عون في «قصر الرابية»..رئيساً ليوم واحد!

ميشال عون

يحتفل حزب رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر) بخروج العماد ميشال عون من القصر الجمهوري… احتفالٌ يبقى ناقصاً، لأن عون يُنْهي ولايته من دون إنتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية، إذ يسلّم القصر إلى الفراغ. وهو الذي خرج من القصر أول مرة، مدمَّراً في 13 أكتوبر عام 1990، تحت وطأة القصف السوري، ولم يسلّمه إلى رئيسين منتخبيْن، رينيه معوض الذي اغتيل لاحقاً ومن ثم الياس الهراوي.

الآن، في المرة الثانية يَخرج عون من القصر من دون أن يسلّمه إلى رئيس منتخَب، لكنه يغادر باحتفالاتِ مناصريه، ويعود إلى الرابية، رئيساً للجمهورية ليومين فحسب، ليصبح بعدها الرئيس السابق للجمهورية الذي عاد من باريس إلى الرابية في مايو 2005، وإنتقل إلى بعبدا في 31 اكتوبر 2016، وعاد بعد ستة أعوام إلى القصر الذي بناه في الرابية، المنطقة الراقية الواقعة في المتن الشمالي. قصرٌ مبنيّ على الطراز الحديث، إستحوذ إهتمام اللبنانيين في الأيام الأخيرة بعد إنتشار صوره والأضواء مشعشعة فيه فيما اللبنانيون يعيشون على العتمة، والذي كلّف تشييده ملايين الدولارات في وقت يئنّ اللبنانيون من الجوع والفقر وتُسرق مدخراتهم.

يعود عون بصفته رئيساً للجمهورية مع فريق عمله الرئاسي، وبجدولٍ أعمال ليومين فحسب كرئيس للبلاد في قصر الرابية فيتكرّس بذلك مقرّ الرابية قصراً رئاسياً ولو لمدة 48 ساعة!

يعود ابن حارة حريك (في الضاحية الجنوبية)، ونائب كسروان السابق ليستوطن الرابية المتنية، مثله مثل مجموعة من رجال الأعمال والسياسيين الذين حولوا تلك البقعة الجميلة منطقة فيلات وقصور توسعت تدريجاً فأصبحت أشبه بـ«غيتو» قائم بذاته، محصور بفئة من اللبنانيين الأثرياء. هي وصمة الأثرياء الجدد، الذين لا يشبهون رؤساء عاشوا وماتوا بخفَر إجتماعي، فؤاد شهاب، وكميل شمعون وشارل حلو والياس سركيس، رحلوا من دون قصور أو أبهة إجتماعية.

إذاً يغادر عون بعبدا غداً الأحد في الثلاثين من أكتوبر، أي قبل يوم واحد من إنتهاء ولايته. إختيار اليوم ما قبل الأخير، مردّه إلى الرغبة في أن يعود بمواكبةٍ شعبية من مناصري «التيار الوطني الحر»، وعسكرية يؤمّنها الحرس الجمهوري (الذي يعود بعد 31 أكتوبر إلى إمرة قيادة الجيش) بصفته رئيساً للجمهورية، مع فريق عمله الرئاسي، وبجدولٍ أعمال ليومين فحسب كرئيس للبلاد في قصر الرابية. فيتكرّس بذلك مقرّ الرابية قصراً رئاسياً ولو لمدة 48 ساعة، مع رئيسٍ تَنَقَّلَ بين «قصر الشعب» في بعبدا في التسعينات ثم القصر الرئاسي، ليعود إلى قصر الرابية، حاملاً معه ستة أعوام من المعارك والخيبات والإنجازات التي وحده «التيار الوطني الحر» يراها كثيرة.

لكن في الرابية هناك يوم آخَر، يوم يعود عون رئيساً سابقاً ورئيساً فخرياً لـ «التيار الوطني الحر» الذي رفع شعار «معك مكملين» فيصبح زعيماً سياسياً بقي مناصرو حزبه مُخْلِصين له مع كل العثرات والفشل الذي رافق عهده. فأي رئيس سابق يمكن ان يكون عليه عون في الرابية: على غرار الرئيس اميل لحود أو ميشال سليمان وكلاهما لم يرسخا دوراً زعماتياً بعد إنتهاء مهامهما، أم يتمثل بسليمان فرنجية وكميل شمعون وأمين الجميل الذين حضروا بقوة في المشهد السياسي بعد تقاعدهم الرئاسي؟

إقرأ أيضاً: مهسا اميني ايقونة الثورة..والشعب يُنهك النظام الإيراني!

