التياى الحر غاضب.. الجلسة الوزارية تشعل نار الخلافات

التيار الوطني الحر

 لم تكن هذه الجلبة السياسية حول انعقاد مجلس الوزراء مفاجئة، بل انّ ما يجري هو واحد من الفصول الاشتباكية التي حُضّر لها منذ ما قبل دخول لبنان في الفراغ الرئاسي، وتوعّد بها المشتبكون على حلبة الصلاحيات.
هي لعبة تسجيل نقاط لا أكثر، تديرها صبيانيات ومراهقات ومنطق الضغائن والأحقاد، وإرادات ورغبات هدّامة، في ظرف بلغت فيه الدولة أعلى درجات التحلل، والخطر الاكبر لا يتجلّى فقط في نصب الكمائن واللغة الفوقية التي ترافقه، بل في انحدار الخطاب السياسي الى إنزال سلاح الدمار الشامل إلى ساحة المعركة، بصبّ الزّيت على نار الإنقسامات السياسية، وإنعاش الإصطفافات الطائفيّة والمذهبيّة البغيضة، وضبط مرحلة الشغور في رئاسة الجمهورية على إيقاعها.

مشهد البلد باصطفافاته وانقساماته بات أفقه مفتوحاً على كلّ شيء، ويثير المخاوف الاكثر من جدية، من أن تنحدر به ارادة المواجهة والصدام الأقوى من كل مسعى توافقي، الى واقع جديد يُنشىء “بنك تداعيات” يعجز البلد بوضعه المتفكّك والمهترىء عن مجاراة أعبائها ودفع فاتورتها الغالية او الخروج من متاهتها وهنا ذروة الكارثة.

وبمعزل عن اهداف ومبررات وغايات اطراف الاشتباك، وعَمّن هو المحق؛ اصحاب المنطق القائل بالصّلاحيات أولاً وعدم جواز ان تقوم حكومة غير موجودة مقام رئيس الجمهورية، وتمارس صلاحيات خلافاً للدستور، او اصحاب المنطق القائل إنّ ضرورات الناس توجب انعقاد مجلس الوزراء، فإنّ المنطقين كليهما، المستند كل منهما على فصيل سياسي وطائفي يدعمه ويبرره ويغطّيه، لا يغيّران في حقيقة أنّ حبلاً يُشَدّ أكثر فأكثر على خناق البلد واهله. ولعل الحقيقة الاكثر سطوعاً تتبدّى في أنّ جميع اطراف هذا الاشتباك محشورون في ضعفهم وتساقط أوراق قوّتهم، وبإفلاسهم وفشلهم في صياغة تفاهمات وابتداع حلول موضوعية تفتح ابواب الخلاص من الازمة وكل متفرعاتها السياسية والرئاسية والاقتصادية والمالية.

هذه الصورة، في رأي مصادر سياسية مسؤولة، آيلة الى السقوط في مزيد من الارتجاج، طالما استمر الدوران في الحلقة المفرغة، وطالما ان هناك من هو مُصرّ على صبّ الزيت على نار التصعيد وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية.

وقالت المصادر لـ”الجمهورية”: ما حصل كان متوقعا، وفي هذا الوضع الشاذ رئاسيا وسياسيا، تبقى الاحتمالات قائمة في أن يتجدد الاشتباك السياسي في أي وقت وتحت اي عنوان، والبلد وحده يدفع ثمن اشتباكات لا طائل منها، ناهيك عن معاناة اللبنانيين التي تزيدها مصاعب الازمة قساوة ووجعاً.

وعلى الرغم من الأجواء السياسية المحتدمة وحماوة الخطاب المتبادل، فإنّ مرجعاً مسؤولاً لا يُقلّل من حجم الخلاف الداخلي وعمق الانقسام بين المكونات السياسية، وسأل عبر “الجمهورية”: كم من الوقت سيضيّع بعد، لكي تدرك اطراف الانقسام الداخلي بأن لا إمكانية لغلبة احد على أحد، ولأن يملي هذا الطرف مشيئته على سائر الاطراف؟ ان الرهان على مثل هذا الامر هو رهان مسدود، ومن هنا وبرغم الحدة القائمة، فالأمور غير مقفلة نهائياً، والوقت لم يستنفد بعد، امام مبادرة مختلف الاطراف في الداخل الى جعل الواقع المسدود فرصة على قاعدة “اشتدّي يا أزمة تنفرجي”، ومحفّزاً اكبر على التشارك في انهاء الوضع الشاذ، والانصياع لمنطق الحل الداخلي والتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ومن دون ذلك فإنّ استمرار المنحى القائم على ما هو عليه من حِدة، ومن مراكمة لعناصر الانفجار، سيقود البلد وأهله الى الإنتحار.

