نبيل مملوك لمجموعته عنوانَ “مشانقُ من لحيةِ العتمة” وهو عنوانٌ يتكون من أربعِ مفردات، يمكننا الوقوفُ على الكثيرِ من التفاصيلِ الحكائيةِ فيها، كما يمكنُنا تلمُّسُ عنصرَي المكان والزمان أيضًا. تضعُنا الكلمةُ الأولى أمامَ نهايةٍ مُفجعة، إذ نتخيلُ تلكَ المشانقَ المعلقةَ، ثم يأتي الجار والمجرور (من لحية) لتغييرِ المشهدِ إذ تتدلى تلك المشانقُ مِنَ اللحية، ما يعني أنَ تلكَ اللحيةَ ذاتُ صفةٍ إجراميّة. وتأتي كلمةُ العتمةِ المؤنثةُ لِتَعْبُرَ بالدلالةِ نحو ضفةٍ أخرى. تحملُ تناقضًا حادًّا، فاللحيةُ معروفةٌ للمذكر، وهي دليلٌ على الرجولةِ والشرفِ خصوصًا في الشرق. لكنَّ الشاعرَ استخدمَها هنا محمّلةً برمزٍ خاص يوحي بالظُّلم والجهل والقهر والهمجية، مَعَ أنَّ العتمةَ ربما تحملُ أحيانًا دلالاتٍ رومنسيةً، لكنها في سياقِ العنوانِ اكتسبَتْ معنى الهمجيةِ والوحشيّة.

ويمكنُنا أيضًا تميُّزُ عُنصرَي الزمان والمكان من العنوان. فالزّمان يظهرُ جَليًّا في مفردةِ “العتمة” وهو الليل، والمكان هو مكان الشنق المتدلّي من اللحية. وهذا المشهدُ يُحيلُ إلى نوعينِ من الشخصيات: أوّلُهما الهمجيةُ التي تتحلقُ حولَ المشانقِ، وثانيهِما المحكومُ عليهم بالشنق.
هذا العنوان، على قساوته، يحمل محفزاتٍ دلاليةً كبرى تحرّضُ القارئَ على الكشف.

والمعروف أنّ قصيدةَ النثرِ تعولُ على الإيقاعِ الداخليِّ الذي يمنحُها قَدْرًا معيّنًا من الموسيقى، وينتجُ من تقنياتٍ مختلفة، فتمنُحها نظامًا إيقاعيًّا خاصًّا، يقومُ على التكرارِ واستعادةِ بعضِ العباراتِ والكلماتِ والصورِ بأشكالٍ مختلفة. وتعتمدُ قصيدةُ النثرِ على تفاعلاتِ الموسيقى الداخليةِ أو تكرارِ الوحداتِ المعجمية، وهي بذلك تحرصُ على إيجادِ كلِّ تقنياتِ هذا النوعِ من الموسيقى عندَ تشكيلِ السطرِ الشعريِّ أو الجملةِ الشعرية.

فالإيقاعُ الداخليُّ في قصيدة النثر هو محصولُ العلاقاتِ الداخليةِ للقصيدة، أي هناكَ ارتباطٌ وثيقٌ بالدلالةِ المرتبطةِ أساسًا بالصياغةِ اللغوية، التي هي عبارةٌ عن سلسلةٍ من الحركاتِ الصوتيةِ المقترنةِ بسلسلةٍ مِنَ الحركاتِ الفكرية، بحيثُ تكونُ هناك علاقةُ تأثيرٍ وتأثُّرٍ بين الإيقاعِ والدلالة.
يقول نبيل مملوك: القاربُ نصف تأشيرة/ الشاطئُ نصف حلم/ الغرقُ كابوس كامل.

