السيد مهدي الأمين في مؤتمر روما: الحوار الديني يحتاج إلى خطوات جبارة وجريئة

السيد مهدي الامين

ضمن فعاليات مؤتمر اللقاء الشيعي الكاثوليكي الثاني الذي عقد في العاصمة الايطالية روما، يومي 13 و14 من الشهر الحالي، تحت شعار “الكاثوليكية والشيعة في وجه المستقبل”، شارك السيّد مهدي الأمين في المحور الرابع من المؤتمر وقدّم ورقة بعنوان “المستقبل: اللقاء بين الأجيال”.
وقدّم السيد الأمين، بعض الملاحظات والتوصيات التي من الضروري العمل على إرسائها تعبيراً وترسيخاً لأرضية أي حوار مهما كانت هوية أطرافه.

الحوار الديني سيبقى مهدداً في رسالته واهدافه إذا لم يقترن بتوفير أقصى درحات المناعة


وأشار الى انه “من الواضح أن الحوار الديني سيبقى مهدداً في رسالته واهدافه إذا لم يقترن بتوفير أقصى درحات المناعة، ولا سيما داخل المجتمعات التي تشكو عادةً من هواجس الغبن والإجحاف والقلق على مصير هوياتها وخصوصياتها الثقافية والعقدية (اللاهوتية).
وتابع “إذا كان الحوار هو الإطار الطبيعي لتحقيق مهمات هذه المناعة فإن تحصينها هذه المرة يجب أن يتصل بقيم الحياة الإنسانية ومستقبلها المرهون بمدى نجاحها في الإقلاع عن ذهنية رفض الآخر الديني او العرقي أو القومي… والانتقال من رحلة الوسائل الكلامية – التي تعدّ هي الأساس والمنطلق للحوار – إلى مرحلة الوسائل العلمية والعملية”.
ورأى ان “توفير جهاز مناعي لحوارنا الديني يحتاج إلى خطوات جبارة وجريئة تكون أساساً داعماً لمشروعية الحوار الذي سوف تبتني عليه مجموعة كبيرة من المفاهيم والقيم التي يسعى إليها المتحاورون، وذلك على نحو الشراكة والشركة في الأسس والنتائج”.
الى ذلك لفت الى ان “ما قام به قداسة البابا فرنسيس بزيارته لمدينة النجف الأشرف ولقاء المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، تشكّل هذه الخطوة الجبارة والجريئة التي أشرت إليها آنفاً، تشكل أيضاً لقاحاً استثنائياً للجهاز المناعي الحواري – وهو تشبيه فرضته علينا الظروف التي عشناها في ظل كورونا – ولكن ومع الأهمية القصوى لهذه الخطوة الجبارة على مستوى هذين الهرَمَين الكبيرين: قداسة البابا والمرجع الشيعي الأعلى، إلا أننا مُلزَمون أن نحمل هذه الرسالة المقدسة بقوة ونسعى للانتقال بها إلى المرحلة الثانية التي أشرتُ إليها سابقاً، وهي مرحلة التأسيس العلمي والعملي لهذه الرسالة”.

تُعدّ هذه الوثيقة التاريخية المهمة والجريئة والتي صدرت عن المجمَع الفاتيكاني الثاني تكريساً لانفتاح الفكر المسيحي الكاثوليكي على قِيم الحداثة


وقدّم الأمين، بعض الاقتراحات التي رآها ضرورية لخدمة هذه الرسالة ومسيرتها، مشيرا الى انه “مبكراً ومبكراً جداً، أي في 28 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1965م أصدر قداسة بابا الفاتيكان بولس السادس، إعلاناً تاريخياً هاماً يقضي بتصالح الفاتيكان مع الأديان الأخرى في العالم، وهو المعروف بـ(Nostra Aetate) (في عصرنا”.
ورأى الأمين انه “تُعدّ هذه الوثيقة التاريخية المهمة والجريئة، والتي صدرت عن المجمَع الفاتيكاني الثاني، تكريساً لانفتاح الفكر المسيحي الكاثوليكي على قِيم الحداثة ومصالحة تجربة الأديان مع مبادئ العلمنة والحرية والديمقراطية، كما تعتبر عبوراً لمفهوم الإيمان والخلاص إلى صياغة لاهوت التعددية الدينية ونهاية القراءة الإطلاقية والإقصائية للدين المسيحي الكاثولكي”.
واعتبر انه “لا شك في أن هذا البيان يمثّل مراجعة لبعض اليقينيات الكبرى المؤسسة لتاريخ الفكر المسيحي، ولكنه لم يكن على الإطلاق (ارتداداً) عن القيم المسيحية الأصيلة، بل إعادة تأويل عميق لأسس الإيمان المسيحي مبنيّة على قراءة الكتاب المقدس وتقاليد الآباء المؤسسين للكنيس”.
ولفت الأمين الى انه “في محاولتي البحثية هنا أودّ أن أقدم وجهة نظر قرآنية ليست بعيدة أبداً عما قدَّمَته وثيقة (نوستا ايتاتي) من حيث الروح وإمكانية الخلاص لغير المسلمين، ووجهة النظر هذه هي قراءة شخصية لبعض آيات القرآن الكريم أضعها بين أيديكم لإبداء النظر، قال تعالى:
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: 64].
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69].
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].

