حين «تفوز» شيرين أبو عاقلة.. في «الشهادتين»!

ياسين شبلي

في “منطق ” الجريمة فإن أول ما يلجأ إليه المجرم بعد إرتكاب جريمته، هو أن يقتل أي شاهد عليها، فكيف والحال هذه إذا كان فعل الجريمة هو عبارة عن “جريمة جارية” مستمرة على مر السنين، والمجرم قاتل متمرس، “وحش” يعيش على فعل الإغتصاب والقتل وأكل لحوم البشر، وشُرب دمائها والتلذذ بدموعها، والشاهد صحفي محترف جدِّي ورصين، متمكن من رسالته ويؤديها بإحترافية دون إستعراض فارغ أو مبالغة مؤذية للقضية التي يعرضها، وإنسان ذو حس إنساني رفيع في تعاطفه مع الضحية، عبر نقل معاناتها بصدق وشفافية دون إفراط حماسي أو تفريط جبان.

اقرأ أيضاً: إغتيال شيرين أبو عاقلة.. يوم أسود جديد في تاريخ فلسطين!


هكذا كانت شيرين أبو عاقلة، الشاهدة اليومية على إرتكابات هذا العدو ونظامه العنصري الصهيوني الحاقد على كل بشري، وهذا كان “مقتلها،” فأكثر ما يضير هذا العدو هو الشاهد الحي الضمير، والملتزم مهنيا في نفس الوقت.
نجحت شيرين أبو عاقلة كشاهدة على الأحداث عبر سني عملها الإعلامي، فكانت صوت الحقيقة وعدستها، وهذا ما جعل منها أيقونة للإعلام الملتزم النظيف مهنياً، وزهرة من زهرات فلسطين وشعبها، التي تفوح محبة وتعاضد على المستوى الإنساني، وهو ما تجلى في إلتفاف الناس العاديين حول جثمانها اليوم ، وكذلك حديث القادة والمسؤولين محليا وعالمياً حول مسيرتها، والصدمة التي تركها إغتيالها في نفوس الأحرار حول العالم .

أكثر ما يضير هذا العدو هو الشاهد الحي الضمير، والملتزم مهنيا في نفس الوقت


نعم نجحت شيرين اليوم كعادتها مرة أخرى، وأرتقت إلى أعلى سلم النجاح وحازت الشهادة الكبرى، نجحت كشاهدة بداية واليوم كشهيدة في إعادة فلسطين وقضيتها إلى الواجهة ولو لأيام في هذا العالم المنكوب بمرض “الإلزهايمر” السياسي والإنساني والأخلاقي، فلسطين التي تبكي اليوم زهرتها وتضمها غداً إلى حضن ثراها راضية مرضية، متسائلة مع ملايين الأحرار والمظلومين في هذا العالم الظالم، إلى متى سيبقى دمنا ودمعنا مباحاً، إلى متى ستبقى أرضنا تروى بالدم والدموع بدل الماء والعرق، حتى تزهر تحريرا وحرية، أما من نهاية لهذا الظلم الواقع علينا والذي لم تشهد له البشرية مثيل؟

شهادة شيرين أبو عاقلة اليوم تعيدنا بالذاكرة إلى كل شهداء الصحافة والفكر الذين قضوا على طريق حرية الشعوب والأوطان والأفراد


إن شهادة شيرين أبو عاقلة اليوم ، تعيدنا بالذاكرة إلى كل شهداء الصحافة والفكر، الذين قضوا على طريق حرية الشعوب والأوطان والأفراد، منذ “الإستقلال” في بلاد العرب ومن ثم النكبة في فلسطين وما تلاها من “نكسات” وحتى اليوم، والذين أغتيل الكثيرون منهم بأيدي الطغاة عندنا، وبإسم فلسطين وهي بريئة من دمائهم، لكن شهادة شيرين اليوم هي أشبه ما تكون بشهادة آخر من سبقوها من الصحفيين والكتَّاب ، ونقصد به “حارس الذاكرة” لقمان سليم ، سواء من حيث الهدف، وهو تغييب الذاكرة العربية وشطب الشاهد – الملك الذي يملك الدليل الدامغ والموثَّق عن الجريمة، أو من حيث طريقة ” الإعدام ” اللئيمة والحاقدة والجبانة.

إنها حتمية التاريخ ما دام هناك شعب يعشق الحرية ولا يساوم على أرضه مهما طبع المطبعون

هنيئاً لثرى فلسطين بزهرته شيرين.. وهنيئاً لشيرين ثرى فلسطين التي أحبت، فعاشت وعملت وأستشهدت من أجل رفع رايتها، ومحاولة رفع الظلم عنها بكشف حقيقة الوحش الجاثم على صدرها، فكان أن صرعها هذا الوحش وسفك دمها الذي سيجري مع الأيام كغيره من دماء الشهداء، في شرايين فلسطين ليغذي قلبها فيضخ في النهاية حرية وتحرير ، طال الزمان أو قصر ، فلا بد لليل أن ينجلي مهما إدلهم الظلام، إنها حتمية التاريخ ما دام هناك شعب يعشق الحرية، ولا يساوم على أرضه مهما طبع المطبعون.

السابق
خاص «جنوبية» الحريري الى واشنطن.. و«العمة» الى أبوظبي!
التالي
​كيف تعرف أين تقترع/ين؟