40 عاما على الإجتياح.. بين «دحر» الإحتلال و«عهر» السلطة الباغية!

عيد التحرير

لم يكن ينقص لبنان والمنطقة الواقعة أصلاً على خط الزلازل السياسية، سوى وصول السفينة – المنصة لإستخراج الغاز  “إنرجين باور” إلى المنطقة “المتنازع” عليها، بين لبنان وإسرائيل على مقربة من حقل كاريش للغاز، حتى يكتمل التوتر في  قوس الأزمات “الشيعي”، الذي يمتد من إيران والخليج إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا ، ويصل إلى أعلى مستوياته مع التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران على خلفية الإغتيالات و “الحوادث” في إيران، التي طالت حوالي 6 ضباط من الحرس الثوري ومن جميع الإختصاصات في أقل من أسبوعين ، و” الرد ” الإيراني بقصف أربيل العراقية فضلاً عما كشفته إسرائيل عن إحباط مخطط إيراني في تركيا يستهدف مصالح وأفراد تابعين لها . 

هذه التطورات معطوفة على تقارير كشفت عن إنشاء إسرائيل محطات رادار في كل من الإمارات والبحرين ، علاوة على قصف مطار دمشق الدولي بضربة موجعة هذه المرة كما يبدو  بحيث أخرجته من الخدمة ولو موقتاً وإستدعت لأول مرة تنديداً إيرانياً تبعه تنديد من كافة أعضاء محور الممانعة ولبنان من ضمنهم – وكأن ضرب الداخل السوري بات شيئاً عادياً – ما يوحي بأن هذا التنديد هو تلميح ربما بأن الرسالة وصلت ، كل هذه التطورات الميدانية تظهر بما لا يدع مجالاً للشك بأن زمام الأمور في المنطقة هو للأسف بيد إسرائيل ، وأنها باتت في موقع الهجوم بينما محور إيران يجد نفسه في موقع تلقي الضربات فقط وليس موقع دفاع حتى ، مع غياب شبه كامل لأي تأثير أو دور عربي إلا دور التابع لأحد فريقي النزاع بالرغم من أن الأرض العربية هي ساحة النزال.

 تأتي هذه التطورات في الذكرى ال 40 للإجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982 الذي وصل إلى بيروت وأخرج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، والقوات السورية إلى البقاع، وفي وضع شبيه بالوضع الذي كان سائداً يومها داخلياً وإقليمياً ودولياً، مع إختلاف بعض الظروف طبعاً بخاصة أطراف الصراع في الجانب اللبناني وحلفائه وشخصياته .

داخلياً، كان البلد يومها كما هو اليوم على أبواب الإستحقاق الرئاسي، وسط إنقسام سياسي عامودي بين اللبنانيين، وتقسيم جغرافي بين المناطق المسيحية منها  والإسلامية بما أصطلح على تسميته شرقية وغربية، في المنطقة الشرقية المسيحية كان الرجل القوي يومها بشير الجميل قد حسم الأمور لصالحه، بما سمي حرب توحيد البندقية تحت مسمى ” القوات اللبنانية “، وإن بقيت النار تحت الرماد ما لبثت أن تفجرت لاحقاً بعد غيابه، في المنطقة الغربية الإسلامية كان هناك صراع سوري – فلسطيني، على خلفية محاولة السيطرة السورية على القرار الفلسطيني المستقل، كان يترجم بصراعات مسلحة بين أنصار الطرفين اللبنانيين، في شوارع العاصمة بيروت وصولاً إلى الجنوب، تحت مسمى التجاوزات ضد المواطنين من قبل العناصر الفلسطينية، كذلك كان هناك صراع سوري – عراقي، وعراقي – إيراني على خلفية الحرب العراقية – الإيرانية  ترجم بإغتيالات طالت مجموعة من القيادات والشخصيات الشيعية، التي تنتمي للخط القومي العربي وكانت بداية إنتشار الخط الإسلامي، ونواة ما يسمى اليوم بحزب الله الموالي لإيران، في ظل هذه الأجواء المحتقنة والمسمومة، جاء الإجتياح الصهيوني ليغير المعادلة ويقلب الأوضاع، حد أن البعض – على محدوديته – وجد فيه خشبة خلاص، فكان أن دفع لبنان واللبنانيون و الفلسطينيون الثمن غالياً. 

