الطبيعة القانونية لتفاهم ترسيم الحدود.. هل يدخل في تصريف الأعمال؟

الحدود البحرية


التسابق الى إعلان النصر ” التويتري”،  وتصوير وصول التفاوض الى خواتيمه على أنه انجاز من فعل رجل واحد لا غير، لن يمنع اللبنانيين من حقهم في معرفة كل ما يتعلق بملف ترسيم الحدود البحرية مع الإسرائيليين، برعاية امركية ودعم أوروبي، فرنسي تحديدا.

وأول ما يجب على الدولة بسلطاتها كافة، هو القيام بتحديد الطبيعة القانونية لهذا التفاهم، وما هي حدود التزاماته، وهل يدخل في مفهوم المعاهدات، او هل يدخل في حدود تصريف الاعمال كون الحكومة مستقيلة؟ 

في لبنان، فإلى الآن التعتيم سيد الموقف، ويشتم منه رائحة تهريبة في جنح الظلام، وكأن المطلوب دوليا من لبنان تسهيل ذلك الاتفاق، ولو على حساب حقوقه المشروعة

وهل التلاعب بالمصطلحات يعفي المسؤولين من تطبيق الدستور لناحية المادة 52 منه، التي تنص على أن رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، بحيث لا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء.. اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، لا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب.

الجانب الإسرائيلي عرض الملف برمته على مجلس الوزراء لأخذ الموافقة اللازمة، وبالتالي إدخاله في عهدة المحاسبة والمساءلة، بحسب ما يقتضيه نظامهم السياسي والإداري.

اما في لبنان، فإلى الآن التعتيم سيد الموقف، ويشتم منه رائحة تهريبة في جنح الظلام، وكأن المطلوب دوليا من لبنان تسهيل ذلك الاتفاق، ولو على حساب حقوقه المشروعة؟!

ايأ كانت التسمية سواء سميت ميثاق، نظام ، عهد، اعلان، بروتوكول، تعهد، اتفاق، اتفاقية تسوية الخ. يعتبر خبراء وفقهاء القانون الدولي جميع هذه التسميات تحمل المعنى نفسه ومهما حاول السياسيون التلاعب بالتسميات والمصطلحات لن يغيّروا في الواقع شيئا

فقد  عرّفت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على النحو الآتي: ” يقصد بــ ” المعاهدة الاتفاق الدولي بين الدول في صيغة مكتوبة، والذي ينظمه القانون الدولي سواء تضمنته وثيقة واحدة او وثيقتان متصلتان او اكثر ومهما كانت تسميته الخاصة”. 

فلناحية ايأ كانت التسمية سواء سميت ميثاق، نظام ، عهد، اعلان، بروتوكول، تعهد، اتفاق، اتفاقية تسوية الخ. يعتبر خبراء وفقهاء القانون الدولي جميع هذه التسميات تحمل المعنى نفسه. ومهما حاول السياسيون التلاعب بالتسميات والمصطلحات لن يغيّروا في الواقع شيئا. 

فما هو اذا الأثر القانوني الذي احدثه ذلك التفاهم، خصوصا أن موضوعه دولي لتعلقه بترسيم حدود دولية بين دولتين بمعزل عن طبيعة العلاقات التي تربطهما.

وقد تسنى لهيئة التشريع والاستشارات أن فسرت المادة 52 من الدستور، بعد أن طُلِبَ منها استشارة حول طبيعة الاتفاق الثقافي بين لبنان والأردن، وهل يتطلب موافقة مجلس النواب، فأكدت على ان يخضع ابرام المعاهدات، التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة، وكذلك سائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة لموافقة المجلس. ( استشارة رقم 122/2003).

وعليه، الا يتضمن اتفاق ترسيم الحدود نتائج تتعلق بمالية الدولة وثرواتها، وهل يجوز فسخ هذا الاتفاق سنة فسنة، ام انه اتفاق مستمر؟. وهل لمجرد التلاعب بالتسمية يحرم مجلس النواب من صلاحياته الاصيلة في الحفاظ على المال العام ومراقبته؟

من ناحية أخرى، هل يدخل هذا الاتفاق الخطير ضمن المعنى الضيق لتصريف الاعمال؟ فإذا كان الدستور قد منع حكومة مستقيلة من تصريف الاعمال الا في بحدود ضيقة، كي لا تلزم الحكومة القادمة بقرارت خطيرة هي لم تقرر فيها، فكيف سيطلب منها التعامل مع نتائج هذا التفاهم، وتحمل تبعاته؟.

إن حكومة تصريف اعمال سواء بوجود رئيس جمهورية او في حال الشغور، لا يمكنها ان تصرف الاعمال الا بالحدود الضيقة، وأن رئيس الجمهورية، بعد اتفاق الطائف لم يعد هو كل السلطة الإجرائية، يقرر بمعاونة وزراء له. لقد اصبحنا وفق الدستور الحالي امام  هيئة جماعية لاتخاذ القرار لا يمكن تجاوزها.

لو شُكّلت الحكومة، وانتخب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد، لكان موقفنا اقوى، ولكنّا بغنى عن هذه الفوضى الدستورية، والمهزلة التي لا طائل منها

وبناء عليه. أولا: إن هذا التفاهم هو من قبيل الاتفاق الدولي الذي احدث اثرا دوليا، مهما حاولوا التفنن في اختلاق تسميات ومبررات. 

ثانيا: لا يمكن لحكومة تصريف اعمال ولعهد في أيامه الأخيرة، اتخاذ مثل هكذا قرار كبير ويترتب عليه نتائج خطيرة حاضرا ومستقبلا، هذا من حيث الشكل، اما من حيث المضمون، وعلى فرض نحن في حالة ضرورة قصوى، حينها تعتبر موافقة مجلس الوزراء واجبة ليصبح الاتفاق مبرما بحسب المادة 52 من الدستور.

ثالثا: ماذا لو جاءت حكومة أخرى ورفضت التعامل مع نتائج هذا الاتفاق، ومن يلزمها في ذلك، طالما ان السلطة الحالية تؤكد انه مجرد تفاهم وليس معاهدة ملزمة تخضع لمبدأ الدول استمرارية.

رابعا: لا يحق لمجلس النواب ان يغيّب نفسه، لمجرد القول اننا بصدد تفاهم لا معاهدة، فواقع الامر ان هذا التفاهم يحمل مترتبات مالية واقتصادية لتعلقه بثروة وطنية ملك الأجيال، كما انه تفاهم يتخذ طابع الاستمرارية، فوجب حينها ان يقوم مجلس النواب بدوره لناحية التشريع والرقابة.

ختاما، إن ما يحدث راهنا يؤكد ما هو مؤكد، فالدول لا تحكم بالا بتفعيل الدستور والمؤسسات، وانتظامها عبر تداول السلطة، فلو شُكّلت الحكومة، وانتخب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد، لكان موقفنا اقوى، ولكنّا بغنى عن هذه الفوضى الدستورية، والمهزلة التي لا طائل منها.

إقرأ أيضاً : خاص «جنوبية» : مراجع سياسية «تلتزم» حماية وتسهيل أعمال سماسرة وشركات نفطية في ساحل صور!

السابق
بعدسة «جنوبية».. جولة لوزيرة الخارجية الفرنسية على المسؤولين: لاتمام الاستحقاقات في موعدها
التالي
أسعار المحروقات تُحلّق !