حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق يتأرجح على حافة.. البقاء!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كان واضحا ان قرار مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، يتجه الى خيار التصعيد في الشارع، بعد ان لمس جدية قوى الاطار التنسيقي بالتعطيل، وعدم السماح للتحالف الثلاثي “انقاذ وطن” بالسير في مشروع الاغلبية السياسية الذي رفعه. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: السيرة الاربعينية لحزب لم يتشكل بعد!

قرار التصعيد الصدري، بدأ مؤشراته مع الاحتفاليات المتنقلة التي دعا لها التيار بذكرى اغتيال والد مقتدى السيد محمد محمد صادق الصدر وولديه، على يد اجهزة صدام حسين الامنية، ووصل ذروته بالاعلان عن استقالة نواب الكتلة الصدرية الثلاثة والسبعين (73) من البرلمان، على الرغم من تشكيلهم الاغلبية النيابية داخل نواب المكون الشيعي. ثم في الخطوة المتقدمة التي تمثلت بالصلاة الموحدة التي اقيمت في ضاحية العاصمة بغداد في مدينة الصدر يوم 15 تموز الماضي، وحشد فيها مناصري التيار من مختلف محافظات الجنوب والفرات الاوسط، وحتى بعض المشاركين من المحافظات الغربية من المكون السني.

كان واضحا ان قرار مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري يتجه الى خيار التصعيد في الشارع بعد ان لمس جدية قوى الاطار التنسيقي بالتعطيل

بعيدا، او بغض النظر عن المواقف المعلنة للقيادات السياسية العراقية من المكون الشيعي تحديدا، والى حد ما داخل المكون الكردي ايضا. حول ابعاد الازمة التي يعيشها العراق، وحالة الانسداد السياسي التي تعرقل عملية استكمال الاستحقاقات الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية واختيار رئيس حكومة جديد.، فان التوصيف الاقرب الى حقيقة هذا الصراع وخلفياته، هي انه “صراع وجود” طرفاه التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يرفع شعار “الاغلبية السياسية”، والقوى والاحزاب والفصائل المنضوية ضمن الاطار التنسيقي التي تدعو الى تشكيل حكومة توافقيه بمشاركة جميع اطياف المكون الشيعي.

قرابة الاشهر العشرة انقضت على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في 10 اكتوبر/ تشرين اول 2021، التي عمقت نتائجها وعقدت المشهد السياسي، في وقت كان من المفترض بها ان تشكل المدخل لحل الازمة التي نشأة بعد اندلاع حركة احتجاجية “حراك تشرين”، والتي اطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي، بعد مواجهات في ساحات المدن العراقية ادت الى سقوط عدد من الضحايا والكثير من الجرحى، يستمر الخلاف حول اعدادهم والجهات التي تتحمل مسؤولية اطلاق النار.

“صراع وجود” طرفاه التيار الصدري والقوى والاحزاب والفصائل المنضوية ضمن الاطار التنسيقي التي تدعو الى تشكيل حكومة توافقيه بمشاركة جميع اطياف المكون الشيعي

عدم قدرة الصدر، في احداث خرق داخل صفوف قوى الاطار التنسيقي، تؤسس لتفكيك وحدة القرار داخله، وتسمح له بكسر الاغلبية البرلمانية المعطلة، التي استخدمتها هذه القوى لتعطيل الاستحقاق الدستوري في رئاستي الجمهورية والوزراء، دفعت بخيار الاستقالة الصدرية من البرلمان، بهدف “قلب الطاولة” ورمي الكرة في ملعب الاطار وكشف عجزه عن تلقف هذه الفرصة وعدم قدرته على المضي في تشكيل الحكومة من دون تمثيل للتيار الصدري فيها او في البرلمان. وبالتالي تفتح الطريق امام الصدر لاستخدام ورقة الشارع والاحتجاجات والتظاهرات، كخيار تعطيل وافشال لمساعي الاطار في الذهاب الى تشكيل حكومة توافقية. 

