على وقع الإنسداد السياسي..هل يشهد لبنان والمنطقة «صيفاً حاراً»؟!

الانتخابات النيابية وزارة الداخلية
بعد أن كانت الأجواء قبل مدة، توحي بقرب التوصل إلى إتفاق في فيينا بين أميركا وإيران، يعيد إحياء الإتفاق النووي بين البلدين ، فجأة وعلى وقع الحرب الروسية - الأوكرانية تعطلت لغة الكلام، وإنشغل العالم بتداعياتها التي غطت أجواءه، وأوروبا منه في المقدمة، وبما أن منطقتنا كانت دائماً في قلب الأحداث العالمية وتداعياتها، كان من الطبيعي أن تتأثر سلباً هي التي تعاني أصلاً من مشاكل وصراعات لا حصر لها. فجأة بدت المنطقة وكأنها على سطح صفيح ساخن.

فبإستثناء الساحة اليمنية التي حافظت على الهدنة العسكرية فيها – حتى الآن على الأقل – مع بقاء الإنسداد السياسي، أصبح هذا الإنسداد سمة للوضع في المنطقة برمتها، الأمر الذي ولَّد إحتقاناً يدعو للحذر والتخوف من إنفجارات هنا أو هناك، تكون بمثابة ” تنفيسة ” لهذا الإحتقان، خاصة وأن جميع الأطراف المعنية بالتطورات في المنطقة، تبدو وكأنها “محشورة” سياسياً، أو في أقل تقدير هي تعيش أوضاع غير مريحة. 

 في إيران  يرخي الإنسداد في مفاوضات الملف النووي بثقله، على الأوضاع الداخلية فيها، التي تشهد تحركات شعبية إضافة إلى حوادث الإغتيالات، التي طالت ضباط كبار في الحرس الثوري، علاوة على القصف الذي قيل أنه طال منشأة بارشين بطائرة مسيرة، فضلاً عن الأزمة المستجدة مع اليونان، جراء الإحتجاز المتبادل للسفن، هذه الأوضاع قد تدفع بإيران إلى الرد، خاصة بموضوع الإغتيالات التي باتت متكررة، بشكل يضرب كل هيبتها التي تحاول دائماً فرضها سواء عبر تصريحات مسؤوليها، أو عبر تهديدات وممارسات أدواتها في المنطقة، وهو الأمر الذي دفع بالكيان الصهيوني إلى إصدار تعميم لمواطنيه في الداخل والخارج، لأخذ الحيطة والحذر مخافة أي رد فعل إيراني على هذه الأحداث. 

 في إيران  يرخي الإنسداد في مفاوضات الملف النووي بثقله على الأوضاع الداخلية فيها التي تشهد تحركات شعبية إضافة إلى حوادث الإغتيالات

العراق، وبعد إنتخابات نيابية أفرزت واقعاً جديداً بتراجع نسبي لحلفاء إيران، يعيش نوعاً من الشلل السياسي الناجم عن تعطيل الوضع الحكومي، وهو تعطيل لا زالت القوى الموالية لإيران قادرة على ممارسته، وهو ما قد يودي بالعراق ليلاقي مصير لبنان ك “دولة ونظام”، الذي تعرض لهذا النوع من الممارسات سابقاً، ما أوصله إلى ما أصطلح على تسميته ب “جهنم” ، على الرغم من الفارق في الإمكانيات الإقتصادية والبشرية بين البلدين، التي لم تمنع المعاناة عن الشعب العراقي بسبب الفساد الذي إستشرى بعد العام 2003، نتيجة سياسات المحاصصة تارة، وتارة  نتيجة الصراع السياسي بين ألوان الطيف السياسي الشيعي بشكل خاص، والمتأتية عن الإرتباطات الخارجية مع طرفي المعادلة في عراق ما بعد صدام حسين، وهما أميركا وإيران بطبيعة الحال.  

إقرأ أيضاً: «معركة لجان» بين السلطة والتغييريين الثلاثاء..وأجواء قاتمة تَلف الإستحقاق الحكومي!

 في لبنان الوضع ليس بأفضل حال، وهو الذي لطالما كان يتأثر بأحداث العراق خاصة في ال 30 سنة الأخيرة، وقد يكون ما يجري في العراق اليوم، إنما هو مؤشر لما ينتظر الوضع في لبنان ما بعد الإنتخابات النيابية أيضاً، التي خرجت بنتائج مماثلة غير مريحة سياسياً لجماعة إيران ولو نسبياً بالطبع، بشكل يذكِّر بالتعطيل الذي مارسته هذه القوى في الأعوام السابقة  حينما أغلقت مجلس النواب في المرة الأولى، وفرضت إنتخاب مرشحها للرئاسة في المرة الثانية، عدا عن التعطيل الذي مارسته وحلفاؤها، في كل مرة كان هناك تشكيل حكومي جديد، الأمر الذي عطل الإنتاج في البلد، وكان هذا من أهم أسباب الوصول إلى الوضع الراهن.

فهذه القوى اليوم في لبنان باتت بوضع “ضاغط”، إن لم يكن شبيها بما كان عليه الوضع عشية حرب تموز 2006، جراء الأزمة التي يعانيها البلد والناس والإستحقاقات الداهمة، كتشكيل حكومة جديدة والإنتخابات الرئاسية، وهذا ما تبدى في جلسة مجلس النواب الأولى التي عقدت لإنتخاب رئيس المجلس ونائبه، والتي حاز فيها كل من الرئيس نبيه بري ونائبه على 65 صوتاً أي النصف زائد واحد فقط، وهي نسبة ضئيلة جداً نسبة للمرات الست السابقة، درجة يمكن وصفها بنصر مر بطعم الهزيمة قد يكون له ما بعده، كل هذه التطورات تجعل الخطر داهما على لبنان، عدا عن تأثره بالتطورات الإقليمية بسبب دور حزب الله الإقليمي، الذي يبدأ في سوريا ولا ينتهي في اليمن.