يبدو الإيقاع واضحًا في هذه السطور الشعرية.
وعند الغوص في قصائد المجموعة، في قصيدة “رسالة إلى امرأة ثلاثينية” في مشهدٍ لطيفٍ جدًا يُذكّرنا باجتماعِ فيروز مع حبيبها في المقهى البحري، يقول نبيل مملوك: أنتِ تسبحينَ بطبيعتِكِ في فضاءِ الحاضر/ وأنا أتأملُ ألوانَكِ وأضحكُ/ كطفلٍ يسحرُهُ بهلوانٌ خفيفُ الخطوات.
وتظهر الميتاشعرية عندما يقول في القصيدة نفسِها: يومٌ واحدٌ أذهلتِنِي/ بِشَعْرك القصير المصبوغ/ كقصيدةِ نثرٍ لشاعرٍ عربيٍّ متسكّعٍ وأحلامُهُ في الغربِ البعيد/
أيضًا عندما يقول: الشعراءُ الذين يغلقون “حنفية” النزيف في العلن/ يجرحونَ أنفسَهم ألفَ مرة في السر.

أخيرًا،
قصيدةُ النثر لا تتعثَّرُ في دخولِ مملكةِ الشعر، صحيحٌ أنها لا تعتمدُ قوانينَ الشعر، لكنَّها تعتمدُ نَسَقًا خاصًّا، أي تُوجِدُ نظامًا خاصًا لا تُلزِمُ نفسَها فيه، بل تُسْقِطُه في اللعبةِ ذاتِها، لهذا فهي شكلٌ مُنَصّصٌ في صورةٍ فردية، ما يُلغي أيةَ قيودٍ وحدودٍ مُسْبَقَةٍ ومُعْلَنَة. وهي شكلٌ اجتهاديٌّ في صورةٍ مفتوحة. إذا قلنا إنَّ النَّظْمَ هو التَّحَكُّمُ المُسْبَق، وقصيدةُ النثر هي التَّحَكُّمُ اللاحق، ما يعزِّزُ فيها العنايةَ الأقوى بالصورة، وبالنَّظمِ كذلكَ لكنْ بمعناهُ التركيبي. وقصيدةُ النثرِ تُغَيّبُ أيَّةَ مرجعيةٍ مفروضة (أعني البحور) وبالتالي تغيِّبُ أيَّةَ سلطة. حتى إنَّ الشاعر الفرنسي اندريه بيار دي منديارغ وَصَفَها بالقصيدة “الغامضة” أو “المُلتبِسة” إلاَّ أنَّ مصدر حَيْرَتها هو مصدر قوّتِها كذلك.

يقول نيتشه: لسنا حُذّاقًا كفايةً لكي نتوصَّلَ إلى رؤيةِ الجَرَيانِ شِبْهِ المُطْلَقِ للمقُبل. والثابتُ لا يستديمُ إلا لأنَّ أعضاءَنا الفظَّةَ تختصرُ الأشياءَ وَتُعيدُها إلى مُخَطَّطاتٍ عمومية، فيما لا يوجدُ شيءٌ وفقَ هذه الصورة. فالشجرةُ هي في كلِّ لحظةٍ شيءٌ جديد، ونحنُ نعملُ على تثبيتِ الشكلِ لأننا لا نُحْسِنُ التقاطَ الرهافةِ في الحركةِ المُطْلَقَة.
صديقي نبيل مملوك، قصائدُك انطلاقٌ في هذا البحر الواسع، فافتح صدرك للريح، واجه الأنواء العاتية، لكن حذار أن تخاتلك نسمة فتتبعها.
مبارك هذا الإصدار الجميل وإلى مزيد من الإصدارات اللاحقة”.

واختتم الحفل بكلمة للشاعر شكر فيها الحضور والقى بعدها مقاطع من الكتاب. ومن ثم توقيع الكتاب والتقاط الصور التذكاريّة.

السابق
«يعتقدون اننا مقصرون».. عثمان‬⁩: نعيش الهاجس يومياً
التالي
السعودية تُدين الاعتداء على «اليونيفيل» جنوب لبنان.. وتطالب باجراء تحقيق فوري