جاء الإجتياح الصهيوني ليغير المعادلة ويقلب الأوضاع، حد أن البعض – على محدوديته – وجد فيه خشبة خلاص، فكان أن دفع لبنان واللبنانيون و الفلسطينيون الثمن غالياً

اليوم قد لا تكون هذه المظاهر موجودة على الأرض، ولكن وضع الإنهيار الذي نعيشه على كافة المستويات، يجعل من الوضع في لبنان أشبه بوضع تلك الأيام، من حيث ضعف بنية الدولة والخلافات البينية سواء بسبب سلاح حزب الله، أم بسبب الإستحقاقات المقبلة من خطة التعافي الإقتصادي إلى الإصلاحات المطلوبة،  إلى إستحقاق رئاسة الجمهورية مع ما يحمله هذا الإستحقاق الأخير من مخاطر الفراغ، وعدم الإتفاق المبكر على الرئيس العتيد قياساً على ما جرى منذ العام 2005 وحتى اليوم، بحيث بات  إنتخاب رئيس جديد للجمهورية أمر بالغ الصعوبة، وغير مرتبط بالتاريخ المحدد لهذا الإستحقاق. إقليمياً كان الوضع العربي يومها أيضاً مشتتاً – كعادته على أية حال – بفعل الحرب العراقية – الإيرانية وتداعياتها، وكذلك بفعل إتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، التي كانت قد طبقت بتسليم سيناء للجانب المصري في 25 نيسان 1982، أي قبل حوالي 40 يوما على بداية الإجتياح الصهيوني للبنان، وكأن إسرائيل أرادت أن تقول بأن الإجتياح كان تحت مظلة هذه الإتفاقية. 

اليوم الوضع العربي في أسوأ حالاته، بحيث لا يمكن الحديث عن وضع عربي أصلاً

اليوم الوضع العربي في أسوأ حالاته، بحيث لا يمكن الحديث عن وضع عربي أصلاً، وإتفاقيات أبراهام هي اليوم كإتفاقية كامب ديفيد، يومها قد تكون المظلة التي تستغلها إسرائيل، وهي التي ليست بحاجة لمظلات أساساً، ولكن إذا كان التكتيك السياسي والهدف الإستراتيجي يقتضيان ذلك فلا بأس، خاصة في ظل الصراع مع إيران، وتغير صورة حزب الله في العالم العربي جراء تدخلاته في كل من سوريا والعراق واليمن، كذراع إيرانية تستخدم للنيل من دول الخليج العربية .  

على الصعيد الدولي الوضع اليوم أيضاً شبيه بالوضع عام 1982، بل هو أسوأ بالنسبة للمنطقة العربية

على الصعيد الدولي الوضع اليوم أيضاً شبيه بالوضع عام 1982، بل هو أسوأ بالنسبة للمنطقة العربية، حيث كانت الحرب الباردة على أشدها، وكان الإتحاد السوفياتي صديق ما كان يسمى محور “الصمود والتصدي” آنذاك، وهو الذي أستبدل اليوم بمحور الممانعة، كان غارقاً في حرب أفغانستان كما هي حال روسيا اليوم في أوكرانيا. اليوم روسيا هذه التي ورثت الإتحاد السوفياتي، والتي تدخلت في سوريا لمنع سقوط نظام بشار الأسد “الممانع” بطلب وتنسيق مع إيران عبر قاسم سليماني، كما قيل يومها، هي نفسها التي تنسق إسرائيل معها الضربات في وعلى سوريا، ضد قوات ومجموعات محور الممانعة من دون أي رد يذكر سواء من “صاحب السيادة” النظام السوري، أو من حلفائه القابعين على صدر سوريا وشعبها بحجة الممانعة والمقاومة. 

اليوم وسط هذه التطورات المتسارعة، وأخرها موضوع السفينة – المنصة في المنطقة ” المتنازع ” عليها، ليس الهدف من هذا السرد التاريخي المختصر هو التخويف، أو بث روح الإنهزامية والوهن في “نفسية الأمة” – كذا – وهي تهمة مضحكة يُعاقَب عليها في دول الممانعة، وإنما هو محاولة لفهم الظروف القائمة، وإستخلاص العبر التي يبدو أنها بعيدة عن التفكير العربي واللبناني بشكل خاص ، وكذلك محاولة لإلقاء الضوء على طريقة مقاربة “سلطتنا” اللبنانية موضوع ترسيم الحدود البحرية مع العدو، ففي الوقت الذي بات العدو فيه جاهزاً لإستخراج هذه الثروة، وبيعها بإستقدامه السفينة اليونانية في هذا الوقت بالذات، حيث العالم يعيش أزمة وقود وغاز بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية، ما يؤكد ويثبت حسن إدارته لهذا الملف المهم، نرى حكومتنا ومسؤولينا لا زالوا مختلفين حول “جنس” خط الحدود مابين الخط 23، الذي ثبتته حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 في الأمم المتحدة، كحق للبنان مطالبة ب 860 كلم مربع وفق المرسوم 6433، والخط 29 الذي أعلنه الجيش اللبناني لاحقاً حدوداً بحرية ممكنة للبنان بحسب الخرائط الموجودة، وطرحه المفاوض اللبناني على الطاولة ما أدى لتوقف المفاوضات نهاية أيار 2021، وقد تم تعديل المرسوم 6433 على هذا الأساس، ووقعه كل من وزير الأشغال ميشال نجار بعد تردد وحفلة مزايدات، وكذلك رئيس الوزراء يومها حسان دياب، بإنتظار توقيع رئيس الجمهورية عليه ورفعه للأمم المتحدة الأمر الذي لم يحصل حتى اليوم، وسط حديث عن ضغوطات أميركية تصل حد التهديد بوقف الوساطة، فيما لو تم توقيع هذا التعديل.

