حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هوكشتاين..رِجْل في لبنان ورِجْل في إيران!

يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

هل تنطبق قواعد التفاوض والتنازل، التي وضعها اموس هوكشتاين الوسيط الامريكي لترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، على ازمة المفاوضات المستعصية بين بلاده والجمهورية الاسلامية الايرانية؟ سؤال لا بد ان يتبادر الى ذهن اي متابع يسمع ما تحدث به هذا الوسيط بعد سلسلة لقاءات عقدها مع المسؤولين اللبنانيين وما سمعه  منهم، حول آليات اعادة تفعيل مفاوضات ترسيم الحدود، بما يسمح لطرفي الازمة، بيروت وتل ابيب، الانطلاق في عمليات التنقيب والاستخراج للنفط والغاز من مكانها في المناطق البحرية المتنازع عليها. 

هوكشتاين في لقاء مع قناة الحرة الامريكية من بيروت، ردا على سؤال اذا ما كان قد سمع من الطرف اللبناني والمؤسسة العسكرية مطالعة واضحة ومتقنة حول الخط 29؟ يقول” اعتقد ان القضية المحكمة او الصلبة التي يحب على الجانب اللبناني بناءها، هي : ما الذي ينجح؟.

حاجة الطرفين الامريكي والايراني التوصل الى اتفاق تبدو اكثر الحاحا من اي وقت سابق لما يوفره ذلك من مصالح استراتيجية لهما

واعتقد ان الحل الذي ينجح هو الاقلاع عن التفكير من منطلق، هل انا امتلك افضل قضية قانونية؟ وهل انا في افضل موقع لي؟ وهل اريد ان اكون صاحب الحق الاوضح؟؛ لانه احيانا عندما تكون انت صاحب الحق الاوضح، لا تستطيع ان تثبت ذلك. ثمة طرفان هنا، وعلى الجانبين ان يتوصلا الى شيء او نتيجة من ذلك. وبدل ان نركز على ما هو الحق بالنسبة لي في مقابل الطرف الاخر، الذي ينظر ايضا الى ما هو حق له. يجب ان يكون التفكير قائما على حجم الطاقة التي يفترض بذلها في التفكير، عن ما هي الفكرة الخلاقة التي يمكن للجميع الاتفاق حولها، ويشعر الطرفان ان كل واحد منهما، قد لا يحصل على كل ما اراده، لكن حصلت على اكثر مما لدي الان، وهذا هو موقف لبنان الان، فهو لا يملك شيئا”. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران والوكالة الدولية و «لعبة الغميضة النووية»!

وللتذكير فان هوكشتاين، يشغل منصب مستشارا اولا لوزير الخارجية الامريكية انطوني بلينكين لأمن الطاقة، مع خصوصية وظيفية تتعلق بالاشراف على مراقبة تنفيذ مشروع نورد ستريم 2 لتوريد الغاز الروسي الى المانيا، وهو الانبوب او المشروع الذي سارع الرئيس الامريكي جو بايدن للاعلان عن وفاته وتوقفه بعد ايام على بدء الحرب الروسية على اوكرانيا. ما يعني ان هوكشتاين مايزال مؤثرا في قرارات البيت الابيض من موقعه الاستشاري، بما يعني بقاءه في الفريق المقرب من الرئيس كمستشار مقرب لبايدن بين عامي 2011 الى 2017. 

واذا ما كان كلام هوكشتاين، يحمل دعوة للبنان الرسمي بان ينظر الى ما في يديه من اوراق وقدرتها على احداث فارق على طاولة التفاوض، فان هذا المنطق ايضا ينسحب او ينطبق على الجدل الدائر بين واشنطن وطهران، حول آليات التفاوض وشروطه وجهود اعادة احياء الاتفاق النووي والغاء العقوبات الاقتصادية. 

وحاجة الطرفين، الامريكي والايراني، التوصل الى اتفاق، تبدو اكثر الحاحا من اي وقت سابق، لما يوفره ذلك من مصالح استراتيجية لهما. فمن ناحية تستطيع واشنطن بعد الاتفاق مع طهران في هذه المرحلة المتأزمة على الصعيد العالمي، التخفيف من حالة التوتر التي تعيشها اسواق الطاقة وامدادات النفط والغاز، ويمسح بادامة السياسة الامريكية الساعية لاخراج القطاع الروسي من الاسواق العالمية.