وقيل للمرجع عينه ان الاجواء الداخلية تشي بأنّ الحل الداخلي مستحيل: المجتمع الدولي لا يشتغل عندنا، واكثر من ذلك فقد مَلّ منّا ومن قوله للبنانيين ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم، والمؤسف ان ثمة من لا يقرأ جيداً اهتمامات الدول الخارجية وأولويّاتها، وما يزال يراهن على الخارج وينسب الى بعض الدول مبادرات وما الى ذلك، فيما الحقيقة هي خلاف ذلك، المجتمع الدولي وعلى رأسه الاميركيون والفرنسيون، يُلقي المسؤولية الاساسية على اللبنانيين في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تباشر بمهمة الانقاذ والاصلاح، هذه هي حدود المقاربة الخارجية للملف اللبناني، وكل الديبلوماسيين العرب والاجانب يؤكدون ذلك. لذلك آن أوان الاقتناع بأنه لن يساعدنا احد، ولن يبادر الينا أحد، ولا جدوى من انتظار المجهول، وهذا يعني ان علينا ان نقلّع شوكنا بأيدينا.

وكما بات واضحاً، فقد شكّل انعقاد مجلس الوزراء امس عنوانا خلافيا حادا، كان من نتائجه السريعة، ليس فقط منطق كسر العظم القائم الذي يحكم العلاقة بين التيار الوطني الحر ورئيس حكومة تصريف الاعمال، بل الارتجاج السريع في العلاقات السياسية وخصوصاً بين مَن يُصنّفون في خانة الحلفاء.

على ان اوساطاً قريبة من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لا تقارب انعقاد جلسة مجلس الوزراء من زاوية تسجيل نقاط، بل من زاوية الحق البديهي للحكومة في ممارسة صلاحياتها تبعاً للقواعد الدستورية التي ترعاها. ولعل في مقدمة ذلك تندرج مقاربة ضرورات وأوجاع الناس ومتطلباتهم في مجلس الوزراء بالقدر الاعلى من المسؤولية، وليس على قاعدة رهنها لبعض المزاجيات وإدخالها في بازار الابتزاز والتصعيد”.

في المقابل، وبحسب مصادر مواكبة لهذا الاشتباك، فإنّ التيار الوطني الحر مستفزّ من انعقاد الجلسة، ويقارب مشاركة بعض الوزراء فيها بغضب واضح، متّهماً رئيس حكومة تصريف الاعمال بالضغط الشخصي على بعض الوزراء اضافة الى تسجيل مآخذ قاسية على مشاركة من يفترض انهم حلفاؤه، وتحديداً على “حزب الله”، الذي جاءت مشاركة وزرائه في الحكومة مناقضة لتوجّه التيار”. حيث أعلن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية “أننا لم نتصل ولن نتصل بأحد وجئنا إلى الجلسة بسبب وجع الناس”، فيما اكد وزير العمل مصطفى بيرم “أننا نحترم مَن حَضر ومَن غاب، والأصل كان احترام الدستور “هالقَد حَجمها” وندعو إلى الحوار لحل كل الأمور”.

وبَدا جلياً انّ مشاركة وزراء الحزب أحدثت تصدعات ما بين التيار و”حزب الله”. ولفت في هذا السياق ما قاله عضو تكتل لبنان القوي النائب سليم عون: نقول للجميع: الرسالة وصلت من حلفائنا بالعربي المشبرَح، وهذا أمر يحتّم علينا اعادة النظر بهذه التحالفات، في حين أن “القوات اللبنانية” اتخذت موقفا مماثلا لموقفنا رغم الخلاف القائم بيننا”… مضيفاً “انّ مشاركة وزيرَي “المردة” تقطع الطريق على إمكانية الوصول الى اتفاق مع هذا الفريق، و”كيف بعد بدّي إقنع جمهوري بهَيك اتفاق”؟

كما لفت ما قاله ايضا عضو التكتل النائب أسعد درغام: “الثنائي الشيعي يُعطّل جلسات انتخاب الرئيس ويُراهن على تعبنا من أجل التفاوض على مرشحه سليمان فرنجية، وأقول له من باب النصيحة ان هذا الامر يزيد من النقمة المسيحية عليه”. مضيفاً انّ “الثنائي الشيعي يريد الضغط على حلفائه لإيصال مرشحه سليمان فرنجية عبر الذهاب لانعقاد جلسة مجلس وزراء للايحاء بأنّ البلد يسير بشكل طبيعي بالرغم من شغور الموقع الرئاسي”.

السابق
خالف التعليمات.. بقرادونيان يكشف موقف الطاشناق من بوشكيان
التالي
أسهم قائد الجيش تتقدّم رئاسياً؟