في المقابل، استطاعت قوى الاطار الحفاظ على وحدة الموقف داخل صفوفها، بحيث استطاعت الاصوات الداعية للمضي في استكمال الاستحقاقات الدستورية واختيار مرشح لرئاسة الوزراء من صفوفهم، استطاعت الانتصار على الاصوات المطالبة بضرورة التحاور مع الصدر ومحاولة اقناعه بالعودة الى المشاركة في الحكومة، بما يمنع او يقطع الطريق من الذهاب الى مواجهة متفوحة معه سياسيا وشعبيا. 

اعلان الاطار التنسيقي ترشيح محمد شياع االسوداني لرئاسة الوزراء، ومطالبه المكون الكردي الاسراع في التفاهم حول مرشح رئئاسة الجمهورية، والتلويح بدعوة البرلمان لعقد جلسة الانتخاب، عززت من شعور الصدر بفشل خطوة الاستقالة وعدم الحصول على النتيجة او الهدف الذي كان يخطط له، على الاقل في تكريس القناعة لدى القوى السياسية العراقية جمعاء بضرورة الذهاب الى انتخابات مبكرة. بحيث لم يترك له سوى اللجوء الى الشارع والتهديد “بثورة عاشورائية” ضد خصومه شركاء الامس واتهامهم بالفساد والمحاصصة والتبعية للخارج – ايران- وتنفيذ اجنداته على حساب المصالح الوطنية والشعب العراقي. 

استطاعت قوى الاطار الحفاظ على وحدة الموقف داخل صفوفها بحيث استطاعت الاصوات الداعية للمضي في استكمال الاستحقاقات الدستورية

واذا ما كان الصدر لا يملك سوى الذهاب الى نهايات الامور، واستخدام جميع الوسائل التي يملكها او القادر على توظيفها، لتعطيل مشروع الاطار التنسيقي، حتى ولو ادى ذلك الى انقسام عمودي داخل المكون الشيعي واراقة الدماء واشعال حرب بين ابنائه، فان الاطار التنسيقي ايضا يواجه الازمة نفسها الان. اذ يشكل اي تراجع له، او الاستجابة لمطالب الصدر بوقف مسار استكمال العملية الدستورية والتخلي عن ترشيح السوداني لرئاسة الوزراء، نهايته السياسية، لانه بعد ذلك لن يكون قادرا في الحصول على الفرصة التي اتيحت له، والتي ساعدت في الابقاء على اقطابه مؤثرين في الحياة والمشهد السياسي. 

لا شك ان حراكا بين القوى الشيعية قد بدأ للجم التصعيد، وعدم تحوله الى صراع دموي ومواجهة مفتوحة، الا ان الطرفين – الاطار والتيار- بات من الصعب على اي منهما التراجع، خوفا من تداعيات ذلك على استمراره وتأثيره، وحتى لا يوضع في خانة المهزوم امام ارادة الاخر. الامر الذي يضع العراق في سباق ما بين التفاهم والتسوية، وبين التفكك والسقوط في دوامة حروب مناطقية متنقلة. 

هذا الصراع الوجودي بين طرفي المكون الشيعي قد يصح الى حد كبير على المكون الكردي، الذي يتمظهر في الخلاف بين حزبي الاتحاد الوطني

هذا الصراع الوجودي بين طرفي المكون الشيعي، قد يصح الى حد كبير على المكون الكردي، الذي يتمظهر في الخلاف بين حزبي الاتحاد الوطني، بزعامة بافل طالباني والديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني على منصب رئاسة الجمهورية، وان فشل الاتفاق على مرشح توافقي والذهاب بمرشحين الى البرلمان، قد يقود الى تصعيد الخلافات بينهما، بحيث قد تضع وحدة الموقف داخل الاقليم في دائرة التهديد، وامكانية حصول انفصال بين اربيل والسليمانية وما يعنيه ذلك من اسالة الدم الكردي. 

السابق
المطربة السورية بادية حسن.. حب لبيروت
التالي
«حزب الله» يتلطى وراء «أخضر بلا حدود» للإستيلاء على أراض في رميش!