الحوار والسلام

منطق الحوار وقضية السلام ركيزتان رافقت وجود اللبنة الأولى من الخلق ، حيث لفت الله تعالى إليهما عناية عباده من خلال دروس تعليمية وتربوية هادفة الى ترسيخ معانيهما وأهميتهما في حياة بني البشر الذين جعلهم تبارك وتعالى شعوبا وقبائل في الأرض وحبب إليهم التعارف والمحبة والسلام ، وجعل ميزان الأفضلية فيما بينهم (الإستقامة) التي عبر عنها في الآية المباركة بالتقوى فقال :

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ــ الحجرات (13)
ومن المعلوم أن التعارف وما يحتاج إليه وما يترتب عليه لا يحصل إلا من خلال عناصر المحبة والإلفة ونبذ الكراهية والبغضاء وكل ما ينبثق عنها أو يرتبط بها .
وتتأكد الدعوة الدينية للحوار أكثر من خلال ما جاء في سياق الآيات القرانية المتحدثة عن الحوار الذي جرى بين الله تعالى والملائكة وحتى إبليس الذي عصا ربه عندما أخبرهم عن مخلوقه الجديد الذي سيجعله خليفة في الأرض ، وهذا درس كبير لنا لنفقه أهمية الحوار ودوره في حياتنا .
مضافاً إلى ذلك الأمر الذي نستفيده من سلوك الأنبياء في دعوتهم الى الحوار كما في قصة النبي موسى وهارون عليهم السلام مع فرعون حيث طلب منهما الله تعالى محاورته رغم ما هو عليه من الطغيان فقال لهما : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
وغيرها الكثير من المواعظ والدروس التي نستفيد منها فهم القيمة العملية للحوار والسلام …
لذلك ومن خلال هذه المعاني المتواترة في رسالات الأديان نفقه أن الحوار يمثل عنصراً رئيسياً بالغ الأهمية لتحقيق التفاهم وصناعة حياة أفضل بين بني البشر ..
حياة قائمة على المحبة والحوار لتجسيد السلام بينهم ، وقد جاء في هذا السياق عن السيد المسيح قوله : أحبوا بعضُكم بعضاً كما أنا أحبَبتُكم ، أحِبُّوا أنتم أيضاً بَعضُكم بَعضاً . إذا أحبّ بعضُكُم بعضاً عَرَف الناس جميعاً أنكُم تلاميذي .
وكم نحن اليوم بحاجة الى العودة لهذه المعاني السامية في ظل ما يشهده العالم من توتر وإنقسام وبث الفرقة وزرع العداوة والإنقسام علّنا نحقق بذلك بعض ما نصبوا إليه من آمال مفعمة بالمحبة والسلام .
ومن أجل أن نحقق هذه المعاني السامية سلوكاً فيما بيننا نحن بحاجة إلى مواجهة ثقافة التطرّف والجهل ووضع الآليات المناسبة لإنهاء النزاعات والصراعات التي أنهكت البشرية في سفك الدماء والعدواة والبغضاء والإنقسامات الحادة التي تزداد يوماً بعد آخر على مساحة العالم ، وهو الأمر الذي أكد عليه السيد الوالد الذي يرى أن أبرز دور يمكن أن يعمل على إنهاء هذا الواقع المرير يقع على عاتق الدول القادرة والنافذة وولاة الأمر والعلماء والطبقات الواعية والمثقفة … خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي بلغ فيها الشحن الطائفي والمذهبي مستوى خطيراً يهدد نسيج الوحدة الوطنية والتعددية الثقافية في شعوبنا ومجتمعاتنا والذي بات يشكل أيضاً المناخ الملائم لانتشار ثقافة العداء والكراهية للآخر المختلف، وهو ما يهدد أيضاً العلاقات مع شعوب ودول العالم الأخرى .Ads by optAd360
ويقول أيضاً : المطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا وعلاقاتنا مع الشعوب الأخرى أن يتحرك بالدرجة الأولى ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية -لأنهم يمتلكون الإمكانات لمواجهة ثقافة التطرّف بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنية التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين، وبالعمل على دعم:
أ – أصحاب خطاب الاعتدال الديني.
ب – إنشاء المعاهد للدراسات الدينية المشتركة.
ج – تنظيم السلك الديني وتحديث مناهج التعليم في المعاهد والمدارس الدينية.
د – تأليف الكتاب الديني الواحد لطلاب المدارس الأكاديمية يتحدث فيه عن المشتركات الدينية والفضائل الإنسانية، وأما خصوصيات المذاهب والأديان فهي مسؤولية المساجد والكنائس والمعاهد والمعابد الخاصّة بكل دين ومذهب.
هـ – اعتماد الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في مجتمعاتنا المحلّية وعلى المستوى العالمي.
و يؤكد أيضاً على أن المطلوب من علماء الدين التمسّك بخط الوسطية والاعتدال الذي دعت إليه الشرائع السماوية، والإبتعاد عن الانخراط في الحالات الحزبية التي تدفع بطبعها أصحابها للتعصّب لآراء أحزابهم ، فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، والأنبياء كانوا الدعاة للإلفة والإنسجام ، وما كانوا دعاة للفرقة والإنقسام .
ويتابع والدي القول : إننا نرى أن الحوار بين أهل الديانات والثقافات هو أمرٌ ضروري لتبديد المخاوف وإزالة الأخطار التي تهدد المجتمعات البشرية في بقائها واستقرارها، ويعمل على إيجاد نظام عالمي أكثر أمناً وسلاماً يقوم على مبادئ الإحترام المتبادل والعدالة. 
ومن أجل العمل الجاد لنقل ثقافة الحوار بين الشعوب خدمة للسلام العالمي فإننا نقترح على منظمة الأمم المتحدة دعم مثل هذه الحوارات بين الأمم والشعوب والمساهمة في وضع كتاب مدرسي بعنوان (الحوار بين الأمم والشعوب) ويكون تدريسه إلزامياً في المدارس والجامعات ، كما ونقترح أيضاً على منظمة الأمم المتحدة إنشاء معهد جامعي للدراسات الحوارية من مختلف أتباع الأديان والثقافات يجلسون على مقاعد المدرسة الواحدة وهو ما يساعد على تخريج جيل من الدعاة المبشرين بثقافة التسامح والحوار ينشرونها في أوطانهم وبين شعوب العالم

السابق
ملتقى التأثير المدني: نظام المقايضة بين استِباحة السيادة وغضّ الطرف عن السرقة لن يدوم
التالي
ارتفاع في أسعار المحروقات.. كيف اصبحت؟