إسرائيل وإشكالية الحرب الاختيارية ضد «حزب الله» في أجواء مفتوحة على كل الاحتمالات

صواريخ حزب الله

خرجت خلال الأيام الماضية الى العلن مواقف قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بشكل غير مألوف حول تقييمات كل منهم للاتفاق النووي المزمع توقيعه بين إيران والولايات المتحدة في المستقبل القريب. ففي حين عارض رئيس الموساد هذا الاتفاق ووصف تداعياته الأمنية بالخطيرة على إسرائيل والمنطقة، وجد فيه رئيس الاستخبارات العسكرية – المعروفة بإسم أمان – اتفاقا مقبولا وأفضل حل يجمد تقدم برنامج طهران النووي حتى عام 2030، ما سيعطي إسرائيل مزيداً من الوقت للتحضير لحلول مناسبة لوقفه نهائياً.

 هذا الخصام وهذه التصريحات العلنية ليست بالأمر الطبيعي كون هذه الأجهزة مشهورة بالحفاظ على مواقفها السرية وعدم الإفصاح عنها بشكل علني. ويعكس هذا الأمر تغييرات كبيرة في شكل وطبيعة الساحة السياسية-الأمنية في إسرائيل التي يسودها الانقسام الشديد والمتمثل بعدم قدرة أي حزب على الحصول على غالبية في الكنيست واضطرارها للذهاب الى انتخابات تشريعية بشكل متكرر. فإسرائيل ستجري في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل انتخاباتها التشريعية الخامسة خلال أربع سنوات.

اقرأ أيضاً: إسرائيل ومطارات سوريا.. القصة أكبر من عملية «مطاردة»

طبعاً لا يوجد خلاف بين اليمين واليسار في إسرائيل على الخطر الذي تمثله إيران وميليشياتها في المنطقة عليها. إلا أن الانقسام الداخلي الأفقي وتشرذم قوى اليمين واليسار الى أحزاب صغيرة ومتوسطة والذي يترافق مع تنامي الانقسام بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي في أميركا، يؤثران بلا شك في آلية أخذ القرارات وازدياد تأثير السياسة في قرارات المؤسسات الأمنية، ما يصعب ويعقّد أخذ القرارات الكبيرة. 

فلا أحد، إن كان في إسرائيل أو في أميركا، يريد أن يكون مسؤولاً عن قرار الحرب التي قد تتحول إقليمية. كما أن لا أحد يريد أن تصبح إيران دولة نووية خلال فترة تسلمه الحكم. ولذلك، تشهد الساحة حالة من التردد والضياع. تحتاج القيادة السياسية لدعم من الجنرالات يعطي قراراتها حول مواضيع لها بعد عسكري شرعية، وهذا ما قد يفسر التصريحات العلنية للقيادات الأمنية حول الاتفاق النووي وكيفية التعامل معه. 

ويرى بعض المراقبين أن موقف رئيس الموساد يدعم موقف زعيم المعارضة الإسرائيلية المتشدد بنيامين نتنياهو، في حين أن موقف مدير الاستخبارات العسكرية أقرب الى رؤية رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد الذي يحبذ إبقاء علاقات متينة مع إدارة الرئيس جو بايدن وعدم أخذ أي خطوات عسكرية كبيرة من دون موافقتها. ويبدو أن واشنطن ستسعى الى التقليل من قلق إسرائيل عبر خطوتين: الأولى سيكون عبر منحها حزمة مساعدات عسكرية واقتصادية كبيرة لتعزيز قدراتها. والثانية، عبر مشاركتها في عمليات عسكرية لضرب ميليشيات “الحرس الثوري” الإيراني في المنطقة وإضعافها. وتتحدث مصادر إسرائيلية عن مرافقة طائرات حربية أميركية من طراز “أف-35” طائرات إسرائيلية من الطراز ذاته في عملية هاجمت خلالها المقاتلات الإسرائيلية مواقع للميليشيات الإيرانية في اليمن أخيراً. 

ويتوقع المراقبون أن تشهد الساحات التي تنشط فيها الميليشيات الحليفة لإيران، والتي تهدد إسرائيل، هجمات من طائرات الشبح “أف-35” التي لا ترصدها شاشات الرادار لإضعافها وتدمير ما تملكه من أسلحة نوعية مثل المسيرات الهجومية والصواريخ الباليستية الدقيقة أو الصواريخ الجوالة أو المضادة للسفن والطائرات.  

