المعارضة الشيعية تفقد ركناً عندما بدأ جدار «الثنائي» يتصدّع

محمد عبد الحميد بيضون

عندما أغمض النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون الثلثاء الماضي عينيّه نهائيا، كان يدرك ان قضيته التي ثابر عليها منذ نحو عقديّن من السنين، ألا وهي معارضة ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل”، قد لاحت بواكير نجاحها، كما تبدت في نتائج الانتخابات النيابية. وعندما زرته لاخر مرة قبل أسابيع قليلة في مستشفى اوتيل ديو مطمئنا الى صحته، كانت حماسته عالية في مواكبة هذه الانتخابات. ونالني جزءا مهما من هذه الحماسةن لكوني كنت مرشحا عن المقعد الشيعي على لائحة “بيروت تواجه” التي خاضت السباق في بيروت الثانية. وبصوت متهدج وعدني ووفى، بأن يكون أفراد اسرته والمقربين منه الى جانبي.

لم تقتصر إندفاعة بيضون على مواكبة الانتخابات فحسب، بل أنه إنبرى ليقترح ما يفيد البرنامج السياسي للسباق، مثل ان يتم التعهد في حال الفوز في بيروت  بالذهاب الى تنفيذ مشروع مماثل لكهرباء زحلة يشمل العاصمة لحل أزمة الطاقة فيها. او مثل إعتماد حافلات هيدروليك لتوفير النقل الرخيص والصديق للبيئة في المدينة. ولا يكتفي بيضون بطرح ما يقترحه فحسب، بل يقدم ما لديه من معطيات تؤكد صوابية الاقتراع.

اقرأ أيضاً: محمد عبد الحميد بيضون مفكر سياسي تغييري.. عاش بتمرد ورحل بهدوء!

لم يقدم بيضون نفسه يوما، على انه معارض شيعي، بل كان يتطلع دوما الى ان يكون جزءا من معارضة وطنية عابرة للطوائف ، وقد جسّد ذلك فعليا في آخر سنين العمر من خلال المشاركة الفاعلة في قيام “حركة المبادرة الوطنية” الى جانب رفيقه المعارض الوطني البارز فارس سعيد وشخصيات بارزة على هذا المستوى منها احمد فتفت ورضوان السيّد وتوفيق كسبار وآخرون. وفي مناسبات عدة من محطات المعارضة، كان يتطلع الى بكركي كموئل وطني لمواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية الذي يجسده “حزب الله” واداته العهد الحالي. أما إنتقاده لحركة “أمل” وزعيمها الرئيس نبيه بري، فقد كان حادا خصوصا لناحية الانحدار الذي تسبب به الأخير لمجلس النواب طوال رئاسته له منذ 30 عاما، ويقول في هذا الاطار:” ليس هناك مشروع واحد يفيد لبنان إقترن باسم بري طوال ثلاثة عقود.”

لم يفت المعارض الراحل القول دوما، “ان الطائفة الشيعية أعطت أفضل الكوادر والنخب عندما كان جيل الإباء ماسحي احذية. بينما في زمن ثنائي بري -نصرالله، أنتجت الطائفة موالين يقودهم الزعيم الى التهلكة كما فعل حزب الله بالاف الشبان الذي لقوا حتفهم في حروب الحزب بدءا بسوريا وصولا الى اليمن مرورا بالعراق، إضافة الى تحويل لبنان منصة لصناعة الكبتاغون وتصديره.”

تحت عنوان “تهافت الشيعية السياسية وتخلّفها” كتب بيضون عام 2017 يقول:” الشيعية السياسية، هي حجر الأساس في وضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية منذ الانسحاب السوري عام 2005 بعد إغتيال رفيق الحريري، ومنذ يوم الجريمة الإرهابية التي قام بها حزب الله والمليشيات التابعة له يوم 7 أيار 2008 بإحتلال بيروت وترويع أهلها … المهم ، نشهد اليوم الشيعية السياسية عارية من أي تأثير سياسي ، أو قوة سياسية تفيد البلد وتقدمه…تملك فقط القوة العارية، أي السلاح والمليشيات. قوة غاشمة ، لم تجلب الى البلد سوى الانهيار والفساد المعمم والصراع المذهبي ممزوجا بالنفاق الطائفي.”