المقاربة الفاشلة وغير المسؤولة على مدى 20 عاما لملف حساس ومهم كهذا، تعطي صورة عما يمكن أن تذهب إليه الأمور مستقبلاً

هذه المقاربة الفاشلة وغير المسؤولة على مدى 20 عاما لملف حساس ومهم كهذا، تعطي صورة عما يمكن أن تذهب إليه الأمور مستقبلاً سواء “سلماً” بخسارة لبنان جزء من ثروته – وهو ما بدأ بتجاهل الخط 29 في الحديث مع هوكشتاين – بسبب ضعف الموقف اللبناني المتأتي عن التأخير في متابعة ومعالجة هذا الملف عبر الأصول المتبعة في هكذا ملفات ، وكذلك بسبب التدمير الممنهج لمقومات الدولة في لبنان، من قبل السلطة الحاكمة على مدى السنين الماضية، بحيث وصلت الأمور حد الإنهيار الشامل ما جعل من لبنان دولة فاشلة ومنهكة لا حول لها ولا قوة ، أو “حرباً” – لا سمح الله – إذا ما تفاقمت الأمور وإنزلقت نحو المجهول، في ظل الأحوال التي يعاني منها اللبنانيون على كافة المستويات الإقتصادية والخدماتية داخلياً، مع فقدان مقومات الصمود على الرغم من الحديث عن 100 ألف صاروخ ومقاتل، إلا أن الحروب كما هو معروف لا تخاض فقط بالسلاح، بل أيضاً بالإقتصاد والموارد وإحتياطي الغذاء والدواء وغيرها، وكذلك ما يعانيه من عزلة خارجياً بسبب سوء إدارة العلاقات الخارجية، سواء في المحيط العربي أو مع العالم. 

هذه الصورة القاتمة للوضع هي التي ستكون للأسف، في ظل هكذا سلطة غير مسؤولة أضاعت بغبائها وخلافاتها السياسية الداخلية سنوات، كان العدو يعمل فيها بدأب عبر إتفاقيات مع قبرص لتكريس “حقه” وبدء الإنتاج، فيما نحن كنا مختلفين على الثلث المعطل تارة، وعلى حصة كل فريق من الوزارات “السيادية” و “الخدماتية” تارة أخرى، حتى وصلنا إلى يوم لا سيادة فيه، ولا خدمات ، بل إنهيار كامل وهيكل دولة تقودها سلطة هي إلى “العصابة” أقرب ، سلطة إذا ما توافقت كان التوافق على المحاصصة من حقوق وحساب الشعب، وإذا إختلفت كان الخلاف أيضاً على حساب الناس وأمنها وأمانها السياسي والأمني والإقتصادي، وما الذي جرى في جلسات إنتخاب رئيس البرلمان ونائبه واللجان النيابية من محاصصة وتقاسم لجان، إلا الدليل على أنهم يستمرون في غيهم دون تغيير لا في الذهنية ولا في الممارسة، وهو ما يؤشر إلى ما سيكون عليه مستقبل البلد في ظل فسادهم وإستعدادهم، للتخلي عن أي شيء في سبيل إستمرار حكمهم وتحكمهم في البلد وأهله، وهو ما يتلاءم مع مصالح الخارج، الذي يتعامل معهم بلغة العصا والجزرة لما يعرفه عنهم من صفاقة وفساد وفضائح. 

هل من المعقول أنه وفي ظل هذه الظروف ووسط هذه التطورات، أن تتأخر الإستشارات النيابية

فهل من المعقول أنه وفي ظل هذه الظروف ووسط هذه التطورات، أن تتأخر الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، وقد تحدد موعدها الاسبوع المقبل، في حين يجب الإسراع بتشكيل حكومة طوارئ لمواجهة التطورات، وما ذلك إلا لأن العهد وصهره ومن ورائهم يصرون على نفس الممارسة السابقة التي أوصلت البلاد والعباد إلى هذا الدرك، وهذا دليل آخر على أن قوة العدو هي في سوء إدارة أمورنا، ما يذكر بالقول الشائع بأنه “ليس من الضرورة أن تكون عميلا لتخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبياً”، وبلدنا مليء بالأغبياء وسيئي النية الذين يقامرون بمستقبل البلد والناس، من أجل مجد شخصي أو مركز زائل مهما طال الزمن. 

السابق
١٠ ملايين دولار مقابل معلومات عن محمد قصير.. أكبر الداعمين لـ«حزب الله»!
التالي
خاص «جنوبية»: بعد الأطباء.. أساتذة «اللبنانية» يطلبون العمل «ولو في الصين»!