لبنان يُعانِد الوقوع في «حفرة كاريش» و«يستنجد» بالوسيط الأميركي

الباخرة الاسرائيلية

تَطايَرَتْ تَشَظّياتُ وصولِ سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال Energean power إلى حقل كاريش الإسرائيلي، الذي يَعتبر لبنان أنه يقع في منطقةٍ متنازَع عليها، بمختلف الاتجاهات السياسية والديبلوماسية والأمنية واضعةً «بلاد الأرز» أمام اختبار بالغ الدقة فرضتْ تل أبيب توقيته ومكانه بـ «حفْرها» أمراً واقعاً يُخشى أن يكون كَرَّسَ وقائع «في البحر» قلبتْ الطاولة فوق رأس بيروت التي أدارت المفاوضات حول ملف الترسيم البحري، التي انطلقت بوساطة أميركية وبرعاية أممية في اكتوبر 2020، بـ «لسانين» وبما يشبه «اللعب على خطيْن» (23 و29).

وفيما كانت اسرائيل تسعى لرسْم ما يشبه «الخط الأحمر» حول حقل كاريش عبر ربْط المنصة العائمة بالنسخة البحرية من القبة الحديدية، مذكرة بما سبق أن أعلنته من أن أي ضرر تتعرّض له منصات الغاز الخاصة بها سيكون بمثابة «إعلان حرب»، فإن لبنان الرسمي الذي بدا وكأنه تلقى «صدمة على رأسه» حاول احتواء الموقف على خطوط عدة:

• في الداخل حيث طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من الجيش تحديد إحداثيات حول موقع السفينة – الحفارة من دون أن يطلب منه العودة مجدداً الى ملف التفاوض، بالتوازي مع تفعيل الاتصالات الرئاسية لصوغ موقف موحّد من «العمل العدائي» الاسرائيلي ومن كيفية التصدي له ديبلوماسياً وتوحيد الكلمة في ما خص حسْم الخيارات لمرة واحدة ونهائية بالنسبة لاعتبار الخط 23 حدوداً للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان (وهو الموثق لدى الأمم المتحدة) أو الـ 29 (اقترحه الجيش اللبناني وطرحته بيروت كخط تفاوض من دون أن تعدّل مرسوم حدودها البحرية الرقم 6433 على أساسه).

وفي استطلاعٍ قامت به «الراي» على معنيين بملف الترسيم، برزت محاولة لـ «إبقاء خيْط» مع المخارج الممكنة لـ «النقْلة» الاسرائيلية فوق رقعة النفط والغاز المتداخلة مع لوحة الشطرنج المعقّدة في المنطقة بخطوطها الساخنة، وسط توصيفاتٍ بأن السفينة لاتزال في منطقة لا تثير حساسيات لبنانية بالمعنى الجغرافي المباشر، وتالياً يُعتبر دخولها رسالة سياسية وتحريكاً للتفاوض أكثر منه المباشرة بمهمة السحب العملانية، رغم أن كل الوقائع كانت تشي مسبقاً بأنه بعد شبْك المنصة بالبنى التحتية فإنها ستحتاج الى شهرين أو ثلاثة لبدء الانتاج.

• في اتجاه الوسيط الأميركي، حيث أبلغت مصادر مطلعة على الملف إلى «الراي» ان لبنان بدأ تحريك ملف التفاوض مجدداً عبر توجيه رسائل إلى آموس هوكشتاين من اجل استنئاف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية (توقفت منذ مايو 2021 بعد إصرار لبنان على اعتماد الخط 29 الذي يوسع البقعة المتنازع عليها بـ 1430 كيلومتراً مربعاً وتراجُعه عن الخط 23 الذي تبلغ مساحة منطقة النزاع بموجبه 860 كيلومتراً).

وأشارت المصادر إلى أن لبنان كان ينتظر الموفد الأميركي لإبلاغه الردّ على مقترحاته تحديد خط بحري جديد يختلف عن الخط الذي تمسَّك به لبنان بعد التراجع عن الخط 29، فيما كان الموفد الأميركي ينتظر بدوره ليأتي الى بيروت.

لكن التطورات الأخيرة ووصول السفينة اليونانية في توقيت مقصود عجّلت الاتصالات، لاسيما ان نائب رئيس البرلمان الياس بوصعب الذي هو مستشار رئيس الجمهورية في هذا الملف وسبق أن قاد مفاوضات مباشرة مع هوكشتاين وهو على اتصال مع الرئيس نبيه بري، بدأ جولة اتصالاته محلياً ودولياً وتواصل مع الوسيط الأميركي من أجل ترتيب زيارة له لبيروت وفق ضوء أخضر أعطاه بيان صدر عن قصر بعبدا وأكد «توافق عون والرئيس نجيب ميقاتي على دعوة هوكشتاين للحضور الى لبنان للبحث في استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على إنهائها بأسرع وقت».

• في اتجاه الأمم المتحدة والدول الكبرى حيث تقرّر، بين عون وميقاتي، القيام بسلسلة اتصالات ديبلوماسية «لشرح موقف لبنان، وتأكيد تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أن أيّ أعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها إسرائيل في المناطق المتنازَع عليها، تشكل استفزازاً وعملاً عدوانياً يهدد السلم والأمن الدولييْن».

