حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: المرشد في خطر .. ماذا عن إيران!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لاول مرة يكون النظام الايراني مجبرا على الاشارة والاعتراف الضمني، بتعرض المرشد الاعلى السيد علي خامنئي لعارض صحي، ودخوله الى المستشفى لتلقي العلاج، ليس لرغبة لدى المعنيين بالامر، وان البعض منهم يرغب بذلك، لكن لصعوبة التعتيم عليه هذه المرة، خاصة بعد تغيبه عن اللقاء الروتيني الذي يعقده، مع اعضاء مجلس خبراء القيادة في ختام اجتماعاته الدورية. 

عدوى هذه التكهنات انتقلت الى الاوساط السياسية والاعلامية الاقليمية والدولية، وما سينتج عن هذا الحدث من تداعيات وتطورات قد تنعكس على المعادلات الاقليمية والدولية

هذا الغياب او التغيب عن لقاء مجلس الخبراء، فتح الباب امام سيل من التكهنات، لم تقتصر على القوى الايرانية المعارضة في الخارجي، والتي اعتبرت امر الوفاة بات محسوما، وبدأت بالبحث عن الطرق والسياسات التي تعيدها الى المشهد الداخلي، واستعدادا لمرحلة ما بعد انهيار النظام. بل ان عدوى هذه التكهنات انتقلت الى الاوساط السياسية والاعلامية الاقليمية والدولية، وما سينتج عن هذا الحدث من تداعيات وتطورات قد تنعكس على المعادلات الاقليمية والدولية. الا ان ظهوره في مجلس عزاء للهيئات الدينية الطلابية بمناسبة اربعين الامام الحسين، اعاد خلط الاوراق والتوقعات المتسارعة، الا انه  وعلى الرغم من هذه المشاركة، والاحتفاء الذي برز في مواقف واعلام القوى المتحالفة مع النظام الايراني، الا انه كرس حقيقة واضحة، بان المرشد الايراني يعاني من حالة مرضية حقيقية، وان ايران دخلت في مرحلة البحث عن مستقبل النظام والشخصية التي ستخلف المرشد على رأس هرم النظام، وفرضت على الدول المعنية، اقليميا ودوليا، في مناقشة الاحتمالات والسياسات المحتملة للنظام في مرحلة الجديدة وآليات التعامل معها، وان لم تفعل، فقد تكون قد ارتكبت خطأ سياسيا واستراتيجيا، وهي لا شك فعلت وتفعل ذلك. 

ايران دخلت في مرحلة البحث عن مستقبل النظام والشخصية التي ستخلف المرشد على رأس هرم النظام

الخارج الدولي او الاقليمي سيعمد الى رسم سياساته واستراتيجياته، للتعامل مع المتغير الايراني في ظل القيادة الجديدة، وما يمكن ان تحدثه من تعديل في المواقف وآليات اتخاذ القرار الذي لن يكون كما في السابق شديد المركزية، باعتبار ان النظام او منظومة السلطة تشكل الثابت في هذه المعادلة. فان الامر يختلف مع الداخل الايراني، لكثرة الاطراف المتحفزة لتكريس دورها على خريطة النظام ومواقع السلطة والامساك او التأثير في القرارات، من بوابة اثبات تفردها او على الاقل شراكتها، في اختيار الخليفة المحتمل للمرشد وولي الفقيه الجديد، وفي ادارة الموقف ورسم السياسات.

مؤسسة حرس الثورة الاسلامية، تعتبر احد ابرز الاطراف التي من المفترض ان تلعب دورا فاعلا في المشهد الايراني

وفي المعادلة الداخلية يمكن القول، ان مؤسسة حرس الثورة الاسلامية، تعتبر احد ابرز الاطراف التي من المفترض ان تلعب دورا فاعلا في المشهد الايراني، قد توضحت معالمه وتم تكريسه مبكرا من خلال فرض الحرس نفسه شريكا، لا يمكن لاي جهة او شخصية طامحة للشراكة في تركيبة النظام والسطلة ان تتخطاه، لما يشكله من حامل لهذه السلطة واركان النظام. بحيث تحول الى الطرف الاكثر حضورا في مستقبل النظام والسلطة. 

مصادر قوة “الحرس” في معادلة السلطة، لم تبدأ مع تولي السيد خامنئي منصب ولي الفقيه وقيادة الثورة بعد وفاة المؤسسة مباشرة، لاعتبار ان اقطاب المعادلة التي اوصلته كانت ما تزال تملك تأُثيرا قويا

مصادر قوة “الحرس” في معادلة السلطة، لم تبدأ مع تولي السيد خامنئي منصب ولي الفقيه وقيادة الثورة بعد وفاة المؤسسة مباشرة، لاعتبار ان اقطاب المعادلة التي اوصلته كانت ما تزال تملك تأُثيرا قويا، ومن الصعب استبعادها او ضرب مصادر قوتها والتخلص منها في مرحلة تثبيت المرحلة الانتقالية. ولم تكن صفوف قيادات الحرس قد وصلت الى مرحلة توحيد التوجهات والمصالح.