يختلف عون عن النماذج الرئاسية السابقة، كونه أطلق في عام 1989 تياراً شعبياً أصبح حزباً سياسياً لديه كتلة نيابية ووزراء وقاعدة شعبية ما زالت تواليه منذ اليوم الأول حين أطلق صرخة «يا شعب لبنان العظيم». وعون المعجون بالسياسة سيختلف كثيراً بعد إنتهاء معاركه الرئاسية والحكومية والنيابية عن الجنرال الذي عاد من باريس حاملاً مجموعة من الأهداف على رأسها وصوله إلى القصر الجمهوري.

ورغم أن الجعبة التي إستوعبت معاركه أصبحت في عهدة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، إلا أن من الصعب على عون أن يترك الساحة السياسية ويتخلّى عن دوره وإطلالاته التي بدأت حتى قبل مغادرته. إضافةً إلى ان «التيار» وباسيل سيستفيدان منه ومن حضوره في خوض المعارك السياسية من الآن وصاعداً، وهي ستكون كثيرة، في ظل الفراغ الرئاسي.

ومع ذلك ستحصل متغيرات كثيرة بفعل لقب الرئيس السابق. فالمتغيّر الأول سيحصل داخل «التيار الوطني» الذي عانى في الأشهر الأخيرة توترات داخلية نتجت عن خلافات بين مسؤولين حزبيين مع باسيل. وبعض قادة «التيار» من المعترضين على إدارة رئيسه ظلّوا على إنكفاء تحت شعار الحفاظ على موقع الرئاسة وإحتراماً لوجود عون في القصر. لكن بعد 31 أكتوبر يتحلل كثيرون من التزامات حزبية وعاطفية في علاقتهم بعون.

المتغيّر الثاني هو أن غالبية القادة السياسيين والأمنيين على خلاف مع عون ومع باسيل بطبيعة الحال. وهذا يقلّص إلى الحد الأدنى إحتمالات «الحج السياسي» إلى الرابية، بعدما أكثر عون من خصوماته. حتى أن جدول أعماله في القصر الرئاسي ولا سيما في السنة الأخيرة، أصبح محصوراً ببضع وفود رسمية خارجية، ولقاءات مع مجموعات وشخصيات مؤيدة له. وهذا الأمر سيتفاقَم بعد خروجه من القصر ليتراجع تأثيره السياسي.

غالبية القادة السياسيين والأمنيين على خلاف مع عون ومع باسيل بطبيعة الحال وهذا يقلّص إلى الحد الأدنى إحتمالات «الحج السياسي» إلى الرابية بعدما أكثر عون من خصوماته

والمتغيّر الثالث سيطال باسيل، لأن انتهاء العهد يُفْقِدُه الكثير من الأجنحة التي إستظلها خلال وجود عون في القصر. وباسيل الذي يرأس حزباً سياسياً واسع الإنتشار، لن يكون في منأى عن التأثيرات التي ستطاله بعد ان يصبح كفيله الشرعي خارج القصر الرئاسي. وإستثمار أي حَدَث كمثل ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل ينتهي مفعوله عند حصول حَدَث جديد. فمهما كابَرَ باسيل في التعامل مع انتهاء العهد على أنه لن يغيّر في واقع التيار السياسي شيئاً، فإن خصوم عون وباسيل ينتظران اللحظة المناسبة للإنقضاض على تِركة عون السياسية، كما على واقع إدارة باسيل للحركة السياسية مكلَّفاً من رئيس الجمهورية. لكن هذه المهمة إنتهتْ، وباسيل يعود رئيس حزب سياسي مثله مثل رؤساء الأحزاب السياسية مع فارق وجود حليف له هو «حزب الله».

السابق
عون يُرشّح صهره و«الهمروجة البرتقالية» تنتهي اليوم..ونصرالله يحمي الترسيم بـ«أشفار العيون»!
التالي
أبو فاضل لـ«جنوبية»: عهد الأنا والصهر وتأليه الذات دمر المؤسسات !