وتُشير المصادر نفسها عبر «الراي» إلى أن المشهد منقسم حالياً بين طرفين، الأول الجيش الذي تمسك بالخط 29 وهو اليوم يثبت أنه كان على حق في عدم التنازل عنه على الأقل كخط تفاوض، وانضمّ اليه حالياً النواب التغييريون الذين سيضغطون على حكومة تصريف الأعمال ورئاسة الجمهورية من أجل عدم التفريط بالحق اللبناني وسيادته على بحره، في حين أعلن النائب حسن مراد (من سنّة فريق 8 مارس) التقدم باقتراح قانون معجّل مكرّر إلى مجلس النواب لتعديل المرسوم 6433، الذي لم يوقّع الرئيس عون على تعديله منذ أكثر من 400 يوم، وتضمينه خريطة وإحداثيات حدود المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً لتشمل النقطة رقم 29.

أما الفريق الثاني فهو الذي تمسّك بالخط 23 وتخلّى عن تعديل المرسوم رقم 6433 الصادر عام 2011، وهذا الفريق يَعتبر سياسياً أن الأوْلى حالياً بدء عمليات الحفر واستخراج الغاز، خصوصاً في ضوء الأزمات الاقتصادية المحلية وارتفاع الحاجة الاوروبية الى الغاز ما يسهل تعاون الدول المعنية في تيسير أمور لبنان بالتفاوض.

لكن هذا الفريق يواجه اتهاماتٍ، تتركّز على عون وحزبه (التيار الوطني الحر) بأنه يفرّط بحقوق لبنان السيادية، وسط مطالبةٍ له بالعودة الى الخط 29 وتالياً الى التفاوض من خلال النقطة التي تخلى عنها رئيس الجمهورية ولم يتمسك بها.

وذريعة هذا الفريق أن لبنان اليوم لن يتنازل عن حقوقه وفق الخط 23 بل ان السلطة السياسية من خلال دعوتها هوكشتاين الى العودة مجدداً تريد إعلان حقها في المناطق التي تعتبرها للبنان لاسيما حقل قانا.

ما يعني عملياً أن التفاوض قد يؤدي الى تسليم الولايات المتحدة وخلفها اسرائيل بحق لبنان في هذا الحقل، وفي المقابل تعطى اسرائيل حق الانتفاع من البلوك 8 وهو ما ورد في عرض هوكشتاين حين زار بيروت في فبراير الماضي. وهذا يؤدي تلقائياً الى دفع واشنطن وباريس شركة «توتال» للمباشرة في عمليات الحفر في البلوك 9 الذي هو حق صافٍ للبنان، واستكمال عملها في البلوك 4.

وبهذا المعنى، فإن لبنان الذي كان يسعى عبر «خط التفاوض» 29 إلى توسيع الخط 23 جنوباً لضمان كامل حقل «قانا» (يقع ضمن البلوك 9 ويمتدّ خارج الخط 23) من ضمن حصته وفق معادلة «قانا مقابل كاريش»، قد يجد نفسه أمام مفاضلةٍ بين «قانا» (إذا نجح في تحصيله كاملاً) وقسم من البلوك 8 الواقع في منطقته الاقتصادية الخالصة، إذ سيصعب عليه التفلّت الكلي من «خط هوكشتاين» الجديد المتعرّج الذي يُعتبر «متحوِّر خط هوف» الذي كان قضى برسم خط بين الـ 1 (تعتمده اسرائيل) والـ23 وبموجبه قسم منطقة الـ 860 كيلومتراً مربعاً بنسبة 55 في المئة للبنان و45 في المئة لاسرائيل.

ويضيف الخط المعدّل الذي اقترحه هوكشتاين ما بين 50 و80 كيلومتراً إلى حصة بيروت التي كانت طرحها هوف، وهو يمتدّ على طول الخط 23 مع قضم جزء من حقل قانا وانحرافٍ شمالاً ليلتقي بعدها بخط هوف ويمْضي غرباً ليقضم مساحة ليست صغيرة من البلوك 8.

علماً أن الوسيط الأميركي كان جزم إبان زيارته الأخيرة لبيروت أن وقت «رفع السقوف التفاوضية» – بالخط 29 ورسالة لبنان إلى الأمم المتحدة في هذا الشأن واعتبارها حقل كاريش متنازَعاً عليه – انتهى، وأن التفاوض يتم حول المنطقة الواقعة بين الخط 1 والخط 23، وأن لبنان واسرائيل لن ينالا 100 في المئة من مطالبهما في هذه البقعة، وهو ما عكس بوضوح أن الترتيبات كانت تتم على قاعدة «خط هوف» محوَّراً.

وفي أيّ حال تتقاطع المعطيات عند أن من الصعوبة بمكان أن تجرّ سياسة «فرض الوقائع» الاسرائيلية بحراً إلى صِدام يشعل المنطقة برمّتها، ما يرجّح أن يسارع الجميع الى التفاوض مجدداً ولكن تحت الضغط الاسرائيلي واستعداد السفينة اليونانية لبدء عملها.