لكن القيادة الإسرائيلية تبقى اليوم أمام إشكالية كيفية التعامل مع تنامي قدرات “حزب الله” والميليشيات الأخرى المدعومة من إيران. وأكثر ما يقلق القيادة العسكرية هو المسيّرات. فهي تخترق الحدود، أي السيادة الإسرائيلية، وتوفر للحزب قدرة على رصد تحركات الإسرائيليين وتحديد مواقعهم العسكرية. كما أنها تشكل أداة حرب نفسية فعالة جداً يستخدمها “حزب الله” بفعالية لإثارة القلق والخوف داخل المجتمع الإسرائيلي، وفي الوقت عينه يستخدمها لرفع معنويات مقاتليه وبيئته الحاضنة. فهو يقدم نقسه على أنه قوة ندية لإسرائيل يستطيع إجبارها على فعل ما يريد وأن يردعها عن مهاجمة الأراضي اللبنانية. فقيادة “حزب الله”، بلا شك، تستشعر مدى الانقسام داخل إسرائيل، كما تدرك أن المجتمع الإسرائيلي بات ناعماً ومرفهاً، وبالتالي لا يحبذ الدخول في حروب كما كان بالماضي، بخاصة اذا كانت ستؤدي الى قصف يطاول بنيته التحتية والمناطق السكنية. لكنه في الوقت عينه يحسب خطواته جيداً لعدم تعدي خطوط حمر ستؤدي الى رد إسرائيلي عنيف يشعل حرباً لا يريدها. لا تزال القيادات العسكرية الإسرائيلية متمسكة باستراتيجية الحروب الصغيرة بين الحروب الكبيرة: أي شن غارات وعمليات عسكرية محدودة لإضعاف قدرات العدو لرفع منسوب الردع بانتظار فرصة تسمح لها بحرب كبيرة تحقق فيها اهدافاً استراتيجية كبيرة. 

فالهجمات المحدودة على غزة تعتبر حروباً صغيرة، كما الغارات الإسرائيلية المتكررة على مواقع لـ”حزب الله” والميليشيات التابعة لإيران في سوريا. آخر حرب كبيرة شنتها إسرائيل كانت حرب تموز (يوليو) 2006 ولم تكن ناجحة، بل أتت آثارها ونتائجها معاكسة لأهدافها المعلنة في حينه. آخر حرب كبيرة ناجحة لإسرائيل وحققت أهدافاً استراتيجية كانت اجتياح لبنان عام 1982 والتي تسميها إسرائيل بحرب لبنان الأولى. 

فالزمن قد تغير كما حال شكل مصدر التهديد لإسرائيل وطبيعة خصمها وعقيدته ونوعية الأسلحة. ومن المرجح أن يشكل إخفاق إسرائيل في حرب 2006 حاجزاً نفسياً لقادتها تجعلهم أكثر حذراً وخشية من الدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج ضد خصم بات يعمل في مساحة جغرافية أكبر تضم سوريا، ولن يتأثر كثيراً وبشكل مباشر وفوري بالدمار الذي ستلحقه الضربات الإسرائيلية في البنية التحتية للبنان. فالقصف الجوي لن يؤدي الى أي نتيجة من ناحية حسمها، وبالتالي ستكون إسرائيل مضطرة لاجتياح جديد لأراضٍ لبنانية، وهو سيناريو يمكن تحقيقه عسكرياً إنما ثمنه على الصعد كافة – سياسياً واجتماعياً ودولياً واقتصادياً وأمنياً – قد يكون أكبر من أن تتحمله، أقله في الفترة الحالية.  

قد لا تكون إسرائيل مهتمه بالدخول في حرب اختيارية جديدة ضد “حزب الله”. إنما لا يمكن استبعاد فرضية أن تؤدي أي عمليات عسكرية محدودة من جانبها أو من جانب “حزب الله” الى ردود فعل تتطور بسرعة الى حرب كبيرة. فالجو الانتخابي المشحون في إسرائيل سيجعل كل جهة تتشدد أكثر في ما يخص أمن إسرائيل، ما قد يدفعها للمبالغة في رد فعلها العسكري على أي عمل يهددها. كما أن إسرائيل مهتمة بالتوصل الى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان لتستمر في عمليات تطوير حقول النفط والغاز والبدء بالتصدير الى أوروبا، لكنها قد لا تجد مصلحة لها بالتوقيع تحت تهديدات “حزب الله”. فخطوة كهذه تحت التهديد ستضعف أي زعيم إسرائيلي أمام خصومه بل قد تفضل إسرائيل المضي قدماً بالتنقيب من دون اتفاق مسبق ليأتي أي رد فعل لها ضد أي تحرك من “حزب الله” على أنه دفاع مشروع عن النفس يحظى بغطاء دولي. ويجب عدم نفي احتمالية أن تشكل عملية عسكرية كبيرة – حرب – بدعم أميركي ضد “حزب الله” الثمن الذي قد تطلبه تل أبيب لتوافق على اتفاق نووي جديد مع طهران. 

باختصار، رغم أن الأجواء لا توحي بوجود نوايا لحرب اختيارية، إنما استمرار الأجواء المتوترة والتعقيدات الجيوسياسية والخطوات التصعيدية من أطراف عدة قد تشعلها سريعاً وربما قريباً.    

السابق
رغم تجاوزه الـ٣٥ ألفا.. الجنوبيون يحجمون عن بيع دولاراتهم!
التالي
تطورات جديدة وصادمة حول وفاة الراسي.. ظلَّ نصف ساعة على قيد الحياة!