الحلف العسكري هو أعلى مستويات التحالف

بايدن والملك سلمان

هناك مركز للمفاجآت في المنطقة هو إسرائيل
وهناك مركز للعزلة في المنطقة هو إيران
وهناك مركز للاستقرار في المنطقة هو مصر
وهناك مركز للازدهار في المنطقة هو الخليج
هذه هي المراكز الأربعة التي يمكن توصيف المنطقة على أساسها حاليا. لكل مركز من هذه المراكز سماته، غير أن المفارقة هي أن المركز الإيراني الذي يبدو في الجغرافيا السياسية الأكثر توسعاً في أربع دول هو في الواقع الأقل أفقاً سياسيا مفتوحاً بينما إسرائيل “المعزولة” لم يبقَ من عزلتها القديمة سوى العنصر المعنوي الذي تتسبّب به سياستها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في الداخِلَيْن الداخلي ومناطق الحكم الذاتي. وعلى الاستراتيجيين الإيرانيين أن يسألوا أنفسهم انطلاقا من أهمية الصراع مع إسرائيل الذي تبنّوه لماذا كسرت إسرائيل وتكسر عزلتها بشكل مستمر في زمن “قيادتهم” لمدرسة الصراع معها الموروثة عن القومية العربية فيما إيران تزداد عزلة داخل المنطقة وخارجها رغم تمكّنها من التغلغل النافذ داخل العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ من المسؤول عن التقدم الاستراتيجي الإسرائيلي وكم تتحمّل السياسة الإيرانية قسطها في مسؤوليته العميقة على مدى أربعين عاماً؟

اقرأ أيضاً: ما وراء «التهدئة» في المنطقة؟

لا يبدو المجتمع الإسرائيلي حاليا مهيَّأً لديناميكية سياسية تنتج مبادرة وضع حد للاضطهاد المؤسّسي للشعب الفلسطيني السياسي والقانوني والاقتصادي. تبدو سنوات التسعينات من القرن المنصرم سنوات واعدة وإيجابية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي استمرت حتى اغتيال إسحق رابين عام 1995، هذا الاغتيال الذي تبيّن خلال العقد اللاحق أنه انقلاب ليكودي يميني لمنع أي حل إسرائيلي يقبل به الفلسطينيون الذين كانوا يومها في ظل قيادة تاريخية قادرة على اتخاذ القرار هي قيادة “فتح” بزعامة ياسرعرفات. طبعا كانت مجزرة الحرم الإبراهيمي الوحشية عام 1994 المؤشر الأول على مدى عدم مطواعية المجتمع الإسرائيلي لأي حل للصراع. لكن اغتيال رابين هو نقطة التحول السياسية المتواصلة داخل إسرائيل فيما يستمر اليسار الإسرائيلي التقليدي في تراجعه.
ظلّت العقلانية السياسية العربية على قيد الحياة وأسفرت عن قمة بيروت عام 2002 التي أطلقت المبادرة الكبرى للسلام بقيادة المملكة العربية السعودية.

الآن ها هو “الشرق الأوسط الجديد” وقد وُلِد دون حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الظاهر أن هذا الشرق الأوسط الذي أتانا مستقبله دون استئذان لا يزال يولد كل يوم مع المفاجآت التي تظهر والتي لم تعد تحمل طابع المفاجأة بسبب سرعتها وكثافة مضامينها. وها هو الحدث الكبير، الكبير جدا الذي كشَفَتْه “الوول ستريت جورنال” عن اجتماع تنسيق بين رؤساء أركان جيوش عربية ورئيس الأركان الإسرائيلي في مصر في آذار المنصرم ليُظهِر حدود التحالفات الجديدة التي صارت تتجاوز التحالف السياسي لأن التحالف العسكري هو أعلى أنواع التحالف وأكثرها جرأة .
وسط كل هذا تستعد المنطقة لاستقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في الثالث عشر من تموز المقبل عندما سيلتقي في جدة السعودية رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق. لقد سبق لي أن كتبتُ في تعليق يوم الخميس المنصرم أن زيارة كزيارة الرئيس بايدن “لا يمكن أن تكون بلا مفاجآت” وإذا بواحدة من أكبر مفاجآتها النوعية تحصل قبل الزيارة بعدة أشهر وهي اللقاء العسكري الإسرائيلي العربي ضد إيران وقابلياتها العسكرية المتجددة.

هل تكون زيارة بايدن تأسيسًا للعقد السعودي الأميركي الجديد الثاني بعد العقد الأول الذي أبرمه الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز عام 1945؟ كما كتب عديدون في واشنطن؟ ربما الأمور أعقد من ذلك لاسيما أن عقد 1945 قام على توزيع نفطي واضح إقليمي ودولي بينما المفترَض “عقد” 2022 يُطرَح في زمن متغيرات عالمية عميقة ومسرح دولي آخذ بالتبلور ولم يكتمل بعد. وسنرى في الأيام الآتية معنى “حادث” سماع الصحافيين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبلغ الرئيس الأميركي جوزف بايدن عن محدودية قدرة السعودية والإمارات على زيادة إنتاجهما النفطي عن معدّله الحالي.
لكننا لا نزال ننتظر مفاجآت لم تعد مفاجآت.
في مراكز المنطقة الأربعة يلعب الاقتصاد طبعاً دورا حاسماً.

تصوّرْ إيران في هذا المشهد الذي انضمت إليه تركيا العائدة إلى تنشيط علاقاتها بإسرائيل عبر السعي لجعل قطاع الغاز وشبكته المتعددة الدول أساس توصيل الحصة الإسرائيلية منه إلى أوروبا في لحظة دولية تجعل غاز شرق المتوسط البحري لقمة شهيّة في السوق العالمي وتحديدا في أوروبا التي تعيش حاليا تحت وطأة صدمة المدافع الروسية في أوكرانيا..

حتى إيران تحاول العثور على منافذ استراتيجية لتخفيف عزلتها عبر صياغة علاقات اقتصادية مع الصين وعلاقات عسكرية مع روسيا أصبحت مفتوحة أكثر بعد الحرب الأوكرانية والقابليات الروسية الجديدة لكسر العزلة الغربية. وسنرى أيضا بعد جولة مفاوضات قطر هل من مخرج لانسداد مفاوضات جنيف حول الملف النووي؟
في هذا المشهد لبنان البائس سياسياً والضائع اقتصاديا ربما وحدهما الثقافة والتعليم هما ما تبقّى له ولنا من منافذ. لكن هذا حديث سابق ولاحق عن بلدنا العزيز الذي انتقل من مركز في المنطقة إلى نقطة فيه تحتاج إلى مساعدات غذائية في هذا “الكرنفال” المخجل من التسوّل.
أي حرب هذه التي كسبتها إسرائيل دون أن تخوضها!

السابق
كيف إفتتح دولار السوق السوداء اليوم؟
التالي
إليكم طقس الأيام المقبلة!