الصَدَع المالي يتّسع على وهج «الصُداع الرئاسي»!

«مشهديةٌ أبوكاليبتية». تعبيرٌ جديد دَخَلَ قاموسَ التوصيفات التي أُطْلِقت على الواقع اللبناني منذ ركوب البلاد «التايتنيك» وتلهّي سلطاتها بإغراق «قوارب النجاة» من الانهيار الشامل، الواحد تلو الآخَر، إلى أن اقتربت لحظة «الارتطام المميت» في توقيتٍ بالغ الخطورة يُخشى أن يتشابك فيه الانكشاف المالي والسياسي فيكون… الانفجار الكبير.

ورغم أن الاستعارة «الأبوكاليبتية» جاءت في سياق «المبادرة الرئاسية الإنقاذية» التي أطلقها تكتل نواب «قوى التغيير» الـ 13 أمس، في ما خص الانتخابات الرئاسية التي بات لبنان يدور في فلكها الدستوري منذ 1 سبتمبر (وحتى 31 اكتوبر المقبل)، فإنها بدت الأكثر تعبيراً عن منعطف «وجودي» يقف أمامه لبنان مع تَلاقي «إعصاريْن»:

قلق عارم من أن يكون ثمة أطرافاً وازنين لا يمانعون وضْع كل «العبواتِ» في سلة الانتخابات الرئاسية على طريقة «وبعدي الطوفان»

استحقاقُ انتخاب خلّف للرئيس ميشال عون والذي يُتوقَّع أن يزداد عصْفاً كلما دَنَتْ ساعةُ نهاية ولايته من دون تشكيل الحكومة الجديدة العالقة منذ نحو شهرين ونصف شهر، وسط خشية من أن تتدحرج كرة الفوضى الدستورية فـ «تفتك» بالنظام وتستجلب «كوابيس» من زمن ما قبل الطائف الذي أُخرجت البلاد على «حمّالته» من حرب الـ 15 عاماً.

  • تَزايُد الانزلاقاتِ في «الفالق» المالي الذي يُنْذِر بـ «زلزال مدمّر» بدأت هزّاته «السبّاقة» تتمدّد، سواء باستعادة الدولار قفزاته المتوحّشة التي لامس معها 36 ألف ليرة (الجمعة) ليعود ويتراجع أمس إلى نحو 34500 متسبِّباً بإرباكات كبرى في الأسواق وفي قطاع المحروقات (حيث باتت تصدر كل يوم تقريباً تسعيرتان للبنزين والمازوت والغاز)، أو بمضيّ مظاهر «العصر الحَجَري» بالارتسام في الأفق الأسود: من «صفر ساعة» تغذية بكهرباء الدولة وترْك المواطنين رهينة مولداتٍ «انسحب» منها كثيرون بفعل تكلفتها «المليونية» الخيالية، إلى الاضطراب المستمر في قطاع الاتصالات والانترنت (المنقطعة في أكثر من منطقة) بفعل إضرابِ موظفي أوجيرو والذي يُخشى أن يؤدي، ما لم يتم تلبية مطالبهم بتحسين رواتبهم مطلع الأسبوع، إلى «سقوط» القطاع بـ «أجنحته» الأرضية والخلوية كما الانترنت وانقطاع لبنان عن العالم وتعميق متاعبه المالية والمصرفية والاقتصادية.

وما عزّز المخاوف من انسدادِ آخر النفَق المظْلم الذي زُج فيه لبنان مع ما قد يعنيه ذلك من ترْك البلاد «تختنق حتى الموت» بالحرائق السياسية والمالية، التعاطي مع «هبّة» الدولار أول من أمس على أنها قد تكون من «عُدّة» تحمية الأرض الرئاسية، إما للضغط نحو استيلاد حكومة جديدة ولو في آخِر أيام عهد عون فيتم تفادي «اشتباكٍ» حول مدى قدرة دستورية تولي حكومة تصريف أعمال صلاحيات رئيس الجمهورية في مرحلة «الشغور الأكيد»، وإما لتهيئة الأرضية لـ «فراغٍ ساخن» يُصار على وهْجه إلى التحكّم بمجريات الاستحقاق الرئاسي بعد 1 نوفمبر و«تزكية» خياراتٍ بحُكْم الأمر الواقع وأولويةِ منْع التشظي المريع لِما بقي من لبنان.

وبدأت أوساطٌ واسعة الاطلاع تّعرب عن قلق كبير مما قد تؤول إليه الأمور في ضوء الأبعاد الخطيرة لاتساع «الصَدَع» المالي ومظاهره المخيفة على مختلف القطاعات وأوجه حياة اللبنانيين البؤساء في غالبيتهم العظمى، وسط قلق عارم من أن يكون ثمة أطرافاً وازنين لا يمانعون وضْع كل «العبواتِ» في سلة الانتخابات الرئاسية على طريقة «وبعدي الطوفان» الذي قد يُعرف متى يبدأ ولكن لن يُعلم متى ينتهي ولا بأي تكلفة.

