النوّاب التغييريون.. «الحائرون»!

اجتمعوا وغاب بعضهم، اتفقوا وتحفّظ بعضهم، اقرّوا هيكلية تنظيمية وحرموا امين السر من صلاحيّات بديهيّة، طالبوا بحقوق المثليين وبعضهم عارض وبشدّة. انهم نواب التغيير في المجلس النيابي الجديد. يصح القول فيهم "النواب الحائرون".


تباين الآراء والمواقف، سمة من سمات الحرية عموماّ، والديمقراطية بشكل خاص، لكن وحدة الموقف تصبح اولوية مع نوابٍ، اتوا من رحم الثورة او على الاقل يُنظر اليهم على هذا الشكل، فالجمهور يتوسّم فيهم الاتحاد والتضامن، لمواجهة احزاب السلطة وانماط العمل السياسي الرائج في لبنان وعلى الدوام قبل قيام٠ ثورة 17 تشرين.

بالغ نواب التغيير في اعتبار انفسهم المصلحون العارفون، انّما بشكل لا يخلو من الفوقية الثقافيّة والابويّة غير المبرّرة


الازمة لا تكمن فقط في نتائج التباينات بين نواب التغيير فحسب، بل تعود الى جذور اعمق قد لا يراها المراقب، ولا يراها نواب التغيير انفسهم. فلقد بالغ نواب التغيير في اعتبار انفسهم المصلحون العارفون، انّما بشكل لا يخلو من الفوقية الثقافيّة والابويّة غير المبرّرة، فطرحوا موضوع الزواج المدني وحقوق المثليين، دون العودة الى قواعدهم الشعبية الحاضرة والحاضنة، والتي على ما يبدو سينسحب منها جزء لا بأس به جرّاء هذا الطرح.

ان نواب التغيير تائهون نتيجة تصوّرهم، الحسن والخاطئ في نفس الوقت، بأنّهم نوّاب لبنان بأكمله ،وكأنّهم دخلوا البرلمان من بوابة النظام النسبي ولبنان دائرة واحدة


قد لا يرى البعض اهميّة لهذا الامر، على اعتبار ان الموضوع برمّته لا يزال في طور المطالبة الكلامية، بعيداً عن الفعل التشريعي والسياسي، واعتبار ان الوقت متاح لاعادة التقييم، او حتى التواصل مع القاعدة الشعبية المعارِضة والمؤيّدة على حدٍّ سواء.
ولكن الاهم ان نواب التغيير تائهون نتيجة تصوّرهم، الحسن والخاطئ في نفس الوقت، بأنّهم نوّاب لبنان بأكمله ،وكأنّهم دخلوا البرلمان من بوابة النظام النسبي ولبنان دائرة واحدة، والحقيقة هي انّهم نواب مناطق محدّدة بأطار الدائرة والمحافظة، وبالتالي لا يمكن لنواب التغيير اهمال ناخبيهم بحجّة العمل لصالح اللبنانيين عموماً، كما انّ الاهتمام بالشعب اللبناني ككل لا يجب ان يعفيهم من اغفال او اهمال الدوائر الاضيق التي خرجوا منها واتوا لخدمتها.
وفي الجذور ايضاً، يظن نواب التغيير، انّهم وكلاء الثورة الحصريين، رافضين الاعتراف بالقوات اللبنانية التي ساهمت بتلك الثورة، وتم توقيف العديد من عناصرها اثناء المظاهرات والشيء نفسه ينطبق على الكتائب اللبنانية، وغيرهم من المُغيّبين من قبل نواب التغيير.

هي قفزة سريعة من التقليدي الى الحديث، ستعرّض نائب التغيير لسوء الفهم، بحيث يُتهم بأنّه يسعى الى الراحة والابتعاد عن الخدمات بحجّة الحداثة والحكم الرشيد

يزداد الوضع قتامة مع سلوك آخر وغير قاتم يمارسه نواب التغيير، وهو الابتعاد عن الزبائنيّة، فهم في غالبيتهم لا يحضرون التعازي والاعراس عند جمهورهم، وهكذا تفوتهم مناسبة التماس مع القاعدة الشعبية وان بشكل عفوي وعشائري بعض الشيء. قد يُمتدح نواب التغيير في ابتعادهم عن الزبائنيّة ومنها التوظيف وتقديم الدعم والخدمات لناخبيهم، لكن المديح لن يكون لغياب النمط البديل والنافع.
الناخب يخسر الدعم ولا ينال شيئاً في المقابل.

هي قفزة سريعة من التقليدي الى الحديث، ستعرّض نائب التغيير لسوء الفهم، بحيث يُتهم بأنّه يسعى الى الراحة والابتعاد عن الخدمات بحجّة الحداثة والحكم الرشيد، كما ان غياب الاشكال الاخرى للقاء النائب بناخبيه يضيف الى المشهد تعقيدا جديداً. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بإمكان الناخب الذي يدعم نوّاب حركة امل، الاجتماع بالنائب او مساعديه في مكاتب الحركة المنتشرة فوق الاراضي اللبنانية، وكذلك الناخب القواتي والكتائبي والاشتراكي، وناخب اي نائب آخر لديه مساعديه وان على هيئة مفتاح انتخابي او زعيم ازلام، امّا ناخب نواب التغيير فهو محروم من هذه الفرصة، ودائماً بحجّة الحداثة والتغيير والتطور.

نواب التغيير بحاجة ماسّة لمراجعة علاقتهم فيما بينهم، وعلاقتهم بجمهورهم العريض


نواب التغيير بحاجة ماسّة لمراجعة علاقتهم فيما بينهم، وعلاقتهم بجمهورهم العريض. عليهم الانتقال سريعاً من مناخات اللحظة العاطفية، التي قدّمتها لهم اولاً تظاهرات تشرين، وثانياً اصرار الناخب في الوطن وفي الاغتراب على انتخاب كل مخالف لاحزاب السلطة، الى مناخات العمل الجاد والعقلاني، والذي يعترف بحقوق الناخب قبل العمل على تثقيفه سياسياً واجتماعيّاً، هذا اذا كان فكر نواب التغيير يندرج اصلاً تحت مسمّى ثقافة وفكر معاصر، لا يقبل النقاش والمراجعة.
الثورة كانت فرصة ذهبية جاءت بنواب التغيير، وراكم مفاعيل تلك الفرصة انسحاب تيار المستقبل من الانتخابات، الامر الذي قد لا يتكرر لاحقاَ.
النائب الحائر نائب متردّد لن يستفيد من طهارة نواياه، اذا وجدت، ولا من رحمة الناخب بعد اربعة اعوام اذا وجدت.

إقرأ أيضاً : قوى «التغيير» تبحث في الاستحقاق الرئاسي.. وتدعو لانتخاب رئيس انقاذي للبلاد!

السابق
الهدر «مستمر» في قطاع الإتصالات.. على القضاء التحرّك!
التالي
ملف الترسيم.. عرضٌ إسرائيلي جديد و«حزب الله» يستعرض!