مرحلة رئاسة الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني، والتي رفعت شعار “اعادة الاعمار”، كانت تعبيرا عن شراكة بين المرشد، او بين السياسة والامن والايديولوجيا من جهة، وبين الاقتصاد واعادة الاعمار والتنمية من جهة اخرى

لذلك يمكن القول ان مرحلة رئاسة الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني، والتي رفعت شعار “اعادة الاعمار”، كانت تعبيرا عن شراكة بين المرشد، او بين السياسة والامن والايديولوجيا من جهة، وبين الاقتصاد واعادة الاعمار والتنمية من جهة اخرى، والتفاهم على المناطق المتداخلة. ما جعل مؤسسة الحرس نتيجة هذه المعادلة في دائرة صلاحيات المرشد ومرجعيته باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة، والذراع الحامي للنظام والثورة في مواجهة اعداء الداخل والخارج، والدفاع عن المصالح الايرانية الوطنية والاستراتيجية. 

ومرحلة اعادة الاعمار، اسست ومهدت لتحويل هذه المؤسسة العسكرية، الى شريك فاعل في القطاعات الاقتصادية، من خلال فتح  الابواب امامها لاستحواذ على جزء من الاستثمارات ومشاريع الاعمار والبنى التحتية في جميع القطاعات، من خلال استحداث او تفعيل او توسيع دور “مقر خاتم الانبياء”، الذي يعتبر الذراع الاقتصادية للحرس، ما مهد الطريق امام قياداته للدخول على المعادلة السياسية بشكل واسع، وبحماية ودعم من المرشد الذي شكل الغطاء والرعاية لهم. 

بات حاجة للمرشد ومؤسسة النظام لمواجهة التحديات، التي نتجت عن وصول السيد محمد خاتمي الى الرئاسة ومشروعه الاصلاحي

التطورات الداخلية والدولية وفي المحيط الجيوسياسي لايران، لعبت دورا محوريا في تعزيز نفوذ “الحرس” داخل المنظومة السياسية. وبات حاجة للمرشد ومؤسسة النظام لمواجهة التحديات، التي نتجت عن وصول السيد محمد خاتمي الى الرئاسة ومشروعه الاصلاحي، او نتيجة للمتغيرات التي شهدها الاقليم من سيطرت طالبان في افغانستان ومن ثم الاحتلال الاميركي لهذا البلد، ولاحقا الاحتلال الاميركي للعراق، وما يعنيه كل ذلك من تنامي تأثير الحرس في هذه المعادلات، فانتقل معها، خاصة في مرحلة رئاسة محمود احمدي نجاد، الى شريك استطاع ازاحة جميع الشركاء ودفعهم او تحويلهم الى معارضين للمنظومة الحاكمة. 

تنامي دور “الحرس” في التركيبة السياسية ومعادلة السلطة، نقله لان يكون الجهة الاكثر تأثيرا والشريك الاساس للمرشد الاعلى

تنامي دور “الحرس” في التركيبة السياسية ومعادلة السلطة، نقله لان يكون الجهة الاكثر تأثيرا والشريك الاساس للمرشد الاعلى،  في رسم مسار السلطة والنظام وصولا الى الشراكة في عملية اختيار خليفة المرشد. وهذه الشراكة سمحت لمؤسسة الحرس، ان تستخدم سياسة ملء الفراغ في معادلة السلطة، بحيث تحولت من موقع الشريك الى دور المقرر، او الممسك بالقرار وتحديد ادوار الشركاء الذين يرغب بهم شركاء. 

هذا الدور، وحجم التحديات، جعلت من الحرس “الحامل الاساس” لاستمرار السلطة واستقرار النظام، والضمان لاي عملية انتقال سلس للقيادة. الا ان ما يتعرض له من حصار وعقوبات على المستوى الدولي، وتحديدا اميركيا، قد يعرقل تظهير فرادة او تفرد هذا الدور. لذلك كان لا بد له من البحث عن شريك مدني من داخل التيار المحافظ والمؤسسة الدينية، يكون رافدا له في رسم مستقبل العملية الانتقالية والنظام. ما قد يدخله في عملية مساوة مع هذا الطرف، بغض النظر عن شخصية الخليفة الذي سيقع عليه الاختيار. 

السابق
بالفيديو.. الخبير النفطي علامة لـ «جنوبية»: الفيول الإيراني ليس الحل.. إن وصل!
التالي
بالصور: مجلس القضاء ينظر في تعيين قاض رديف للبيطار ..والخوري ترد ثلاث دعاوى ضده وتبقيه «سيّد ملفه»