 أما في آخر عام 2018 ، فكتب بيضون يقول:” إنتقل لبنان من ولاية الفريق(الأسد)، الى ولاية الفقيه.أي كما يقال بالعامية، “من الدلف الى تحت المزراب.” وكأنما الولاية الأولى لم تمعن في إضعاف الدولة وتخريب مؤسساتها، فجاءت الولاية الثانية، لتقود الى الانهيار، والى واقع الدولة الفاشلة بكل المعايير. واليوم، ليس من هم أو هاجس لدى اللبنانيين ، سوى الانهيار على مختلف الصعد، بخاصة الصعيد الاقتصادي والخدماتي الذي أوصل لبنان من واقع سويسرا الشرق قبل حرب عام 1975، الى واقع ضاحية من ضواحي طهران، أي اعلى درجات التردي والتدهور والفوضى غير الخلاّقة مع طبقة سياسية صارت مزمنة كالامراض المزمنة ، تتمسك بعروش السلطة المتهالكة منذ عقود ، وليس لها دور سوى خدمة الوصايات والامعان في تحقير البلد وإذلال اللبنانيين ونشر الفساد والافساد.”

“من منكم  بلا خطيئة فليرمها بحجر،” يقول السيد المسيح.  من “خطايا” الراحل انه كان لفترة طويلة مسؤولا بارزا في حركة “أمل” التي يتزعمها الرئيس بري منذ الإطاحة برئيسها السابق حسين الحسيني في زمن الوصاية السورية  قبل نحو ثلاثة عقود. لكن بيضون ، واتته الفرصة للكلام عن مؤسس الحركة الامام موسى الصدر، فكتب لمناسبة الذكرى الأربعين لغياب الامام تحت عنوان “موسى الصدر يخجل ان يلفظ هؤلاء أسمه،” قائلا:” الامام موسى الصدر دفع حريته وحياته ثمنا لموقف تفرّد به عام 1978 ، وهو رفض أي وجود لميلشيات مسلحة في جنوب لبنان ، وتشديده على سيادة الدولة اللبنانية على الجنوب، وعلى إعتبار قرار الجنوب قرارا محض لبنانيا، لا تشاركه فيه أي دولة أخرى ، أكانت شقيقة أم صديقة. ذهب الى سوريا بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978، مطالبا بإنهاء الوجود الميليشياوي الفلسطيني في الجنوب، فأحاله السوريون على القذافي ، متهربين من مسؤولياتهم ، وعارفين سلفا بما ستكون عليه ردة فعل القذافي ومصير الصدر.” وخلص بيضون الى القول:” ثلاثية الصدر هي: المواطن ، الدستور السيادة، أما ثلاثيتهم فهي الوصاية والسلاح والفساد. القذافي غيّبه مرة واحدة، وهم غيّبوه أربعين مرّة.”

كل الكتابات التي أسلفنا العودة اليها هي جزء من كتاب الراحل الذي حمل عنوان ” أم على عقول أقفالها،” الصادر بداية العام 2019 عن دار الريّس.

لو إمتد العمر ببيضون حتى آب المقبل ، لكان كتب مجددا : “القذافي غيّبه مرة واحدة، وهم غيّبوه أربعا وأربعين مرّة.”

لكنه شهد بداية تصدّع جدار “الثنائي”، الذي يئن الان من مطارق التغيير والسيادة ، وكأننا نعيش حالا ،س كحال جدار برلين الذي كان إنهياره عام 1989، رمزا لبداية ولادة ليس في المانيا، وإنما في العالم قاطبة.

السابق
«قوميو البريستول» يتهمون «حزب الله» بإخراج حردان وتعويم «فرع الروشة»!
التالي
تعميم النموذج