يصبح بالإمكان اجتراح فضاءات وأنماط من الحوار تساعد على إرساء علاقات دينية وإنسانية قادرة على خلق ثقافة تعترف بالآخر وبالتعدد


وقد سلّط الأمين، الضوء على الآية الأخيرة، وهي الآية 62 من سورة البقرة، قائلا “من الواضح أن الآية الكريمة على أقلّ تقدير أضافت إلى الذين آمنوا (أي المسلمين)، أضافت اليهود والنصارى والصابئة، أنهم يوم القيامة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أي بتعبيرٍ آخر فإن الخلاص يشملهم يوم القيامة والحساب، نعم، وضعت الآية الكريمة شروطاً لهذا الخلاص، ألا وهي الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح، فمن التزم هذه الشروط وفاهُ الله تعالى أجره وآمنه من الخوف والحزن، أي أنه أصبح من أهل النعيم مثلهم مثل المسلمين الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً”.
وتابع “محاكاةً لما تقدم في وثيقة (نوسترا ايتاتي) فإن الآيات المتقدمة تتوافق بشكل كبير جداً معها، خاصة بما يتعلق بالأديان الإبراهيمية، أو بما نصطلح عليه نحن المسلمون بأهل الكتاب، ويستحق هذا التوجه القرآني أن يكون نواة لإعلان يشبه (نوسترا ايتاتي) ويتلاقى معه إلى حدٍ كبير.”
كما أكد الأمين على مسألة مهمة، وهي الإعلان الذي قامت به الكنيسة الكاثوليكية في العام 1965م هو موقف لاهوتي بامتياز، أي موقف عقدي نابع من قراءة عميقة للدين، وليس موقفاً سياسياً مجاملاً، وهنا تكمن أهميته، فنحن المسلمون مدعوون إلى إعادة قراءة النص الديني الأول – أي القرآن الكريم – قراءةً بهذا الاتجاه لكي تتلاقى مع هذا الإعلان في وسط الطريق”.

السلام سيظل مرهوناً باجتراح معجزة التوافق العالمي على صياغة إنسانية للقيم العليا


وأشار الى أن “الموقف الديني من الحوار سوف يتناول أصل مشروعية الحوار التأسيسي لها دون الخوض في تفاصيل هذا الحوار، فبعد استخلاص رؤية وبنية تعترف بالآخر الديني وتشرّع الحوار معه، تصبح مهمة إدارة الحوار مهمة بشرية تدبيرية تعمل وفق مقصد ديني ثابت في العقيدة، وبالتالي تنتقل مهمة الحوار من الجانب العلمي إلى الجانب العملي المتعدد الآفاق، ويصبح بالإمكان اجتراح فضاءات وأنماط من الحوار تساعد على إرساء علاقات دينية وإنسانية قادرة على خلق ثقافة تعترف بالآخر وبالتعدد”.
وختم الأمين، قائلا إنه “إذا كان الدين في صميم روحه الأخلاق والمعاملة، فإن الحوار في صميم رسالته العلمية والعملية هو التماس للروابط التي تصل بين المختلفين لتجعل منهم أسرة أخلاقية متناغمة يحددها الامتناع عن أي تضليل يسفك حرمة الإنسان وكرامته باسم الدين، والانخراط في دائرة إنسانية واسعة تتجاوز فيها كل القيود الوهمية التي أساءت إلى الأديان وجوهرها الحقيقي”.
وأضاف “ولئن كان المرتجى من الحوار اكتشاف المنابع الروحية والثقافية والمادية للسلام العالمي، فإن هذا السلام سيظل مرهوناً باجتراح معجزة التوافق العالمي على صياغة إنسانية للقيم العليا، المعنية بضبط المسافة بين بساتين التنوّع الإنساني الخلّاق وبين حدائق خصوصياته المفتوحة على تناغم الأخلاق المشتركة بين حضارات العالم”.

السابق
روما تستضيف مؤتمر «الكاثوليكية والشيعة في وجه المستقبل».. السيد جواد الخوئي: لتأليف لجنة دائمة مشتركة تدفع بعملية التواصل
التالي
لا جدول لأسعار المحروقات اليوم.. وابو شقرا يحذر!