حسن عبدالله شاعر «الدردارة» و«أجمل الأمهات» والأطفال.. سيرة حاضرة تطغى على الغياب!

حسن العبدالله

وغادر الشاعر الجنوبي ابن بلدة الخيام، حسن عبدالله (1943-2022) مستبقا الرحلة الأبدية. مات حسن في بيروت، حيث كان يسكن ويعيش، بعد معاناة مع مرض عضال وبعد بحث دؤوب عن مادة الأوكسجين، في بلاد يسوق حكامها الهلاك لأهلها عن سابق إصرار وتصور.

رحلة الشاعر في غابة القصيدة واللغة فكانت رحلة بمسافات جمّة، مفتوحة على زمن مضلّع ولولبي ثاقب


أما رحلة الشاعر في غابة القصيدة واللغة، فكانت رحلة بمسافات جمّة، مفتوحة على زمن مضلّع ولولبي ثاقب. فقد شكّلت مجموعته الشعرية (الدردارة) الصادرة عن دار الفارابي النقطة الأكثر توهجاً في شعره ، فمن لا يتغنى أو ينسى الأسطر الأولى من القصيدة التي يمكن اعتبارها من أجمل وأعذب وأشعر افتتاحيات قصيدة الحداثة اللبنانية عموماً: “الماء يأتي راكباً تيناً وصفصافاً/يقيم دقيقتين على سفوح العين/ثم يعود في سرفيس بيروتَ – الخيامْ/- سلِّم على… سلِّم على…/ يا أيها الماء التحيةُ/أيها الماء الهديةُ/أيها الماء السلامْ/- سلِّم على… سلِّم على…/وعلى الذي في القبر/واسقِ القبر/واطلع وردةً بيضاءَ فوق القبر/واجعلْ أيها الماء النهار مساحةً مزروعةً جَزَراً/وطيٌر راكضٌ تحت الشتاء/وانني في الصيف/من عشرين عامْ/أفعى على برّ الخيام/وضفدعٌ في الماء/والدَّرداره/عينٌ رأت حُلُماً وفسَّرَه المزارعُ لوبياء”.


لم يتزوج الراحل، لكنه ترك للأطفال أكثر من ستين قصة، وفازت إحداها بعنوان “لكي لا تموت الأسماك” بجائزة مخصصة للأدب الموجه للأطفال المتوحدين أقيم فى مدينة “فانكوفر” الألمانية عام 2017، بعد أن ترجمت للغة اليابانية.
هل حادث الراحل نفسه قبل سنوات حين استشعر وكتب:”قد لا أكون هناك في تموز ذاك العام /لكن/أيها الماء الذي وثب الزمان/والذي جاء محرورا إليّ/سلّم عليّ/سلًم عليّ/وعليهما/يا أيها الماء السلام/عليهما/الدردارة الصفراء/وابنتها الخيام.”

الشاعر حسن عبدالله


للأطفال حصة كبيرة في كتابات الراحل ، فكتب للطفولة الكثير وصدر له حوالي ستين كتاباً بين شعر ونثر شكلت علامة بارزة في أدب الأطفال في لبنان والعالم العربي. كما وشارك في مهرجانات شعرية محلية وعالمية. وفي ندوات ومؤتمرات أدبية عربية ، وترجمت مختارات من شعره إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية والروسية.

كتب للطفولة الكثير وصدر له حوالي ستين كتاباً بين شعر ونثر شكلت علامة بارزة في أدب الأطفال في لبنان والعالم العربي


لكنه انقطع عن كتابة الشعر نحو 18 عاماً وأطل بعدها بمجموعته “راعي الضباب” التي شكلت تطوراً نوعياً في مسيرته الشعرية، وأثارت، بواقعيتها الحادة ولغتها اليومية المباشرة وأبعادها التعبيرية اهتمام النقاد.
تحولت بعض قصائده للأطفال إلى أغنيات بالحان الموسيقار الراحل وليد غلميه والفنان أحمد قعبور. كما غنى، من شعره، الفنان مارسيل خليفة أغنيتي “أجمل الأمهات” و”من أين أدخل في الوطن”، وكذلك الفنان خالد الهبر.


الشعر الذي كتبه الراحل يجسد الشعر “الواقعي”، لكنه يعتمد أسلوباً وصفياً مؤثراً يكشف عن العلاقات المقنعة التي تهدد وجودنا الإنساني.
تدور معظم قصائده حول أجزاء من سيرته الذاتية بين الخيام وصيدا وبيروت. إلا أن وقائع هذه السيرة مشحونة بالتأملات التي تعكس مناخ مرحله شكلت تحولاً نوعياً على الصعيدين الثقافي والاجتماعي.
غير أن السيرة الذاتية تتجاوز في شعر عبد الله سياقها التاريخي لتأخذ منحى درامياً يتشكل في تجربة راهنة ويعبر عن علاقته المتأزمة بالواقع.