قد يكون ما يجري في العراق اليوم إنما هو مؤشر لما ينتظر الوضع في لبنان ما بعد الإنتخابات النيابية أيضاً

 في سوريا التي باتت ساحة مستباحة للطيران والصواريخ الصهيونية، فضلاً عن الأوضاع الداخلية المعقدة، ربطاً بالتواجد الروسي الذي يبدو بأنه سيتأثر بالحرب مع أوكرانيا، ما قد يتسبب بتخفيف هذا التواجد مع ما قد يتركه هذا التطور – إن حصل – من تداعيات في المنطقة، سواء من حيث إحتمال عودة نشاط داعش، أو من حيث إمكانية حلول قوات موالية لإيران مكانه لملء الفراغ الذي سيتركه،  وهو ما إستدعى تحذيراً لافتاً وغير معهود من تطورات قادمة على الحدود مع الأردن أطلقه الملك عبد الله الثاني، الذي يُعرَف عنه رزانته السياسية، وبأنه لا يطلق الكلام على عواهنه، سيما وأن عمليات “التهريب” على الحدود بين البلدين قد إشتدت في الآونة الأخيرة، ما خلف صدامات أوقعت قتلى وسط حديث عن دور لحزب الله اللبناني في هذه العمليات، هذا عدا عن العنصر التركي الذي يتحين الفرصة كي يستغل الأوضاع الداخلية، لتنفيذ خططه في الشمال السوري، ربطاً بالموضوع الكردي وملف النازحين السوريين. 

في الأراضي العربية المحتلة هناك تصعيد كبير ولافت في توقيته منذ مدة، جراء العمليات الفدائية المتتالية التي ضربت الكيان الصهيوني في قلب تل أبيب، والتي أسفرت عن قتلى وجرحى، وأفقدت العدو صوابه فراح يمارس عادته في إجتياح المدن الفلسطينية ومخيماتها، لملاحقة الفدائيين وعائلاتهم بالقتل والإعتداءات، وبيوتهم بالهدم وكان من نتيجتها مؤخراً إستشهاد الصحفية المعروفة في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، في مشهد إعدام ميداني بشع أمام الشاشات، ما أشعل غضباً فلسطينياً عارماً تجلى في جنازتها بالقدس المحتلة، التي كانت جنازة وطنية كبرى لم تشهد القدس مثيلاً لها منذ جنازة الراحل فيصل الحسيني قبل حوالي 20 سنة، بحيث فاجأت العدو الذي لم يجد أمام هذا السيل الجارف من البشر، الذي جاء مستنكراً الجريمة ومندداً بالإحتلال، إلا الهروب إلى الأمام وممارسة وحشيته المعتادة، وهذه المرة ضد نعش الضحية، لتأتي بعدها مسيرة الأعلام ومحاولات إقتحام المسجد الأقصى لترفع منسوب التوتر، إلى أعلى مستوى في ظل حكومة صهيونية ضعيفة، لم تعد تمتلك الأغلبية أصلاً في الكنيست، ما يضعها في وضع حرج ويجعل منها رهينة لقطعان المستوطنين وإرهابيي اليمين المتطرف، وهو ما قد يدفع بالأمور للإنفجار في أي لحظة، ونتيجة أي دعسة ناقصة كما يقال، أو أية حماقة قد تقدم عليها حكومة بهذه الظروف وهذه المواصفات.

الغريب في الأمر في ظل هذه التطورات في الأراضي المحتلة هو هذا الإنبطاح العربي لدى البعض المهرول للتطبيع بأقصى سرعة مع هذا العدو

والغريب في الأمر في ظل هذه التطورات في الأراضي المحتلة، هو هذا الإنبطاح العربي لدى البعض، المهرول للتطبيع بأقصى سرعة مع هذا العدو، ضارباً عرض الحائط بأبسط قواعد اللياقة والأخلاق في التعامل مع الأشقاء، كبشر لهم حقوق مشروعة، وكذلك بأبسط قواعد العمل العربي المشترك. هذه التطورات والأحداث المتسارعة على مساحة المنطقة، في وقت ينشغل العالم بالحرب في أوروبا، التي باتت تشكل أيضاً تهديداً للأمن الغذائي حول العالم خاصة للدول الفقيرة، وتلك المتعثرة إقتصادياً، ومنها دول عربية عديدة، هذه التطورات توحي بالخطر الشديد في ظل هذا الإنسداد السياسي الخطير، وإنقطاع التواصل والحوار بين الأطراف المعنية،  والذي يولِّد غلياناً قد يوصل إلى الإنفجار، في ظل حكومات مأزومة ومتعثرة، قد تدفعها أزماتها إلى الدخول في مغامرات غير محسوبة توصل إلى ما هو أخطر. فهل سنشهد صيفاً حاراً في المنطقة ولبنان منها في الواجهة، أم أن عض الأصابع سيستمر بإنتظار من يصرخ أولاً، علَّ هذه الصرخة تكون بديلاً عن الأسوأ؟ لننتظر ونرَ ، وإن غداً لناظره قريب.  

السابق
أقلية «حديدية» تدير البرلمان في مواجهة أكثريات متناثرة!
التالي
معارضون في المجلس النيابي يَخشون عودة الأكثرية لـ«الثنائي الشيعي» و«العونيين»!