عبدالله رزق لـ«جنوبية»: المجلس الثقافي للبنان الجنوبي لا يؤمن بالتراجع ولا يستكين له

عبد الله رزق

في ظِلّ الانهيار اللبنانيّ الشّامل للحياة اللبنانيّة الراهنة برمّتها ، بسبب من موت العُملة اللبنانيّة ، تراجعت الحياة الثقافيّة اللبنانيّة ، أيِّما تَراجُع ، وإلى حدّ الإنكفاء على نفسها ، ما جعل المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، والذي هو المجلس المشهود له ، وعلى مدى تاريخه المديد ، بأنّه رُكنٌ وطيد من أركان الحياة الثقافيّة اللبنانيّة والعربيّة والعالميّة ، يُواجِه اليوم – وككلّ المؤسَّسات الثقافية اللبنانية ذوات ” الدَّخل المحدود ” ، أساساً ، – المَصاعِب الماليّة والإقتصادية الجَمَّة ، والتي تأثيراتُها السلبيّة ، حَدَّت ، وبطبيعة الحال ، من نشاطات هذا الصَّرح الثّقافيّ العريق ، الذي زاره موقع ” جنوبيّة ” ، قبل أيام ، لاستطلاع طبيعة هذه التأثيرات .

وهذا الأمر كان مَدعاةً لإجرائنا هذا الحوار الآتي نصّه مع نائب الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي الدكتور عبدالله رزق :

بعدان سلبيان:

تراجعت الحياة الثقافيّة اللبنانيّة ، أيِّما تَرَاجُع وإلى حَدِّ الإنكفاء على نفسها ، بسببٍ من الانهيار اللبناني الشّامل ، للحياة اللبنانية برمّتها ، والذي ما زال مستمرّاً ، وفي أَوجِه ، منذ ثلاث سنوات،

فما كان نَصِيبُ المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، من هذا التَّراجُع ؟

ألسؤال يتضمّن الجواب ، باعتبار أنّ الانهيار ، عندما حصل في لبنان ، كان شاملاً وعامّاً ، وطال مختلف جوانب الحياة الثقافية منها والسياسية ، بشكل خاص ، طبعاً مع تَرَدُّداته الإجتماعيّة والإقتصاديّة والماليّة التي أثَّرت على كل الناس في لبنان ، تأثيراً سلبيّاً كبيراً ، وذلك لِوَعيها للإنهيار الكبير الذي حصل ، والذي أَثَّر ، سلباً أيضاً ، على اهتمامات الناس بالقضايا الثقافية بشكلٍ عام . وهذا الجوّ العام إنعكس ، ايضاً ، على المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، بسببب بُعدَين رئيسين :

ألبُعد الأول هو جائحة كورونا ، وما فرَضته من التّباعُد الإجتماعي ، والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي يعتمد ، أساساً ، على الحضور المباشر لنشاطات المجلس المتنوّعة ؛ والُبعد الثاني هو بُعدٌ مادّيّ ، فنحن نعتمد المساعدات التي تُقَرُّ من وزارة الثّقافة اللبنانية ، إضافةً إلى تَبَرُّعات واشتراكات الأعضاء والمُرِيدين . وفي حالة الانهيار الذي حصل ، جُمِّدَت المساعَدات من وزارة الثقافة ، عِلماً أنّنا ، في المجلس الثَّقافي للبنان الجنوبي ، لَم نقبض المساعدات المقَرَّرة ، على امتداد ثلاث سنوات قبل العام 2020 ، لأسبابٍ تتعلّق بوزارة الماليّة وتوزيعاتها على المحظوظين فحسب !

الضائقة الماليّة التي يعاني منها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي بسبب الإنهيار اللبناني الحاصل حالت دون القيام بنشاطاته الأسبوعيّة الإعتيادية

أمَّا في ما يتعلّق بالتَّبرُّعات والإشتراكات ، فقد تَعَذَّرت بالكامل ، بسببٍ من الوضع الإقتصادي والمالي المتدهور ، حتّى أنّ العشاء السّنوي الذي يقيمه المجلس، تَعَذَّر بالكامل لنفس السّبب ؛ لكن ، رغم ذلك ، حاول المجلس أن يحافظ على بعض النَّشاطات ، وإن كانت ليست بديمومةٍ مستمرّة .

