عودة نبيه بري الحزينة

جلبت الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة بصيص أمل حيث تمكنت قوى التغيير، التي خرجت من ثورة 17 أكتوبر 2019، من حصد 15 مقعداً في البرلمان، الأمر الذي يهدد احتكار النخبة السياسية ويؤكد أن اللبنانيين، على الأقل جزء منهم يراهنون على نظام سياسي جديد.

بينما نجت الطغمة من عاصفة الانتخابات، فإنها بالتأكيد أقل قوة من ذي قبل، حيث أكدت الأرقام أن العديد من الأحزاب والقيادات السياسية التقليدية خسرت عدداً كبيراً من دوائرها الانتخابية، حيث اختار البعض التصويت الإصلاحيين. بينما امتنع الآخرون ببساطة عن التصويت معا.

تم التقليل من شأن النجاح المحدود للمعارضة من قبل العديد ممن رأوا في هذه الظاهرة مجرد صدفة وأن قوى التغيير التقدمية هذه ستفشل في التوحد أو إذا فعلوا ذلك، فلن يكونوا قادرين على الوقوف ضد أمراء الطوائف.

اقرأ أيضاً: الأوراق البيضاء والميثاقية المسيحية تُطوّقان رئاسة بري..وعون «يحتجز» الإستشارات!

ومع ذلك، فإن التصويت المقبل على رئيس مجلس النواب، الثلاثاء، يؤكد عكس ذلك، إذ إن أصوات هذه الكتلة ستكون حاسمة في المستقبل لا سيما بان الاصطفاف الهش بين الكتل التقليدية لا سيما تلك التابعة للمحور الإيراني ستجعل من أصوات المعارضة بكل أطيافها حاسمة.

ينص الدستور اللبناني بوضوح على أن أول عمل للبرلمان الجديد هو انتخاب رئيس ونائبه بالإضافة إلى خمسة أعضاء في البرلمان سيشكلون هيئة المجلس.

كما هو الحال، من المقرر إعادة انتخاب نبيه بري، رئيس حركة أمل، للمرة السابعة، وهو المنصب الذي شغله منذ عام 1992، ليصبح الأطول في تاريخه.

في حين أن الدستور اللبناني لا يشير إلى طائفة أي من المسؤولين المنتخبين، فإن العرف وصيغة تقاسم السلطة تفترض أن يكون المتحدث شيعيًا وأن يكون نائبه مسيحيًا أرثوذكسياً.

تم تأكيد إعادة انتخاب نبيه بري إلى حد ما بسبب حقيقة أن المقاعد الشيعية الـ27 في البرلمان يشغلها ما يشار إليه عمومًا باسم «الثنائي الشيعي»، حركة أمل وحزب الله، وبالتالي لا يمكن للمعارضة أن ترشح واحدًا خاصا بها، وقد تكتفي بالتصويت بورقة بيضاء.

كانت فترات رئاسة بري حليف لنظام الأسد السابقة، امتداداً للهيمنة السورية التي بدأت باتفاق الطائف واستمرت حتى عام 2005 تاريخ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

بعد عام 2005، أصبح بري أحد أعمدة المحور الإيراني حيث وفر الشرعية السياسية لحزب الله، والذي تمكن من خلال سلسلة من التحالفات السياسية مع التيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون وكذلك من خلال استخدامه للسلاح من السيطرة على الوظائف الرئيسية للدولة. أو ما تبقى منها.

لأكثر من ثلاثة عقود، خدم نبيه بري كرئيس كهنة للنظام الزبائني اللبناني القديم، وهو النظام الذي رأى أمراء الحرب ينتزعون الشرعية عبر الانتخابات وأساءه استخدام موارد الدولة، مما أدى إلى انهيارها التام.

لكن هذه المرة بري ليس لديه ما يكفي من النفوذ ولا الأصوات ليتم انتخابه بالأغلبية المطلقة، وسيكون فوزه المتوقع ضعيفاً حتى لو أعطاه التيار الوطني الحر اصواته.

وهذا بحد ذاته ليس بتفصيل بسيط. والأهم، فإن منصب نائب رئيس مجلس النواب والمناصب الخمسة الاخرى مفتوحة أمام كتلة التغيير وكذلك أحزاب المعارضة الكلاسيكية الأخرى مثل القوات اللبنانية وحزب الكتائب.

ومن شأن هذا الفوز الرمزي للثورة أن يمهد الطريق أمام المواجهة الديموقراطية المهمة المقبلة المقررة في سبتمبر، عندما تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون.

في الماضي انتهك بري الدستور برفضه عقد مجلس النواب لأكثر من عامين ونصف، حتى تمكن المحور الإيراني من التوسط في «صفقة فاوستية» أدت إلى انتخاب عون رئيساً. وبالتالي، فإن التصويت المهين والضعيف لبري من شأنه أن يضعف فرص تكرار السيناريو المذكور، وبالتالي سيضطر حزب الله كما هو الحال دائما إلى استخدام أسلحته كما فعل مرارا لعرقلة انتخاب رئيس يمكن أن يقود لبنان سياسيا واقتصاديا من انهياره الحالي.

لم يعد التصويت لرئيس جمهورية ورئيس مجلس نواب يشبه بشكل واضح أعضاء البرلمان الجدد بعيد المنال او حتى مستحيل، ولكنه يتطلب رؤية مشتركة وقبل كل شيء اقتناع شديد بأن هؤلاء القتلة لن يتخلوا عن السلطة بسهولة ولن يكونوا مستعدين للعب وفقًا للقواعد. وانفجار ميناء بيروت والأزمة الاقتصادية المستمرة دليل على ذلك.

السابق
طقس صيفي يُخيّم على لبنان.. والحرارة تلامس الـ٣٠
التالي
بالفيديو: مارديني يكشف عبر «جنوبية» خفايا تقلّبات الدولار.. ماذا عن دور «المركزي»؟