عن «مونديال» قطر.. والنفاق الغربي!

ياسين شبلي

كسبت دولة قطر وبنجاح كبير التحدي والرهان، على إمكانية إقامة فعاليات، أكبر تجمع رياضي عالمي “المونديال” لأول مرة في الشرق الأوسط، في دولة عربية خليجية وإسلامية، وفي منطقة لم يكن يُنظر إليها عالمياً، وبالأخص غربياً إلا على أنها مجرد “محطة” للتزود بالوقود ، وعربياً وإسلامياً – وبصراحة تامة – إلا على أنها “بنك” للتمويل. هذه النظرة سواء الغربية منها أو العربية، نجحت قطر في تغييرها إلى درجة كبيرة، من خلال نجاحها في إقامة هذا الحدث العالمي الكبير، على أعلى مستوى من الحداثة والجمال والإبهار، في جو من الأمن والأمان وحسن التنظيم، رغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهتها من الغريب والقريب، على مدى 12 عاما من العمل الجاد، تخللها ثلاث سنوات حصار، والجهد الخرافي المضني لدولة صغيرة، لا يسع كل إنسان منصف، إلا أن يرفع القبعة وينحني إحتراماً للمسؤولين فيها، الذين واجهوا كل المعوقات الهادفة لإفشال هذا التحدي، الذي تصدت له قطر بشجاعة وإقدام وثبات قل نظيرهما، منذ أن تقدمت بملف ترشيحها لتنظيم هذه البطولة العالمية .

كسبت دولة قطر وبنجاح كبير التحدي والرهان على إمكانية إقامة فعاليات أكبر تجمع رياضي عالمي “المونديال” لأول مرة في الشرق الأوسط في دولة عربية خليجية وإسلامية


مع إنطلاق “المونديال” فقدت بعض الدول والمنظمات الأوروبية صوابها، هي التي تعيش حالياً تحت وطأة الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، على إمدادات الغاز الذي تمتلك قطر منه الكثير وتبيعه، تبعاً لمصالحها وإحترام تعهداتها هي، وليس بكبسة زر مفاجئة تريدها أوروبا، نتيجة الحرب مع روسيا، كما تستفيد من عائداته لصالح التنمية وإقامة البنى التحتية فيها، وكأني بهذه الأطراف الأوروبية الحانقة على سياسة قطر، كانت تراهن حتى آخر لحظة، بأن قطر لن تستطيع إطلاق البطولة بنجاح، وعندما فشل رهانها، تفجر هذا الفشل حقداً ونفاقا، فراحت عبر بعض حكوماتها ومسؤوليها وإعلامها، بشن حملة شرسة ضد قطر وقوانينها، تارة بإسم حقوق العمال الذين ساهموا في هذا الإنجاز الكبير، الذين قد تكون حدثت بعض التجاوزات بحقهم في البداية، جراء ظروف العمل القاسية وبعض القوانين المتبعة في قطر، والتي بشهادة المنظمات العالمية تم تحسينها لاحقاً، بحيث باتت تتفق مع المعايير الدولية، وتارة بإسم حقوق “الإنسان” والمقصود هنا طبعاً، هو إنسان “معين” وليس الإنسان بالمطلق، وتارة بسبب منع شرب الكحول في الملاعب، وغيرها من “العيوب” التي يراها ويضعها البعض منهم تحت المجهر، لغاية في نفس “يعقوب الأوروبي” هذه المرة، بشكل مبالغ فيه حد الحقد والتجني، الذي إستفز بعض الأوروبيين الموضوعيين، من مسؤولين وإعلاميين ومواطنين عاديين، من الذين لا خلفيات لهم من أي نوع كان، ومنهم رئيس “الفيفا” جياني إنفانتينو، الذي كان صارماً في فضح هذا النفاق الذي ينطبق عليه المثل المصري الجميل، “ما لقوش في الورد عيب قالولو يا أحمر الخدين”.

كأني بهذه الأطراف الأوروبية الحانقة على سياسة قطر كانت تراهن حتى آخر لحظة بأن قطر لن تستطيع إطلاق البطولة بنجاح وعندما فشل رهانها تفجر هذا الفشل حقداً ونفاقا


لا يمكن لأي مراقب منصف أو موضوعي، أن يدَّعي بأن قطر هي المدينة أو “الإمارة الفاضلة”، كما يحاول البعض من العرب تصويرها، في رد فعلهم على “النفاق” الغربي الذي تتعرض له، ولكن الإنصاف يقتضي أيضاً، أن نكشف هذا النفاق الغربي في تعامله مع موضوع المونديال، لن نخوض بالتفصيل في كل جوانب التعامل الغربي الفج والوقح، في كل ما يخص قضايا العرب والمسلمين على مدى تاريخ العلاقات بين الجانبين، فهذه بحاجة إلى مجلدات، ولكن سنأخذ فقط نقطتين أساسيتبن بالنسبة لموضوع المونديال والتجني على قطر، الأولى هي خلط الرياضة وإستغلال فعالياتها سياسياً أو للترويج لقضايا إجتماعية – ولو أن السياسة بالأصل هي أساس كل شيء في هذا العالم – والثانية ضرورة إحترام قوانين البلد – أي بلد – بغض النظر إن كانت الزيارة عادية، أو ضمن فعاليات ونشاطات مختلفة أو حتى إقامة.

