لماذا يتريث الأسد في إعادة العلاقة مع حماس؟

قال موقع “القدس دوت كوم” أواخر تموز/ يوليو الماضي إن رئيس النظام السوري بشار الأسد لا يتجاوب حتى الآن مع الجهود والمساعي والوساطات لإعادة العلاقة مع حركة حماس. الموقع نقل عن مصادر فلسطينية مطلعة أن القيادة المتنفذة في الحركة لا تزال منفتحة واتخذت قراراً نهائياً بالمصالحة مع الأسد، وأن هذا الأخير لا يبدو متحمساً أو منفتحاً على تلك المصالحة.

بداية؛ بإمكاني تأكيد ما نشره الموقع، وكنت شخصياً قد قلته وكتبته هنا منذ شهور وحتى سنوات على منصات (أورينت)، حيث إن الأسد لا يبدو متحمساً لإعادة العلاقة مع حماس لعدة أسباب، لكن الأمر لا يتعلق به فقط وإلا ما كنا وصلنا أساساً إلى هذه النقطة، بما في ذلك عقد لقاءات مباشرة بين مسؤولين في النظام والحركة التزاماً بالوساطة التي تقودها إيران وذراعها الإقليمية المركزية حزب الله منذ سنوات بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: درعا تهتف مجدداً: «سوريا حرة..إيران برا»!

ثمة أسباب عديدة تقف خلف تلكؤ وتريث وتمنّع بشار الأسد عن استئناف العلاقة مع حماس، أولها أنه يتوهم الخيانة وعدم الوفاء من الحركة، بعدما كان ينتظر منها دعم روايته تجاه الثورة السورية وترويجها لدى أصدقائها وحلفائها وجمهورها العريض في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي بحجة أنه ساعدها وقدّم لها تسهيلات وامتيازات لم يقدمها لأي تنظيم فلسطيني آخر.

ويتوهم الأسد أيضاً أن اصطفاف الحركة إلى جانبه كان سيؤثر إيجاباً لصالحه أمام قطاعات واسعة سواء بين الفلسطينيين تحديداً في سوريا أو في الشارعين العربي والإسلامي بشكل عام.

هنا لا بد من التذكير أن الدعم لحماس كان أساساً من الوطن الدولة والشعب في سوريا العظيمة التي هيمن عليها وصادر قرارها بشار الأسد، والتي يمتد تاريخ دعمها لفلسطين حتى قبل انقلاب حزب البعث وهيمنة العائلة والطائفة على السلطة بسنوات بل عقود طويلة.

ولا يقل أهمية عما سبق أن دعم النظام لحركة المقاومة المركزية في فلسطين هدف أساساً إلى تبييض صفحته، بعد عقود من خوضه معارك شرسة وطاحنة ضد الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير وقيادتها وقرارها الوطني المستقل، كما تكريس شرعيته أمام الشعب السوري العظيم الذي كان ولا يزال بحسه التاريخي الوطني والقومي والديني داعماً بقوة لحماس ومقاومتها الأصيلة والقضية الفلسطينية العادلة بشكل عام التي تصرفت سوريا التاريخية العظمى على أنها قضيتها الخاصة أيضاً.

غير أن رئيس المكتب السياسي آنذاك  خالد مشعل كما قيادة الحركة المتماهية مع فكر الإخوان المسلمين حتى مع استقلاليتها التنظيمية كانت تعي جيداً أن جمهور حماس العريض في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي مؤيّد بقوة للثورة السورية والثورات العربية الأصيلة، ورافض لجرائم بشار الأسد وحلفائه الطائفيين ضد الشعب السوري، وبالتالي لم يكن بإمكان قيادة حماس أصلاً “حتى لو أرادت” تبييض صفحة النظام أو ترويج روايته التي تعرف أنها كاذبة وتتناقض مع الوقائع على الأرض، وما كان ليصدقها أحد من جمهورها ومحبيها، ناهيك عن خسارة مصداقيتها ومناقبيتها كما انفصامها عن قناعاتها وتقييمها للتطورات في سوريا والمنطقة.