فقد ساهم بندواتٍ عبر تقنيّة ” الزّوم ” ، ونذكر هنا ، بشكل خاص ، ألنَّدوة التي أُقيمت في موسكو بدعوة من ” البيت اللبناني – الروسي ” ، فقد شارك المجلس فيها بأربعةٍ من أعضائه وهم : ألشاعر شوقي بزيع ، والرّوائي حسن داوود ، والناقد عبد المجيد زراقط ، إضافةً إلى التواصل مع الشاعر هنري زغيب . كذلك الأمر ، فقد دعا المجلس وشارك بإجتماعاتٍ لها الطّابع الحَدَثِيِّ للهيئات الثقافية في لبنان ، وأصدر معها بيَاناتٍ تُعالِجُ الأحداث ، وتَتّخِذ الموقف المناسب منها .

كما شارك المجلس في مناسبات إجتماعية أخرى ، ذات طابعٍ ثقافيّ ، وذلك عبر الكتابة أو المشارَكة بندواتٍ تُعقد عن بُعد ؛ أمّا ما يتعلّق بالتَّراجُع الثقافي في لبنان عموماً ، فلقد حاول المجلس ، ألقيام بالتنشيط الثقافي ، لأنَّه لا يُؤمِن بهذا التَّراجُع ، ولا يستكينُ له ، خاصّةً وأنّه ، منذ العام 1964 ، أي منذ تأسيسه ، حافظ المجلس الثقافي للبنان الجنوبي على دوريّة نشاطاته الثقافية والمعرفيّة المتنوّعة ، كل يوم خميسٍ ، من كل أسبوع .

النَّدوة التي صُودِف انعقادها في ليلة اندلاع انتفاضة 17 تشرين

نلاحظ ، ومنذ مدة طويلة ، أنّ المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، وهو الذي كان يُقِيم ، وعلى نحوٍ دائم ، نشاطَين ثقافيّين ، أسبوعيّاً ، على الأقلّ ، لم يُنظِّم نشاطاً ثقافيّاً واحداً حتى ، فمنذ متى أوقف المجلس نشاطاته الأسبوعيّة فعليّاً ؟ ولماذا ؟

ربطاً بالجواب على السؤال الأوّل ، ونتيجةً لعدم وجود الإمكانيّات المادّيّة للإشتراك في مولّدات الكهرباء ، والانقطاع الدائم للكهرباء ، فإنّ ذلك شكّل سبباً مانعاً ، حال دون القيام بالنشاطات ، حتى أنّنا لم نستطع شراء مولِّد صغير يفي بحاجة المجلس للإنارة والصّوتيَّات .

وتجدر الإشارة إلى أنّ المُصادَفة شاءت أن تكون آخر ندوةٍ عقدها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، قبل الأزمة الحاليّة ، كانت في ليلة ( 17 تشرين الأوّل 2019 ) ، أي ليلة اندلاع الإنتفاضة . وتمثَّلت هذه الندوة بمناقشة الأعمال الشِّعريّة الكاملة لأمين عام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، الأستاذ حبيب صادق . وهي الأعمال التي يضمّها الكتاب الذي يحمل عنوان : ” للوطن والحريّة ” ، ( الّبعة الأولى 2019 / عن ” دا ر الفارابي ” في بيروت ) .

شاءت المصادفة أن تكون آخر ندوة عقدها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي قبل الأزمة الحالية في ليلة 17 تشرين الأول 2019 أي ليلة اندلاع الانتفاضة

ولقد تمّ توزيع نُسخاتٍ من هذا الكتاب على نطاقٍ واسع ، في القرى والبلدات الجنوبيّة . وقد أوقف المجلس نشاطاته النَّدويَّة ( نسبة إلى ندوة ) ، منذ ذلك التاريخ ، للأسباب السّالفة الذِكر .

