درباس يستذكر عبر «جنوبية» السيد هاني فحص: صندوق من ذهب وصاحب نكتة باقٍ «مثل العطر»

رشيد درباس
ترك الراحل السيد هاني فحص إرثاً ينهل منه كل من عاصر حقبة "قامة جليلة" اختزلت بمسيرتها تاريخاً يُحتذى به، وفي الذكرى السنوية الثامنة لغيابه، بقي السيد الأديب والمثقف والتنويري، الداعي للحوار بين الأديان والداعم للمقاومة الحقّة لا المتاجرة بقضايا الوطن والدين، حاضراً بكلماته التي غرّد بها خارج سرب المعهود ونصائحه التي جسّدت جسراً للعبور نحو التلاقي لا التفرقة بين الطوائف.

بكلمات تعكس مسيرة الراحل المضيئة على المستويين الشخصي والروحي، استذكر الوزير السابق رشيد درباس عبر «جنوبية» الراحل وبصمته في الأدب والشعر والفقه، فقال:”لا أنسى يوماً صادفنا فيه الأديب الكبير الدكتور علي شلق في دارته في كفريا لنستمع الى السيد هاني فحص الذي كنا نقرأه تباعاً في جريدة السفير، يومها جاء السيد هاني بعمامته السوداء وجبّته المتواضعة، راح يقول كلاماً، حرت إن كان شعراً أم نثراً، ولكن اكتشفت في النهاية أنه شعر خالص بقالب نثري، إذ كانت كتاباته مزيجاً من العفوية والإبداع”.

وتحدث عن تقارب جمعهما، عندما طلب الراحل منه المشاركة في ندوة عن كتاب له، فقال:” كل ما أذكره أنني قلت أن مشاريع قوانين انتخابية تُقدًم من هنا وهناك، وهناك دعوة لقانون أورثوذكسي وربما لقانون شيعي وآخر سني، قلت له أيها الشيخ المهاب، أضع كل أوراقي في صندوقك انت، فأنت صندوق يحتوي على أوراق من ذهب لأنك من ذهب”.

كانت كتاباته مزيجاً من العفوية والإبداع

واستكمل سرد تطور العلاقة بينهما، فأضاف:” بعد فترة، أردت أن أطبع مجموعة شعرية بعنوان “حبيبة”، على اسم أمي التي غادرتنا لأرد لها جزءاً مما أعطتني إياه، فإذ بالسيد يكتب لي مقدمة عنوانها “معالي الشاعر”، ولم أكن يومها وزيراً، ولكن بعد أسابيع قليلة، صدرت مراسيم الحكومة، وكنت فيها وزيراً، فإذ به يحدثني، ويقول لي لقد فتحت على نفسي باباً كبيراً، فكثير من الكتاب يريدون أن أكتب لهم مقدمات كتبهم، علّ وعسى تصدق نبوءتي فيهم ويصبحون شعراء”.

وتابع:”منذ ذلك الوقت، أضحى التواصل حميماَ ودائماً، الى أن علمت أنه كان مريضاً، وبدأ يعاني صعوبة في التنفس وفشل في أعمال الرئة، تركت الوزارة يومها، وذهبت الى المستشفى لأراه، فعندما رآني، أزال عن فمه قناع الأوكسيجين”، مشيراً الى أنه كان صاحب نكتة إذ قال لي ممازحاً:” أريد أن أكون وزيراً قبل أن أموت”، فقلت له:” كل الوزراء يتمنون لو كانوا تلامذة حضرتك أيها السيد المهاب”.

هذا السيد الحسيني المعمّم بعمامته السوداء كان مثالاً للإنفتاح يفهم الدين على طريقته

وأردف :”فلما واراه الثرى، قلت ربما الآن يحتضنه تراب الجنوب المعبق بالتبغ الذي كان عنواناً لنضال أهل الجنوب”.

جزم درباس بأن “هذا السيد الحسيني المعمّم بعمامته السوداء كان مثالاً للإنفتاح وكان يفهم الدين على طريقته، وكان يقول علينا أن نرأف بالناس ونتركهم يعبدون الله على طريقتهم وحسب مفاهيمهم أو حسب ما تكون لهم من ثقافة”.

كان يقول علينا أن نرأف بالناس ونتركهم يعبدون الله على طريقتهم وحسب مفاهيمهم

وتطرق درباس الى “الصداقة العميقة التي جمعت فحص مع السيد محمد حسن الأمين”، فقال:”على هامش معرض الكتاب العربي، كان لي شرف الجلوس الى جانب السيد الأمين، وكنت متهيباَ جداً، أمام هذه القامة الشعرية والأدبية والدينية، ولقد علمت أنهما كانا يتجايلان، وأنهما لا يفترقان، ولمست من السيد الأمين مدى احساسه العميق لذهاب رفيقه ونجيّه، يومها قلت: كيف لي أن اتحدث عن السيد هاني الى جانب هذا السيد”، معتبراً “أن غياب شخصيتين مثل السيدين يشكل فراغاً، ولكني أعتقد أنها حينما ذهبا، مثلهما كمثل العطر الذي يبقى موجوداً رغم غياب الناس”.

إقرأ أيضاً : السيد هاني فحص..حين تتحول العمامة إلى مدينة

السابق
على أي سعر أقفل الدولار؟
التالي
بالفيديو: 5 غواصين لبنانيين يكسرون الرقم القياسي.. 18 ساعة متواصلة!