وهنا ثمة رواية تجب أن تروى حيث عقد لقاء كان مبرمجاً مسبقاً بين خالد مشعل وبشار الأسد صباح 12-2-2011 أي في اليوم التالي لسقوط نظام حسني مبارك وفيه نصح مشعل الأسد بقراءة المرحلة والخروج بالاستنتاجات الصحيحة منها تحديداً لجهة القيام بالإصلاحات اللازمة والإنصات إلى مطالب الشعوب خاصة الشباب منهم، كما طلب مشعل وبنفس السياق دعم حسن نصر الله، حيث زعم الأخير أنه قدّم نفس النصائح أيضاً لبشار الأسد الذي سمع نفس الكلام من المبعوث السوداني محمد بشار دوسة – أبريل من نفس العام – وأجابه صراحة أنه مقتنع تماماً بتلك النصائح ولكن العائلة لن تسمح له بتنفيذها حسب تعبيره الحرفي.

أما السبب الآخر الواقعي أو الراهن الذي يدفع الأسد للتريث في المصالحة مع حماس فيمتثل باعتقاده أنه لا يستفيد شيئاً منها كونه حصل “وحلفاؤه” منها مسبقاً على ما يريد حتى قبل أن يدفع المقابل ويتعلق الأمر بتصريحات قيادة حماس المتنفذة المتزلفة للنظام وسوريا الأسد، واعتبار الحركة عضواً في محور المقاومة المزعوم الذي يضم الأسد أيضاً، إضافة إلى البيانات الفورية والعاجلة “والتي تسبق حتى بيانات النظام نفسه” لإدانة الغارات الإسرائيلية التي تستهدف قواعد الاحتلال الإيراني الذي استعان به الأسد لقتل الشعب السوري وإجهاض الثورة، والبقاء في سدة الحكم والذي لم ترفضه إسرائيل إلا عندما قررت إيران تحويل تواجدها لمساعدة النظام إلى تموضع استراتيجي بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية دائمة في سوريا.

بمعنى آخر فقد هرولت قيادة حماس وتعاطت بسذاجة مع الوساطة وطرحت كل أوراقها حتى قبل التفاوض الفعلي مع النظام على العودة وإعادة فتح مكتبها في دمشق المحتلة، واستئناف حضورها التنظيمي في المناطق “غير الآمنة لها” الخاضعة لسيطرته وللدقة سيطرة الغزاة الروس والإيرانيين وحتى الاحتلال الإسرائيلي نفسه.

مرتبط بما سبق، شعور النظام أن لا حاجة له إلى حماس بعدما أعادت بعض الدول العربية افتتاح سفاراتها في دمشق، وشقت قنوات تواصل وتنسيق سياسي اقتصادي وأمني معه بينما تدعم الجزائر علناً عودته إلى الجامعة العربية كما تونس قيس سعيد، إضافة إلى حلفائه بالعواصم التي تحتلها إيران في بغداد وبيروت، وعليه يعتقد الأسد أنه ليس بحاجة لحماس لشرعنته أو تعويمه بعدما قامت بذلك فعلاً عبر تبني روايات حلفائه عن محور المقاومة المزعوم، وأن الدفاع عن النظام جاء لصد مؤامرة مزعومة تستهدف المحور والقضية الفلسطينية.

إضافة إلى المعطيات السابقة كلها يجب الانتباه أن القرار لا يعود إلى النظام وإنما إلى رعاته ومشغليه في طهران وبيروت، وواضح أنهم تعمدوا عدم الضغط الجدي عليه لانتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من حماس بما في ذلك اشتراط إعلان إجماع الحركة على العلاقة مع الأسد في نسف لكل القواعد الديموقراطية والتنظيمية التي لا يؤمن بها المحور الطائفي ولكن يجب أن تأخذها حماس بعين الاعتبار قياساً للتوازنات الحزبية والجغرافية فيها، وبالتالي عدم الرضوخ والإعلان عن إجماع غير موجود أصلاً وهو أمر ظاهر للعيان، وبإمكاني تأكيده بالطبع، إضافة إلى التصريح الشهير والعلني للشيخ نايف الرجوب أحد أبرز قادة حماس في الضفة الغربية الذي رفض إعادة العلاقة كون النظام لا وزن له ولا قيمة حسب تعبيره الحرفي.

وبالعموم عندما يضغط المشغلون جدياً على الأسد بعدما يقتنعوا تماماً أنهم حصلوا على كل ما يريدون من حماس لن يستطيع قول لا؛ كون بقائه في السلطة مرتبطاً بهم وحتى المحتل الروسي ما كان ليضمن بقاءه جوياً دون قوات برية لإيران وميليشياتها وأذرعها الطائفية.

السابق
«طقس معتدل» في آب..إنخفاض طفيف في الحرارة والرطوبة!
التالي
هل يدفع «حزب الله» من الخلف مركب تشكيل «حكومة الفراغ»؟