المجلس الذي تعرض للحرق والسلب مرتين في تاريخه ! ؟

لقد بلغ عمر المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، ثمانيةً وخمسين عاماً ، فهل سبق لهذا المجلس أن أوقف أو علّق أيّاً من نشاطاته لسببٍ ما ، في فترةٍ معيَّنة من فترات عمره المديد هذا ؟

لقد استمرّ المجلس بإقامة نشاطاته الثقافية المتنوعة والمتعددة والمختلفة ، بصورةٍ دائمة ، من بداية تأسيسه إلى اليوم ، باستثناء تَعَرُّضِه للحَرق والسَّلب مرَّتين في تاريخه !؟ وإن كان لا يمكننا أن نقدّم لمحةً تاريخية عن تأسيسه ، في هذه العجالة ؛ لكنّنا نؤكد أنّه استند إلى الإرث المعرفيّ الغنيّ لجبل عامل . وهو الإرث الذي تمثّل بالحراك الفكريّ والثقافي الكبير الذي تمتّع به هذا الجبل العريق ، في تاريخه المجيد . ومنذ تأسيسه ، ورغم الصعوبات الأمنيّة والماليّة ، حرص المجلس على القيام بالنشاطات الثقافية في مختلف الأوجه ، عبر لقاءات وندوات أسبوعية ، إضافة إلى نشاطات موسميّة في مقر المجلس وخارجه .

حرمت وزارة الثقافة اللبنانية المجلس الثقافي للبنان الجنوبي من المساعدات المقرّرة له من قبلها وتمّ ذلك على امتداد ثلاث سنوات قبل العام 2020 لأسباب تتعلق بوزارة المالية اللبنانية وتوزيعاتها على المحظوظين فحسب !

إذ إنّه أقام معارض فنونٍ تشكيلية ، وأصدر كُتُباً ، وأقام مهرجانات شِعريّة ، وحفلات موسيقيّة وغنائيّة ، ومؤتمرات ونشاطات خارج لبنان ، بالتعاون مع مؤسَّسات وهيئات ثقافيّة عربيّة وعالميّة .

إصدارات المجلس وشرطان إنتسابيّان

كم كتابٍ أصدر المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، منذ تأسيسه إلى اليوم ؟

لقد أصدر المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ( 86) كتاباً ، في حقولٍ معرفيّةٍ متنوعة ، تراوحت ما بين موضوعات : ألتاريخ والسياسة والآثار والإجتماع والأدب والشعر والسّيرة .

ويهمّني هنا أن أشير إلى أنّه إنتسب إلى المجلس حوالى ( 600 ) مثقَّفٍ جنوبيّ ، على قاعدة أحد شرطين رئيسين : 1 – أن يكون المنتسب صاحب أثرٍ أدبيٍّ أو فكريّ أو شعريّ أو فنّيّ . 2 – أن يكون حائزاً على شهادةٍ جامعيّةٍ ، ولا يهمّ في ذلك الاختصاص . ويوثّق المجلس نشاطاته وإنجازاته في مجلّداتٍ تأريخيّة ، صدر منها ، حتى الآن ، أربعة مجلّدات .
سؤال المرحلة.

ينتسب إلى المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حوالى (600 ) مثقّف جنوبي ولقد اصدر المجلس ( 86 ) كتاباً في حقول معرفيّة متنوّعة

من وجهة نظرٍ ثقافيةٍ بحتة ، ما هو رأي المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، بالأجواء اللبنانية الكارثيّة ، التي ما زالت ومع دخولنا عامها الثالث على التوالي ، تُضَيِّق خِناقها علينا يوماً إثر يوم ؟

سؤال المرحلة

إنّه سؤال المرحلة ، حيث تشتدّ الأزمة وتتعاظم . ولا نُبصر أيّ بصيصِ أملٍ للخروج ، سريعاً ، من نفقِها المظلم . خاصةً وأنّها تطال المسألة الوجوديّة للكيان اللبناني ، وإمكانيّات نهوضه ، بسببٍ أساسيّ هو، أنّ المنظومة الحاكمة تستنكف ، وبشكلٍ مثيرٍ للرّيبة ، عن القيام بأيّة محاولة إصلاحيّة جادّة ؛ وبالمقابل ، لم تستطع قوى التّغيير أن تتوحَّد وتضع برامج تتراكم فيها إنجازات المواجهة مع هذه المنظومة ؛ وإن كنَّا نأمل بأن المستقبل سيفضي إلى مرحلةٍ تُشرِقُ فيها العافية ، ويتدفّقُ الخير .

السابق
عقب انتهاء الانتخابات.. اليكم موعد الجلسة الأخيرة لحكومة ميقاتي
التالي
قرب منزل نائب طرابلسي.. سيارة مدججة بالسلاح وناضور ومبلغ من المال!