لطالما طالبت أوروبا وغيرها من دول العالم، بفصل السياسة عن الرياضة عندما كان الأمر يتعلق بالقضايا العربية خاصة ضد إسرائيل


في النقطة الأولى، لطالما طالبت أوروبا وغيرها من دول العالم، بفصل السياسة عن الرياضة عندما كان الأمر يتعلق بالقضايا العربية، خاصة ضد إسرائيل، بدعوى أن الرياضة يجب أن تكون جامعة ودعوة للتآخي الإنساني والسلام – بالرغم من أنها قاطعت الألعاب الأوليمبية في موسكو العام 1980، إحتجاجاً على الغزو السوفياتي لأفغانستان يومها – فما عدا مما بدا اليوم كي تخوض بعض أوروبا – ألمانيا بشكل خاص – معركة “مجتمع الميم” على أرض قطر – بغض النظر عن موقفنا الشخصي من الموضوع – بينما تتجاهل حقوق بقية الشعوب في العالم، من الروهينغا في ميانمار إلى الإيغور في الصين، مروراً بمعاناة المسلمين في الهند، ولن نتحدث عن شعوب الشرق الأوسط التي نالها من “الأخلاقيات” الأوروبية الكثير، في الوقت الذي يتأفف البعض منهم – مثل ذلك الصحافي الفرنسي الغبي – من كثرة الجوامع في قطر، ناهيك عن التذمر الصهيوني والغضب، من رفض الجماهير العربية للتطبيع مع إسرائيل، ولو بالحديث مع قنواتها، إنه إذن النفاق والعنجهية والإستكبار الغربي على الشعوب ولا شيء غيره، وذلك عندما تختار قضية تعنيك وحدك وليست محل إجماع دولي مثلاً، كما أنه مختلف عليها حتى داخل بعض المجتمعات الغربية نفسها، لتطرحها وتجعل منها رمزاً للحرية وحقوق الإنسان.

ألا يحق لقطر – وغيرها من البلدان – أن يكون لها قوانينها التي تتناسب وثقافة مجتمعاتها بغض النظر عن مستوى هذه الثقافة من وجهة نظر الغرب


النقطة الثانية، هي التباكي الدائم على القوانين الأوروبية التي يدَّعي البعض بأن العرب والمسلمين، ينتهكونها بمجرد أن صبية تلبس حجاباً داخل مدرسة، وذلك بحجة القوانين العلمانية وعدم إظهار الشعارات الدينية – وهذا حق لهم – بينما يريدون إنتهاك قوانين قطر، بالنسبة للمثليين وشرب الكحول وغيرها – مرة أخرى نقول بغض النظر عن موقفنا الشخصي من هذه القوانين – والسؤال هنا لماذا؟ ألا يحق لقطر – وغيرها من البلدان – أن يكون لها قوانينها التي تتناسب وثقافة مجتمعاتها، بغض النظر عن مستوى هذه الثقافة من وجهة نظر الغرب، ثم لماذا الكيل بمكيالين وعدم ملاحظة بعض الإيجابيات التي ظهرت في إحتفالات قطر، كمثل إعطاء دور مهم وأساسي في هذه الفعالية، لشخص من ذوي الإحتياجات الخاصة هو القطري غانم المفتاح مثلاً، وغيرها من المظاهر الثقافية والحضارية التي أبدعت في إظهارها الدوحة، ولماذا التركيز على بعض “السلبيات” التي لا تخلو منها أية إحتفالية بهذا الحجم في أي مكان من العالم.
بقي أن نشير بأن البعض من العرب، سواء كانوا مواطنين أم مسؤولين أم إعلاميين أرادوا هم بدورهم التعامل مع النفاق الغربي بنفاق عربي مقابل، ذلك بأن يستغلوا هذا الموقف الغربي الجائر لتبييض صفحة الطغاة العرب، واللعب على وتر العصبية العربية والإسلامية، فراحوا يطبلون ويزمرون ويبالغون في التهليل للبعض من الأنظمة وإظهارها بمظهر المفترى عليه، وهو كلام قد يكون في بعضه كلام حق، ولكن من المؤكد أنه يراد بأغلبه فعلٌ باطل، لا يقل خبثاً وضرراً عن النفاق الغربي، هؤلاء بالذات هم أشد “كفراً ونفاقا” من أصحاب الأجندات السياسية من أهل الغرب، وقانا الله شر النفاق والمنافقين.


السابق
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: المواجهة في إيران.. مرحلة اللاعودة
التالي
بعدسة «جنوبية».. جلسة ثامنة لانتخاب رئيس وهكذا أتت النتائج!