فالرهان ان تساعد عودة قطاع الطاقة الايراني الى هذه الاسواق، الى جانب خيارات اخرى سواء من الخليج او دول اخرى، في تعزيز جهود كبح المسار التصاعدي لحالة التضخم ونقص الامدادات التي بدأت تؤثر على الاقتصادات العالمية، خاصة الاقتصادين الامريكي والاوروبي، والمرشحة للتزايد والتفاقم مع اقتراب فصل البرد. ومن ناحية اخرى، يساعد الاتفاق الطرف الايراني في الحصول على موارد مالية من عائدات بيع الطاقة، يمكن ان تشكل المخرج المرحلي لما يعانيه الاقتصاد الايراني من ازمات وضعته على حافة الانهيار، وبالتالي التخفيف من تصاعد التوتر الداخلي على خلفية الازمات المعيشية والتنموية التي باتت شبه معطلة وتنتظر اشارات الفرج التي قد تأتي من فيينا وطاولة التفاوض التي بدأت تترنح. 

المرحلة المقبلة بينهما ستكون قائمة على معادلة الاثمان المتبادلة التي يجب ان يقدمها كل طرف من اجل الوصول الى اتفاق او تفاهم

ولا تقف لعبة الاوراق بين واشنطن وطهران على قطاع الطاقة وعائداته، والاثار المباشرة على الاقتصادات العالمية والازمة الداخلية الايرانية. فطهران التي تحاول توظيف ورقة تخصيب اليورانيوم والحد من عمليات التفتيش والرقابة الدولية على منشآتها، للحصول على ما يمكنها من امتيازات او تنازلات من الجانب الامريكي المسكون بهاجس انتقال ايران الى مرحلة التصنيع العسكري النووي. ما يجعل موقفه واضحا بضرورة العودة الى تفعيل الاتفاق ضمن الشروط الدولية لقطع الطريق على هذا المسار او الخطوة الايرانية التي ستكون تداعياتها مفتوحة على جميع الاحتمالات. وعلى الرغم من خطورة هذا الابتزاز الايراني، الذي تدركه الادارة الامريكية، الا انها تمارس ايضا ابتزازا من نوع اخر مع الخصم الايراني، بعدم الاستجابة لشرط الذي وضعته طهران بالغاء جميع القيود الدولية على عمليات تحويل الاموال الى ايران واعادة دمجها بالنظام العالمي. والمماطلة الامريكية منذ اتفاق عام 2015 يحرم او يعرقل استفادة ايران من عائدات صادراتها النفطية والغازية. 

بالعودة الى المعادلة التي رسمها الوسيط الامريكي هوكشتاين في الملف اللبناني، وهي معادلة خطيرة وذات حدين، خاصة اذا ما اصر على اعتبار ان لبنان لا يملك اوراقا على طاولة التفاوض، وعليه القبول بما يعرض عليه من الطرف الاقوى. لانها تغافلت عن السبب الذي دفع به لاستئناف جهود الوساطة وانها جاءت استجابة لمخاوف قيادات اسرائيلية من عمل عسكري ضد منشآتها في البحر الابيض المتوسط، فضلا عن موقف امريكي واضح بمنع حصول اي تصعيد في هذه المنطقة، لما له من تداعيات معقدة. 

معادلة هوكشتاين، التي تواجه صعوبة في فرض نفسها على المسار اللبناني، تبدو اكثر تعقيدا على المسار الايراني، وهو بحكم موقعه الوظيفي الى جانب وزير الخارجية على معرفة بحساسية الملف الايراني. فالى جانب الاوراق القوية التي تملكها الادارة الامريكية، فان الجانب الايراني لا يذهب الى طاولة التفاوض بأيد خاوية، بل ايضا يملك ما يسمح له بممارسة الابتزاز سواء في تخصيب اليورانيوم ودفعه الى حدود البعد العسكري، او الدخول في مغامرة اقليمية لقلب الطاولة، حتى وان كانت على حسابه ايضا. لذلك لا يتردد الطرفان بالتأكيد، على تمسكهما بالضرورة العودة الى التفاوض واستمرار تبادل الرسائل غير المباشرة عبر الوسيط الاوروبي. ما يحمل على الاعتقاد بان المرحلة المقبلة بينهما ستكون قائمة على معادلة الاثمان المتبادلة التي يجب ان يقدمها كل طرف من اجل الوصول الى اتفاق او تفاهم، وان لا مكان لمعادلة رابح – خاسر في عملية العض على الاصابع القائمة بينهما حاليا. 

السابق
شروط عون وباسيل لتسمية رئيس الحكومة تهدد بالتمديد لـ«تصريف الأعمال»!
التالي
كفى «التصفير بين القبور»..هذا سبيل خلاص لبنان!