تدور معظم قصائده حول أجزاء من سيرته الذاتية بين الخيام وصيدا وبيروت

نشر حسن عبد الله قصائده في عدد من المجلات والصحف الأدبية، كما نشر في مطلع حياته عدداً من القصص القصيرة.
أذكر أنني أحببت – دار الفارابي – 1972
الدردارة – دار الفارابي – 1981
راعي الضباب – دار رياض الريس للكتب والنشر – 1999
ظل الوردة – دار الساقي للنشر والتوزيع – 2012

حصل على أكثر من جائزة أدبية وكُرّم في مهرجان السينما الدولي الحادي عشر للأطفال في القاهرة


حصل على أكثر من جائزة أدبية، وكُرّم في مهرجان السينما الدولي الحادي عشر للأطفال في القاهرة. ومنحته وزارة الثقافة المصرية العام 2002 جائزةً عن مجمل أعماله الأدبية للأطفال.
نال في العام 2012 جائزة الإبداع الأدبي في حقل أدب الأطفال من مؤسسة الفكر العربي.

الشاعر حسن عبدالله


نال جائزة الشيخ زايد لأدب الأطفال في دورتها الحادية عشر عن كنابه “صديق النجوم” في العام
بغياب حسن يفقد الشعر اللبناني ركناً أساسياً وقامة قادرة ، طوّعت اللغة وجعلتها عجينة جاهزة للخبز المشتهى.فهو واحد ممن عُرفوا بـ “شعراء الجنوب”، وكان أكثر هؤلاء الشعراء “سريّة وخفوتاً” قبل أن “تفرّقوا كل إلى مشروعه، ومضى حسن عبد الله إلى صمته. بقي الشاعر بامتياز، حتّى في كسله”.
إضافة الى الشعر وأدب الأطفال، شقّ الراحل طريقه مبكراً إلى الفن التشكيلي والرسم فأنجز نحو 40 لوحة تعكس الطبيعة التي تحضر بقوة في قصائده.
وسبق للراحل أن صرّح عن علاقته بلوحاته قائلاً: “كنت أعيش في بلدة محاطة بالزرع والاخضرار والمروج والأودية، ولا شك أن لوحاتي هي ترجمة للطبيعة في بلدتي الخيام”.
حصل الراحل على أكثر من جائزة أدبية، وكُرّم في مهرجان السينما الدولي الحادي عشر للأطفال في القاهرة. ومنحته وزارة الثقافة المصرية العام 2002 جائزةً عن مجمل أعماله الأدبية للأطفال، إضافة إلى جوائز أخرى.


لا شك أن الراحل كان أحد أجمل الأصوات الشعرية في السبعينيات، تغنى بأبياته بسهل “الدردارة”، بقي طفلا وهو يتقدم في العمر، حسن الجنوبي الذي عاش في بيروت متنقلا بين مقاهي الحمرا، في “لاروسا” قديما، و”كافيه دو باري”، وإن غادرها فإلى لقاء الأصدقاء في “ليناس فردان” أو نحو المنارة إلى مقهى “الروضة”. حسن المتمسك بقبعته والمعطف في الشتاء البارد، الهادىء الذي يطلق كلامه بصيغة التساؤول، ويتطلع متعجبا كطفل من الأجوبة وغير مصدق واقع الحال..
كتب أولى قصائده وهو في عمر 12 عاما، عاش في بيئة المثقفين التي تهوى الروايات والسير الشعبية، التي كان يحفظها ويرويها لعماته الأميّات، ثم يعيد روايتها لرفاقه.

الراحل كان أحد أجمل الأصوات الشعرية في السبعينيات تغنى بأبياته بسهل “الدردارة” بقي طفلا وهو يتقدم في العمر


في ديوانه الشهير “الدردارة” الصادر سنة 1981، ظهر نجمه مع مجموعة “شعراء الجنوب”، وضجّت بها الجامعة اللبنانية، وكليّة التربية، في تلك السنوات.
جاء إلى بيروت سنة (1964) والتحق بدار المعلمين، تعرّف إلى أصحاب مجلة “شعر” الذين أتاحوا له فرصة الاطّلاع على قصيدة النثر والشعر الأوروبي، فأحبّ نيرودا. وفي الثانية، التقى أصحاب “الآداب” وأجواء شعر التفعيلة في العالم العربي، فتعلّق ببدر شاكر السيّاب. وكان يحفظ دواوينه عن ظهر قلب. لكنّه لم يفكّر في نشر قصائده في المجلات والصحف قط، إذ كان يفضّل أن تظهر في كتاب. هكذا، طبع ديوانه الأول أواخر السبعينيات بعنوان “أذكر أنني أحببت”، مجموعة اختار مرسيل خليفة أن يلحّن منها قصيدتي “أجمل الأمهات” و”من أين أدخل في الوطن”.

السابق
بعدسة «جنوبية»: ميقاتي يلتقي السنيورة وسلام.. وهذا موعد الاستشارات النيابية غير الملزمة!
التالي
أبو فاضل لـ«جنوبية»: صيف سياسي «حار».. تصريف أعمال ومعركة رئاسية حكومية!