إقرأ ايضاً: مبادرة للنواب التغييريين حول «إنتخابات الجمهورية».. جرادة لـ «جنوبية»: هذه هي مواصفاتنا للرئيس العتيد!

وتتجه الأنظار سياسياً إلى محطتين بارزتين في اليومين المقبلين:

  • الأولى كلمة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في قداس «شهداء المقاومة اللبنانية» اليوم حيث سيحدد موقفه من الملف الرئاسي الذي تعمل القوى المعارضة لائتلاف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» على نسج تفاهم على مرشح بمواصفات «الحد المعقول سيادياً والحد الأقصى إصلاحياً»، وأيضاً موقفه من السيناريوهات التي يروّج لها فريق عون في سياق رسْمه خطاً أحمر أمام انتقال صلاحيات الرئاسة لحكومة تصريف الأعمال التي يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي، وسط اقتناعٍ بأن موقف جعجع من هذه السيناريوهات سيشكّل رفعاً للغطاء المسيحي الوازن عنها، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن ذلك سيقطع الطريق عليها.
  • والثانية مواقف رئيس «التيار الحر» جبران باسيل بعد غد عقب اجتماع تكتله النيابي حيث تشير أجواء متقاطعة إلى أنه سيتولى الردّ على الهجوم الصاعق الذي شنّه رئيس البرلمان نبيه بري عليه من دون تسميته (كما على عون ضمناً)، حيث وضع بري فيتو غير مباشر على انتخابه (باسيل) رئيساً مسدداً «ضربة قاضية» لطرْحه القائم على قيام حكومة من 30 وزيراً، هي كناية عن حكومة الـ 24 الحالية مضافاً إليها «دَسَمٌ» سياسي عبر 6 وزراء دولة، ومعلناً في الوقت نفسه «الأمر لي» دستورياً في الاستحقاق الرئاسي ومآلات ما بعد الفراغ.

وسيعني اشتعالُ جبهة عون – بري ارتفاع «السواتر الترابية» أمام إنجاز حكومةٍ ثمة مَن يرى أن أوان التنازل لتسهيل ولادتها مازال باكراً، وأن طرفاً مثل «التيار الحر» الذي يخوض هذه «المعركة» من منطلق حجز موقع له في المقاعد الأمامية للاستحقاق الرئاسي لن يكون في وارد التسليم بسهولةٍ بأوراقه التي يحتجز معها التأليف أقله قبل الحصول على «أثمان» من «حزب الله» تحديداً، هذا إن لم تقتض حساباته المضيّ بالمكاسرة حتى ما بعد نهاية العهد في ظل اعتبار خصوم باسيل أن «نصف قوته» ستتبدّد بمجرّد خروج الرئيس عون من قصر بعبدا.

وعلى وقع هذه الاصطفافات، شقّ النواب التغييريون طريقهم في «حقل الألغام» الرئاسي بمبادرة أطلقوها أمس، وحدّدوا فيها مواصفات الرئيس الذي يتطلعون إليه، تاركين إسقاط الأسماء عليها لمرحلة أخرى، وملوّحين باللجوء إلى الشارع بحال وصلت البلاد الى الأيام العشرة الأخيرة من ولاية عون ولم يكن تم انتخاب رئيس جديد.

خصوم باسيل يعتبرون أن «نصف قوته» ستتبدّد بمجرّد خروج الرئيس عون من قصر بعبدا

واتهّمت الكتلة «المنظومة السياسيّة الحاكمة» بـ «تحطيم سيادة الدولة على ذاتها وعلى قراراتها لاسيما في مسألة الحرب والسلم، واغتيال علاقاتها بعالمها العربي والأجنبي وزجّ لبنان في المحاور والصراعات الإقليمية والدولية»، معتبرة «أن الخُطوة الكُبرى الفاصلة الحاسمة التغييرية في طريق استرداد الدولة هي بانتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية».

وأكد التغييريون «أننا سنبدأ بعقد سلسلة من المشاورات الشعبية والسياسية لعرض هذه المبادرة، في لبنان وفي الاغتراب، بدءاً بالأحزاب والمجموعات والشخصيات التي تؤمن بمرجعية 17 اكتوبر (2019)، وصولاً الى كل القوى، بهدف الوصول الى اتفاق على اسم الشخصية الإنقاذية التي تتوافر فيها المعايير والشروط المطلوبة»، معتبرين «كلّ رفضٍ للمبادرة هو رصاصة في رأس لبنان، وعندما يحين موعد اقتراح أسماء المرشحين الذين تتلاءم مواصفاتهم مع مضامين هذه المبادرة، فإننا لن نتأخر عن إعلان هذه الأسماء».

السابق
التغييريون إلى الشارع إذا «استعصى» إنتخاب الرئيس..وسيناريو «تعويم الحكومة» يتقدم!
التالي
1000 متطرف التحقوا بالتنظيمات المتشدّدة..وعودتهم مربكة الى لبنان!