فيما لبنان يقع هو الآخر تحت ضغط المجتمع الدولي للبدء بمفاوضات موازية مع صندوق النقد للخروج من نكبته المالية وذلك على طريقة مبادلةٍ قد ترتسم على قاعدة تسهيل ظروف كل تفاوض على حدة.أوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي»: «حزب الله» لن يَجْنَح نحو الصِدام

قالت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي»، إن ما من مواجهة في الأفق بين «حزب الله» وإسرائيل لأسباب تتصل بمجمل اللوحة السياسية – الإستراتيجية في لبنان والمنطقة.

ورأت أن إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، اختارت «لحظة رخوة» في لبنان للبدء بعملية استخراج النفط، فرئيس الجمهورية ميشال عون يحزم حقائبه مع العدّ التنازلي لانتهاء ولايته، والحكومة التي استقالتْها الانتخاباتُ دخلتْ تصريفَ الأعمال، و«حزب الله» يُعْلي المشروعَ الإيراني في المنطقة على الأجندة اللبنانية، وتالياً لن ينخرط في مواجهةٍ تكبحها أولويات طهران، إضافة إلى أن لبنان المتهالك، المُنْقَسِم والمُحْتَضِر لن يقوى على ركوب مغامرات عسكرية أو التورّط في حرب ستكون على طريقة «يا قاتل يا مقتول».

وفي تقدير الأوساط أن إسرائيل استغلت اللحظة اللبنانية الرخوة، فضربت ضربتها لإدراكها أن الاعتراض «عاصفة غبار وتمرّ»، فتكون بذلك جعلت من عملياتها لاستخراج النفط والغاز أمراً واقعاً، ومن شأنه أيضاً تعزيز موقعها في أيّ مفاوضاتٍ مقبلة يسعى لبنان الآن إلى تحريكها.

وأعربت الأوساط واسعة الاطلاع عن اعتقادها بأن قرار «حزب الله» الوقوف خلف الدولة، التي يملك أساساً قرارها الإستراتيجي، يعكس رغبته في عدم تحريك الجبهة مع إسرائيل تَجَنُّباً لتأليب الرأي العام الداخلي الناقم بسبب الانهيار المالي – الاقتصادي عليه، ولتفادي أي مواجهة يُمكن أن تحرف الاهتمام بالملف النووي ومفاوضات جنيف المتعثرة، إضافة إلى أن الحزب ومعه أركان السلطة أكثر ميلاً إلى الفوز بما تَيَسَّرَ من حقول ومساحات عبر التفاوض لضمان الإفادة من الثروة المدفونة في وقف الانهيار الشامل الذي يجعل لبنان أمام تحدٍّ وجودي.

… «حزب الله» مُستعدّ للتّحرّك!

قال نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، أمس، إن الحزب مستعد لاتخاذ إجراءات «بما في ذلك القوة» ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية عن الغاز في المناطق البحرية المتنازع عليها بمجرد أن تعلن الحكومة انتهاك إسرائيل لحدود لبنان البحرية.

وصرح قاسم لـ «رويترز»، في مكتبه في الضاحية الجنوبية لبيروت، «عندما تقول الدولة اللبنانية إن الإسرائيلي يعتدي على مياهنا ويعتدي على نفطنا، نحن حاضرون أن نقوم بمساهمتنا في الضغط والردع واستخدام الوسائل المناسبة بما فيها القوة من أجل منع إسرائيل من أن تعتدي على مياهنا ونفطنا».

وأضاف «المسألة الآن تتطلب قراراً حاسماً ورأياً حاسماً من الدولة اللبنانية، هل هذه الباخرة تعمل في منطقة متنازع عليها أم لا؟ هل حسمت الدولة اللبنانية مسألة الحدود وخط التفاوض أم لا»؟

ودعا قاسم، الدولة إلى أن يكون لديها «حرارة أكثر وضغط أكثر» في مسألة ترسيم الحدود البحرية «إذا كان هناك انسداد في المفاوضات (غير المباشرة بوساطة أميركية ينبغي) أن يعلنوا أن المفاوضات انسدت أو انتهت، لكن أن نبقى نترجى الأميركيين وأن نبقى بانتظار أن يمنوا علينا بزيارة أو زيارتين ويقدموا اقتراحات غير واقعية ولا تنسجم مع حقوق لبنان، فهذا إضاعة للوقت».

غانتس: الخلاف سيُحل ديبلوماسياً

قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، أمس، إن الخلاف مع لبنان في شأن احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية مسألة مدنية ستُحل ديبلوماسياً بوساطة أميركية.

وصرح أمام كتلته البرلمانية، «كل ما يتعلق بالنزاع سيتم حله في إطار المفاوضات بيننا وبين لبنان بوساطة الولايات المتحدة».

السابق
منظمة العمل تقويماً للانتخابات النيابية: نظام المحاصصة في المأزق وتيار التغيير مدعو لتطوير أدائه
التالي
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الاثنين 06/06/2022